ندلف اليوم إلى رحاب العام الميلادي الجديد 2012م بعد أن أكملنا بالأمس آخر أيام العام المنصرم الذي كان بالنسبة لنا كيمنيين عاماً سلبياً نتيجة اندلاع الأزمة السياسية وما أفرزته من تداعيات وانعكاسات سلبية على حياة ومعيشة المواطنين وعلى أمن واستقرار واقتصاد الوطن، ودّعنا عام 2011م العام الأسود لليمن واليمنيين والأمل يحدونا ونحن نستقبل العام الجديد 2012م بأن يكون عام خير وسعادة ونماء على بلادنا وشعبنا وعلى بلدان وشعوب العالم، وأن تكون إطلالته حاملة لليمنيين بشائر الانفراج التام للأزمة السياسية التي جثمت على صدورهم طوال العام المنصرم بحيث يكون عاماً للتغيير في حياتنا وفي مجتمعاتنا وفي ثقافتنا وفي سلوكياتنا وفي سياستنا وفي كل شؤوننا الداخلية والخارجية، التغيير الذي يقودنا نحو الأفضل لا الذي يقودنا إلى الأسوأ، التغيير الذي يتجه بنا إلى الأمام لا الذي يعيدنا على الخلف. إننا نحلم بأن يكون العام الجديد فأل سعد علينا كيمنيين نتجاوز خلاله التباينات والاختلافات, وندفن الأحقاد والضغائن والمآسي التي اكتسبناها وتجرعنا ويلاتها في الماضي البعيد والقريب، إننا نحلم بحياة هانئة ومستقرة مفعمة بالسعادة ومزدانة بالإيمان والتقوى, وخلال الأيام الأولى من العام الجديد ينبغي على كل فرد منا أن يستدعي شريحته الذهنية لاستعراض سجل الأعمال التي قام بها خلال العام الماضي وتقييمها والوقوف عليها من أجل المضي في تعزيز وتدعيم ما هو إيجابي منها والترفع عن كل ما هو سلبي منها خلال العام الجديد, ولا مجال للاستمرار في اجترار الأخطاء وحصد الذنوب والخطايا، وليكن عام المصالحة مع النفوس, فمن يدري من يعيش إلى العام القادم. لم يعد هناك من مجال للعبثية التي نمارسها في حياتنا, يحب أن نصلح ما بيننا وبين الله وما بيننا وبين الناس ومن ثم الانتقال إلى المحيط الأسري والمجتمعي لإصلاح ما يمكن إصلاحه والإسهام في معالجة القضايا والمشاكل العالقة في هذا الوسط بحسب إمكانيات وقدرات كل فرد من أفراد المجتمع باعتبار ذلك مسئولية مجتمعية قبل أن تكون مسئولية الجهات ذات العلاقة في الحكومة، إنه عام التغيير بامتياز, وعلى كل فرد من أفراد المجتمع أن يضع بصمته, فالموظف الذي اعتاد أن يتقاضى راتبه وهو قابع في منزله دون أن يقوم بأداء المهام الموكلة إليه يجب عليه العودة إلى ممارسة عمله لينعم ببركة المرتب الذي يتقاضاه نهاية كل شهر، والموظف المتهاون والمتكاسل في عمله عليه أن يجعل من العام الجديد محطة للتغيير من خلال العمل الدؤوب والمخلص لما فيه المصلحة العامة للوطن وللشعب، والقاضي الذي لعبت به الأهواء وسار خلف أطماع نفسه الأمّارة بالسوء وباع نفسه للشيطان عليه أن يراجع نفسه ويعلن التوبة الصادقة ويحكم بما أنزل الله ويفتح صفحة جديدة مع نفسه بعيدة عن الرشوة والجور وتغييب العدالة وإطالة أمد الظلم بحيث يكون الملاذ الآمن لكل صاحب حق أو مظلمة ينتصر لحقه ومظلمته إرضاء لله ولرسوله ولخلقه، والطبيب الذي خان القسم الطبي وجعل من مهنته فرصة للاستغلال والمتاجرة بأرواح المواطنين الأبرياء, وأصبحت مهنة الطب في نظره عبارة عن مشروع استثماري يدر عليه الأرباح الخيالية دونما أي اعتبار أو مراعاة للواجب الإنساني الذي يحتم عليه الاهتمام بالمريض أولاًً وإنقاذ حياته قبل اهتمامه بما في حوزته من أموال قادرة على تغطية تكاليف العلاج؛ عليه أن يراقب الله ويعمل على إعادة تشغيل ضميره الميت ويسارع إلى إعادة الثقة فيه, وصاحب التجارة الذي عمل طيلة السنوات الماضية على احتكار السلع والتلاعب بأسعارها واستخدام كافة أساليب الغش التجاري والنصب والاحتيال وغرق في تعاملاته الربوية ومنع زكاة أمواله عليه أن يجعل من العام الجديد فرصة لتصحيح المسار والإقلاع عن كل هذه الممارسات السلبية ويعقد العزم على عدم العودة إلى ممارستها, وخطيب المسجد الذي أساء إلى الرسالة السامية للمنبر وسخّره لبث الفرقة وتأجيج الصراعات والتباينات المذهبية وإذكاء الصراعات السياسية والحزبية والقدح والشتم لعباد الله وتكفيرهم وتفسيقهم وأغفل الدور التنويري والإرشادي والإيماني لرسالة المسجد عليه أن يتقي الله ويخشى عقابه وسخطه ويدرك أن رسالة المسجد السامية هي بخلاف ما يقوم به, وعليه أن يعلن توبته ويصحح مساره خلال هذا العام الجديد, فالمواطن يريد من رسالة المسجد أن تذكّره بدنياه وآخرته وتحرّك في داخله نوازع الخير وخصوصاً أن الأزمة السياسية التي يعيشها الوطن أظهرت العديد من أوجه الانحراف لدى الكثير من الخطباء الذين غلّبوا مصالحهم الحزبية والذاتية على المصلحة الوطنية العليا وأساءوا إلى رسالة المسجد, وأعتقد أن على السلطات المختصة في وزارة الأوقاف والإرشاد تحييد المساجد عن الممارسات والمكايدات السياسية والحزبية وإلزام خطباء المساجد بعدم الخوض في قضايا ومسائل تشير بأي صلة إلى الصراعات الحزبية والخلافات المذهبية والقضايا التي تحرض على العنف وتنشر ثقافة الحقد والكراهية والعدائية، وعلى المعلم أن يخلص في عمله، ويؤدي رسالته التربوية بمعزل عن السياسة والحزبية، عليه أن يجعل من العام الجديد منطلقاً للإبداع وابتكار أساليب جديدة ومتطورة لتدريس الطلاب والطالبات، نريد أن يكون قدوة لطلابه داخل مدرسته وخارجها, نريده أن يهتم بمظهره وطريقة تعامله مع طلابه وأن يحرص على عدم الخوض في مسائل خارجة عن المقرر الدراسي تشتت أذهان الطلاب.. وعلى أستاذ الجامعة في جامعته، والمهندس في وظيفته، والفلاح في حقله، والنائب في دائرته الانتخابية والوزير في وزارته؛ على الجميع أن يحرصوا على تغيير نمط حياتهم ويضاعفوا من إنتاجاتهم وعطاءاتهم مع إطلالة العام الميلادي الجديد، ويسودهم التفاؤل بأن القادم أفضل بمشيئة الله، وأن العيب ليس في إصلاح الأخطاء وتجاوز السلبيات ولكن العيب في الاستمرار فيها وعدم الإقلاع عن ممارستها. البلاد لاتزال تعيش متأثرة بتداعيات الأزمة السياسية والاقتصادية, ويجب أن تتوحد الآراء وتتضافر الجهود من أجل تجاوز هذه التداعيات والخلاص النهائي منها؛ وهذا يتطلب منا جميعاً تغيير المواقف المتصلبة واستقبال العام الجديد بمرونة ولين وقبول بالرأي الآخر, وتهيئة كل المناخات أمام حكومة الوفاق الوطني لإنجاز المهام التي تضمّنها برنامج عملها الذي تقدمت به إلى البرلمان والذي حاز على الثقة المطلقة. نريد أن يكون العام الجديد انطلاقة مشرقة في عمل هذه الحكومة، نريد من الوزراء أن يقفوا أمام القضايا المطروحة على طاولاتهم وخصوصاً تلك المتعلقة بشكاوى المظلومين وهموم المواطنين ويعملوا على حلها أولاً فأولاً، نريدهم أن يجعلوا من العام 2012م عاماً للإنجاز من خلال استكمال العمل في المشاريع المتعثرة وإعادة إعمار ما هدمته الحروب في صعدة وفي الحصبة وصوفان وتعز وأرحب ونهم وبني جرموز وجعار، نريدهم أن يجعلوا من العام الجديد عاماً للعطاء الوطني؛ فلا يبخلوا فيه على الوطن بالوقت والجهد من أجل رفعته وتطوره وتقدمه وتعزيز أمنه واستقراره والحفاظ على وحدته ومكتسباته الوطنية العظيمة والخالدة، نريدهم أن يجعلوا من العام الجديد عاماً للتوافق والوفاق والمحبة والتصالح والتسامح من أجل الشعب والوطن، نريدهم أن يجعلوا من العام الجديد بوابة الانطلاق نحو الغد المشرق والمستقبل الأفضل، نريدهم أن يجعلوا حياة اليمنيين خلال العام الجديد مفعمة بالسعادة والارتياح ومحاطة بالأمن والاستقرار وخالية من المنغصات والمكدرات، نريدهم أن يجعلوا أنفسهم فوق مستوى الشبهات, وألا يجعلوا من هذه المرحلة الانتقالية فرصة لتأمين المستقبل!!. إننا نريد أن يكون العام الجديد استثنائياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى بحيث نشهد فيه إصلاح الكهرباء وتعافيها من مرضها المزمن الذي أضر بنا وأمرضنا جميعاً، وتطهير البلاد من الفساد والفاسدين وكل من له صلة قرابة بداء الفساد من قريب أو من بعيد، وأن نلمس خطوات عملية على طريق الحد من البطالة في أوساط الشباب والحد من الفقر؛ يتم ترجمتها على أرض الواقع ويلمس الجميع نتائجها عليهم وعلى حياتهم ومستقبلهم، نريد أن يكون هذا العام الميلادي الجديد خالياً من الصراعات الدموية والأعمال التصعيدية والتخريبية والإرهابية بحيث يكون عام السلام والأمن والاستقرار يتحقق فيه لليمن مالم يتحقق في العام الماضي من تحولات تنموية وحضارية واقتصادية على مختلف الأصعدة. ونأمل أن تتآلف فيه قلوب وأفئدة اليمنيين وتتوحد جهودهم وتتحد آراؤهم ويجتمع شملهم ويُلم شعثهم، وتستقيم أحوالهم وتسمو أفكارهم وعقلياتهم ويصبحوا على قلب رجل واحد من صعدة إلى المهرة، يتشاركون الأفراح والأحزان ويتقاسمون الشراكة في بناء اليمن الجديد وصنع المستقبل الأفضل ويدينون جميعاً بالولاء لله وللوطن وللوحدة. نريد أن يكون العام الجديد عاماً للإنتاج بكل المقاييس في شتى قطاعات ومجالات الحياة, نريد أن تتفجر فيه طاقات العطاء والإبداع والتميز بدلاً من تفجير القذائف والمدافع والصواريخ، نُريد أن نتخلص فيه ولو موقتاً من الولاءات الحزبية الضيقة والتعصبات المذهبية المقيتة والنزعات الطائفية الكريهة، نريد أن نكون فيه جميعاً كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، نريد أن يكون عاماً للبناء والتعمير لا للهدم والتخريب، عاماً للعطاء لا للفيد، عاماً للإصلاح لا للإفساد، عاماً للتفاؤل لا للتشاؤم، عاماً للأمن والاستقرار لا للرعب والقلق، عاماً للتطور نحو الأمام لا للتراجع إلى الوراء، عاماً للإبداع والتميز لا للإحباط والفشل، عاماً لنشر قيم التسامح والتآخي والوفاق لا للحقد والعدائية والقطيعة، عاماً للانطلاق نحو آفاق التطور والنماء لا للانغلاق والانزواء في مساحة ضيقة على هذه البسيطة، عاماً للنهضة لا للانحطاط بكل صوره وأشكاله، عاماً للتنافس على ما يخدم البلاد والعباد لا ما يخدم الشخصيات والأحزاب، عاماً يزيل من ذاكرتنا كل صور المعاناة والمتاعب والمنغصات التي تجرعناها جميعاً العام الماضي, عاماً نُحلق فيه في سماوات الإبداع والألق والتميز وصولاً إلى الغايات المنشودة التي تكفل لنا الحياة الآمنة والمستقرة والمعيشة الهانئة والمستقبل الزاهر للأجيال القادمة.. حفظ الله اليمن واليمنيين وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار, ولا عاش أعداء الوطن, وكل عام والوطن والشعب بألف ألف خير وسنة سعيدة على الجميع.