لاشيء يدل على أنك تجلس على بعد أربعة أمتار تقريباً من دولة رئيس الوزراء، ولا حارس يتفحصك في باب المنزل، يصافحك باسندوة كصديق قديم، ثم يتصفح ملفات كثيرة، وبين فينة وفينة يرفع يمناه محيياً ضيفه، ولا ينسى أن يعطي طفلاً جاء رفقة أبيه “حق الجعالة”. تلفون نوكيا موديل قديم، ورقم سبأفون دون علامة مميزة.. ثم بنظرة مقارنة بين علاقي القات - الذي تركنه بجوارك - وذلك الذي بجوار رئيس الحكومة، يتأكد لديك أنك أمام حالة خاصة من زمن التقوى والقدوات. ينهض باسندوة من مجلسه، ويهدي أحد الضيوف الذي يزوره - لأول مرة - ثلاثة أغصان مقتضبة، وبشفتين ترعشهما هزة خجل، يطلب منك العذر والمسامحة، هناك تسقط الأربعة الأمتار تماماً. لاشيء سوى باسندوة، وهذا يكفي للبلد الذي يريد أن ينهض من قعر الهاوية وحضيض التقييمات والتصنيفات الدولية في كل متعلقات الفساد والشفافية.. يرن الهاتف - الذي يبدو الأقل أناقة والأقدم موديلاً في المكان - ويرد باسندوة على اتصالات من رؤساء حكومات ووزراء خارجية من مختلف دول العالم، ويرد على اتصال من وزير في حكومة الوفاق قائلاً له - في معرض المهاتفة- بيتاً من الشعر العربي المبين: لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم ومن هذا البيت الكلاسيكي والعمودي أيضاً يمكنك قراءة المادة الأولى من الدستور الشخصي والأخلاقي للرجل الذي كان ينطقه على الهاتف دون كسر في الوزن أو النحو.. كما يتحدث باسندوة الإنجليزية بطلاقة. عليك أن تتحمل العطش، فليس ثمة قارورة ماء معدنية فائضة في المكان، وعلى باسندوة أن يشحن هاتفه الخلوي ذا البطارية المنهكة والهيكل المهترئ، ويأمل باسندوة أن يكفي راتبه لسداد نفقات الاتصالات الدولية والخارجية التي يجريها من لدنه إذا لم يحصل على بدل اتصالات. يقول رئيس الوزراء - الذي ينصت جيداً لكل ما تقوله ويوزع تحياته على الضيوف بعدالة - إنه يكره الحراسة الشخصية “البودي جارد”، ويسعد كثيراً حين يصافح طفلاً أو جندي مرور أو حراسة مبنى مجلس الوزراء، ولا شيء يفرحه أكثر من دعوة له بالتوفيق والعون والسداد. لاشيء سوى باسندوة.. الرجل الذي يشبه كل اليمنيين “بكل عيون الشعب يرى.. وبكل جوانحهم يعشق”.. رجل الأعباء والمهمات الصعبة.. يقول صحفي: كيفية لا تكيف هو باسندوة؛ القدوة. ولم يصدق محمد محسن البيضاني - وهو مغترب يمني يقيم في المملكة العربية السعودية، اتصل خطأً - أن الذي يرد عليه من اليمن هو دولة رئيس الوزراء الذي كان يؤكد له:”معك محمد سالم باسندوة”. اعتبر الرجل الأمر مزحة ثقيلة أو مقلباً، وأغلق سماعته، وبعد ساعات حصل البيضاني الذي أجرى مقارنات على اليوتيوب على بصمة الصوت وشفرته..”إنه باسندوة فعلاً، ولم يكن الأمر مزحة أو مقلباً”. في اتصال لاحق قال البيضاني المغترب:”الآن تأكد لي أن هناك دولة”، وفيما مازالت رسائل الدعوات تنهال من ذات الرقم على هاتف باسندوة - ذي البطارية المنهكة - أصبح مواطن يمني ومغترب صديق رئيس حكومة الوفاق الوطني.