تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    دولة الأونلاين    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    احتجاجات في لحج تندد بتدهور الخدمات وانهيار العملة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    يافع تودع أحد أبطالها الصناديد شهيدا في كسر هجوم حوثي    سالم العولقي والمهام الصعبة    لليمنيّين.. عودوا لصوابكم ودعوا الجنوبيين وشأنهم    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر لن يعود إلى واجهة العمل الوطني إذا لم يتم إخراج«الصقور» من صفوفه
إلى أعزائي وأصدقائي في المؤتمر الشعبي العام:
نشر في الجمهورية يوم 03 - 03 - 2012

تأخرت عاماً كاملاً عن مخاطبة أعزائي وأصدقائي ورفاقي في المؤتمر الشعبي العام ، وتقديم رؤيتي الخاصة عن الأحداث الجسام التي شهدها الوطن منذ مارس 2011 م حتى الآن ، وعن موقفي الذي اتخذته منذ ذلك التاريخ بالانحياز إلى صفوف ثورة الشباب اليمني المطالبة بالتغيير والحرية والكرامة .. لقد كان لموقفي هذا تداعيات عدة ؛ حيث عابني بعض الأصدقاء عليه ، وقالوا بأني تبرأت من المؤتمر في وقت صعب وفي أحلك الظروف ؛ بينما كنت أتبوأ فيه موقعاً قيادياً رئيساً لدائرة الثقافة وعضوا بالأمانة العامة .وقد رددت على بعضهم آنذاك ، بأن موقفي ورأيي جاءا من قناعة كاملة نابعة من ضميري ومن الشعور بالمسؤولية تجاه وطني وأهلي ، وليس لي فيه أي حساب آخر في أي اتجاه كان .
ولم يكن بوسعي عمل أكثر مما عملته لإراحة ضميري وتبرئة ذمتي من المفاسد التي أشاهدها يومياً على امتداد ساحة الوطن في الماضي القريب ، وفي الحاضر الراهن ، والتي يقوم بها طرف في المؤتمر انبرى أخيراً لفرض خياراته على الجميع دون مراعاة لما تسببه من تداعيات خطيرة على مستقبل الوطن وعلى المؤتمر نفسه .
فهل يمكن لأي عاقل أن يقول فيما جرى في العام المنصرم من قتل المتظاهرين السلميين في الشوارع وميادين الاعتصام أن هذا واجب وأنه عمل مشروع ودستوري ؟ ، وقبل هذا هل يمكن أن نقول أو ندافع بأن تشدد المؤتمر ممثلاً بهذا الفريق المتطرف أثناء الحوار مع المعارضة ، ونقضه لكل اتفاق يتم ، ورفضه لجميع الحلول الوسط التي كانت مطروحة للخروج من الأزمة ؛ بدءاً بلجنة المئتين والمائة ، ثم لجنة الأربعة ، ثم الخمس النقاط التي اقترحها العلماء ووافقت عليها المعارضة أنه عين الصواب ، وأن ذلك هو فن الحوار الوطني ومقاصده النبيلة...الخ .
أعتقد أن ذلك لو حدث سيكون فعلاً منكراً وتعصباً بغيضاً يعود بصاحبه إلى الجاهلية الأولى ، ويصبح حاله كما قال شاعر عربي قديم :
وما أنا إلا من غزيه ان غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد .
كان المتطرفون في المؤتمر قد أقفلوا تماما أبواب ونوافذ الأمل أمام المعتدلين فيه منذ بداية العام الماضي 2011 م ، ولم يعد لمثل هؤلاء مكان لتقديم رأي أو إسداء مشورة في أي إطار من أطر التنظيم ، واحتل الصقور مقدمة الصفوف رافعين شعار (من لم يكن معنا فهو ضدنا ) ؛ حتى أن الأمين العام كان أحيانا يلوذ بالصمت من شدة الهرج والمرج والأصوات المرتفعة الموتورة داخل غرف الاجتماعات .
وماذا عسى أن يكون رأيي ورأي آخرين غيري أمام اولئك الصقور وذلك التشدد ، وكيف لرأيي أن يصل من خلف الأبواب الموصدة والآذان الصماء ؛ في حين لم يستطع غيري كبح جماحهم وثنيهم عن تلك المواقف المتشددة ضد شركاء العمل السياسي في المعارضة .
حاول الدكتور عبد الكريم الإرياني نائب رئيس المؤتمر / المستشار السياسي لرئيس الجمهورية بكل جهد وصبر ودهاء ان يعمل شيئاً في تثبيت قناعة الحوار والحل الوسط في عقول الصقور ، وان ينهجوا طريق الحوار والسلام بدلاً من المواجهة والخصام ؛ لكن جهوده باءت بالفشل .
فكيف لي ولغيري وأنا في موقع قيادي أدنى من موقعه ومكانته السياسية ، وماذا عساي أن افعل لمنع الذهاب إلى المحرقة والسير في الطريق الخطأ ؛ فالصقور ماضون في طريقهم بكل جد ومثابرة يحثون الخطى مسرعين ويقرعون طبول الفتنة أينما توجهوا في المدن وفي الأرياف لا يهمهم قول فلان أوعلان من أعضاء المؤتمر في هذا الموضوع أو في ذاك ، لهم أجندتهم الخاصة التي كانت بعض بنودها سرية للغاية مخفية على كثير من قيادات المؤتمر لا يعلمونها ؛ بل و في إطار هذه الأجندة السرية استقدموا من خارج المؤتمر أفرادا اقل ما يمكن القول عن بعضهم انه سيئ السمعة ومثير فتن ليستعينوا بهم في حروبهم المفتوحة ضد الشباب المعتصمين في الساحات والميادين وضد المعارضة وضد الشعب اليمني .
صاروا يقرؤون الواقع في كل مناسبة ، ويقدمون التحليلات عند كل لقاء يعقد في المؤتمر وخارجه على هواهم وعلى طريقتهم المعتادة ؛ كل الأمور في صالحنا ، الشعب معنا ، والجيش تحت إمرتنا ، والمجتمع الدولي إلى جانبنا نكافح معه الإرهاب أينما وجد في ساحة الاعتصام ، أو في جبال أبين ، وبالتالي لا رأي يعلو فوق رأيهم ولا صوت يسمع غير صوتهم .
و نذكر الإخوة الأعزاء في المؤتمر أنه عندما تولدت لدى الرئيس علي عبدالله صالح بعض القناعات لترك السلطة ، وتسليمها لنائبه الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي بعد أحداث الجامعة كمخرج للازمة بوساطة أمريكية أوروبية هرع الصقور بسرعة ذاهبين إليه لثنيه عن ذلك الموقف الايجابي الذي كان لو تم سيجنب اليمن كثيراً من الويلات ويصون دماء اليمنيين التي أهدرت بعد ذلك ؛ حيث قاموا على التو بحشد الآلاف من المؤيدين في ميدان السبعين والذين أتوا بهم من المحافظات والمديريات ومن كل حدب وصوب ؛ لإقناعه بأن الشعب معه مطالبين إعادة النظر في ذلك الموقف .
وقد أحاطوا بكل شي ، ونسوا أن الشعب مظلوم يعاني مرارة العيش وفقدان الأمن والأمل ، وأن التغيير صار مطلبا جماهيريا وشعبيا بدونه البلاد على حافة الهاوية ؛ مهددة في كيانها ووجودها . . غاب عنهم هذا الواقع المظلم ولم يعيروه أي اهتمام في أجندتهم .
عندما بدأت العصي والبنادق والمقاتلون بالزي المدني ، ينزلون إلى الميادين والشوارع في التحرير في قلب العاصمة وفي غيرها من المدن اليمنية ، وينصبون الخيام هنا وهناك ، ويباشرون في قمع المحتجين ؛ بل والذهاب إلى باب جامعة صنعاء لقتلهم وضربهم هناك في مقر اعتصامهم تحت قيادات معتبرة من المؤتمر؛ ظهرت بعض بنود الأجندة السرية التي يسير عليها الصقور في إشعال الحروب وإدخال اليمن بوابة الحروب الأهلية
كانت هناك تصرفات وأعمال توحي بعظم المشكلة، وبالخيارات المطروحة الخارجة عن الدستور والقانون ، ونحن نقول: الله يستر .
كنت أسأل نفسي قبل أن أعلن موقفي من الأحداث ، لماذا أكون مع هذا وضد ذاك ، وكان لدي الرغبة في الحقيقة بأن أكون في صف الحاكم لاعتبارات وجيهة ؛ منها أني في موقع يسمى قيادي في المؤتمر وشغلت بعض الأعمال الحكومية الرفيعة في وقت سابق كما أشار علي بعض الزملاء ، ومن الواجب ألا أحيد عنه وألا أكون في الصف الآخر ، وقد توقفت مليا عند هذه الرغبة ، وحاولت بكل جد وتحرٍ أن أجمع بعض عناصر الواقع المعاش لأتسلح بها في مواجهة الآخرين المخالفين للمؤتمر ليكون لي الحجة القوية والمنطق السليم لتعزيز موقفي عند الدفاع والحديث عن سياسة المؤتمر في مواجهة الأحداث ، ولأنافح وأجادل المعارضين مستندا عليها .
وحين شرعت في ذلك الفعل كانت جميع النتائج تفضي إلى النقيض والى الضفة الأخرى إلى الشباب وموقفهم ، وليس إلى مواقف صقور المؤتمر و سياسة المغامرين الجدد في السلطة .
و كانت صورة المشهد كما قرأته واقتنعت به واستندت بموقفي ذاك عليه على النحو التالي :
الدماء تسفك والدموع تسيل
1:شاهدت الأحداث الدامية يوم الجمعة 18 مارس 2011 ميلادية ، والتي ذهب ضحيتها عشرات الشهداء من شباب اليمن ، وهزت صور الضحايا في أعماقي مشاعر الحزن والأسى ، وفاضت العين بالدموع وحرمتني وغيري من النوم بعد أن شاهدنا المجزرة عبر الفضائيات ، والشباب بالعشرات ملقيين على الأرض مضرجين بدمائهم ، والجرحى بالمئات متناثرين في أرجاء ساحة الاعتصام أمام بوابة الجامعة ، والأطباء يصرخون و ينا شدون العالم وأصحاب الضمائر الحية لمساعدتهم ؛ قائلين يا عالم الشباب يموت بين أيدينا أنقذونا من الهلاك عجزنا عن تقديم أي شيء ينقذ حياتهم . . وللأسف الشديد لم يسمعهم المعنيون في الدولة .
رأينا الشهداء والجرحى في عمر الزهور ، وقلنا: يأرب ماذا حدث ؟!! . . هل هؤلاء القتلة من أبناء اليمن ، هل هؤلاء المجرمون ليس لهم قلوب بشرية ليزهقوا هذه الأرواح البريئة الطاهرة بهذه الصورة الفظيعة ، ومن أين جاءوا بهم من أي أرض ، ومن أي فصيل من الناس هم .
لأني كنت أعتقد دوماً أن مثل هذا لن يحدث في بلادنا “ اليمن “ لاعتبارات كثيرة ؛ منها أن المجتمع اليمني المتدين المحكوم بأعراف أخلاقية وإنسانية لا تسمح لأي جماعة أو جهة أو سلطة أن تقوم بذلك الفعل المشين في مواجهة معتصمين سلميين ، والذي حول البعض من أبناء جلدتنا إلى وحوش بشرية عرت قيمنا وأعرافنا التي كنا نفاخر بها الآخرين دائماً .
وفي الوقت الذي كنا ننتظر تفسيراً لما حدث يطلع المتحدث الرسمي على أعلى مستوى في يوم السبت 19 مارس ؛ ليخبر الرأي العام الوطني والإقليمي والدولي الذي أذهله ما رأى وشاهد في ساحة الاعتصام أمام جامعة صنعاء أنها حرب بين المعتصمين وسكان الأحياء المجاورة في شارع الجامعة .
وهنا تأكد لنا بوضوح ؛ كما تأكد للجميع ؛ أن مشوار الحفاظ على كرسي الحكم قد دشن وتبين في يوم الجمعة 18 مارس 2011 م ، وأنه سيتوالى تباعا في العاصمة وفي جميع المحافظات ، وأخذت تعز بعد ذلك نصيبها من القتل وسفك الدماء وحصد الشهداء ، وتحولت صنعاء وتعز على وجه الخصوص إلى ساحة حرب ؛ صدور عارية وأصوات محتجة تنادي سلمية .. سلمية يقابلها رصاص وقتل وبلطجة من كل اتجاه ..
فماذا عسى أن يكون الرد يا ترى في مثل هذه الوقائع العظيمة والأحداث الدامية غير الاستنكار والإدانة والتبرؤ من جريمة سفك دماء الأبرياء من أبنائنا وفلذات أكبادنا المطالبين بالحرية والكرامة لليمنيين .
الفقر أم المعاصي ومخرب الأوطان
-2الفقر الذي ينتشر في البلاد على جميع المستويات ، وتتسع مساحته ، ويكثر عدد الواقعين تحت وطأته سنويا حتى بلغت نسبة الفقر 50 في المئة من السكان تقريبا ، وقد تزايدت حدته في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بدرجة غير مسبوقة ؛ فمن المسؤول عنه ؟
ذلك الفقر المدقع الذي نشاهده ونلمس أثاره حولنا كل يوم يذهل كل عقل رشيد ، ويجعله في أسى وألم وحيرة لا تمكنه من البقاء في مكانه متفرجا وهو يشاهد ذلك البؤس يعشش في مجتمعه ، وهو جزء من هذا المجتمع ؛ نصف أطفال اليمن يعانون من سوء التغذية ، وبسببها يتأخر نموهم وتنتشر في أوساطهم الأمراض القاتلة ، ويتأخرون في الالتحاق بالمدرسة ويصعب عليهم الفهم للدروس وغير ذلك من الأضرار ومظاهر البؤس ...
الفقر أصاب الكثير من الناس في بلادنا ، وليس الأطفال فقط ؛ فهو في شريحة من المجتمع تعيش وطأته وهي حبيسة الجدران داخل بيوت أغلقت من التعفف رافضين التسول ومد اليد إلى الآخرين ؛ يعيشون بفقرهم على ذلك الحال الذي تدمى له القلوب الحية ، ولا يظهر عليهم الفقر إلا من خلال أجسادهم النحيلة ووجوههم المصفرة الكالحة وثيابهم الرثة وأمراضهم التي لا تفارقهم أحيانا إلا بالموت .
هذه فئة من الفقراء وفئة أخرى يذهبون في رحلة بؤس طويلة يبحثون عن عمل (ما) داخل البلاد وخارجها ؛ فيعرضون أنفسهم لكل المخاطر وإن ظفر بعضهم بعمل بسيط هنا أو هناك فانه يشبه عمل الرقيق هذا فوق ما يشاهد من تكدس آلاف العمال العاطلين في المدن يحتلون جوانب الأرصفة وجولات السير في الطرقات بالآلاف في مشهد ليس فيه أي شيء من الإنسانية .
هذا عوضا عن الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد المهنية والتقنية الذين سجل بعضهم اسمه في مكاتب الخدمة المدنية في عموم محافظات الجمهورية منذ سنوات ، ومضى على بعضهم عشر سنوات دون عمل وهم قابعون في البيوت يذوقون مرارة الأسى والألم منتظرين متى سيأتيهم الفرج ؛ إنهم جموع كبيرة من الشباب اليمني المحروم من حقه في العمل وفي العيش الشريف وقد أعلنت الخدمة المدنية في بداية هذا العام الحالي أن عدد المسجلين لدى مكاتبها مئة وخمسون ألف خريج طالب عمل .
أما الفئة الأخرى من الفقراء في بلادنا وهم بالآلاف أيضا فيظهر فقرهم حيث يمدون أيديهم للطلب والشحاذة في كل مكان ؛ موزعين عند إشارات السير في الشوارع في المدن الرئيسية وأمام المحلات التجارية وفي أبواب المطاعم والمساجد وفي الساحات ومحطات بيع البنزين وعلى حواف الطرق في خارج المدن رجالا ونساء و أطفالا وعجزة هذا إضافة إلى الأطفال الذين يتجمعون في الشوارع لبيع بعض الاحتياجات البسيطة التي لا يوفر لهم عائدها سوى البقاء على قيد الحياة ، وأثنائها تتعرض أدميتهم لكل أنواع التحرشات والإساءات .
فئة أخرى يدفعها الفقر إلى سوء الخلق والتصرف خلافا لما هو إنساني وأخلاقي وديني في سبيل الحصول على المال ؛ كما يكثر اللصوص وقطاع الطرق والمحتالون وغير ذلك من الصور والسلوكيات التي يكون غالبا منشأها الفقر والحاجة ، وهي سلوكيات جديدة وبعضها غريب على المجتمع اليمني .
هذا كله وغيره وأسوأ منه يحدث في ظل دولة وحكومة يفترض أنها مسؤولة عن مكافحة الفقر والجريمة وحماية المواطنين وصون كرامتهم ؛ لكنها لا تعمل شيئا له أثر واضح في تخفيف حدة المشكلة ومعالجة أسباب انهيار مجتمع بأكمله بسبب آفة الفقر ؛ حتى أؤلئك الذين تشملهم الرعاية الاجتماعية في صرف مخصصات دورية لهم لا تؤثر في شيء لتغيير وضعهم في تصنيف الفقراء والجوعى ؛ بل أن بعض مظاهر الفساد الإداري تصل إليهم وإلى تلك المخصصات الزهيدة ؛ فتزيدهم فقرا فوق ما هم عليه ، وبذلك يصبح الفقر وصمة عار على القائمين في حكم البلاد
الجيش الغائب والأمن المفقود
3 - يخصص في الميزانية السنوية للدولة ما يصل نسبته إلى 40 في المائة تقريباً من الميزانية العامة للقوات المسلحة والأمن ، وحين تعايش ضباط وأفراد الجيش والأمن تجدهم يشكون بمرارة من أوضاعهم المتردية داخل وحداتهم العسكرية والأمنية ومن أوضاع أسرهم المعيشية ، ويشرحون لك كيف أن الفساد ينخر الميزانية المخصصة لوحداتهم ، وكيف تؤول إلى أيدي أفراد معدودين في الوحدات العسكرية لمصالحهم الخاصة ، وبعض أوجه هذه الميزانية إضافة إلى ما يؤخذ من أموال من احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية كان يتم شراء أسلحة ومعدات وتجهيزات عسكرية بها ، وفي جانب آخر فإن جزءاً منها يصرف مرتبات شهرية لعشرات الآلاف من الجنود المقيدين في سجلات المرتبات ولا يصل لهم شيء منها ؛ حيث غالبيتهم إما وهميون أو في البيوت وبعضهم لديهم أعمال أخرى ، وتذهب تلك الأموال إلى خزائن الفاسدين ، وهناك أمور عديدة لا يتسع المجال لذكرها من فساد وإفساد طال هذه المؤسسة الوطنية الكبيرة منذ فترة طويلة .
وحين يقال للمواطنين أن الجيش والأمن صمام أمن الوطن وحارسه ، وما يصرف وينفق من أموال هو لهذه الغاية ؛ فإن المواطنين يكذبون ذلك ؛ فأمنهم مهدر في كل اتجاه ، والثأرات في بعض المحافظات تحصد عشرات الأرواح البريئة وغير البريئة سنوياً ، والطرقات مقطوعة بفعل الخلافات القبلية أو من قبل عصابات السلب والنهب للمسافرين وغيره .
كما أن حدود البلاد مفتوحة على مصراعيها للمهربين الخطرين ؛ كمهربي المخدرات والبضائع الممنوعة واللاجئين من القرن الأفريقي ومن العالم يتدفقون على اليمن بأعداد كبيرة ربما تجاوزت المليون لأجيء حتى الآن ، و لا تزال الأعداد الكبيرة منهم متواصلة بلا انقطاع ؛ ليس إلى معسكرات للإيواء والمساعدة الإنسانية ؛ بل يذهبون إلى المدن والقرى في السهول والجبال ؛ فترى ذلك أمامك يومياً في الشوارع وعلى امتداد الطرقات ؛ فتقر أن لا دولة في اليمن ومع هؤلاء يتدفق الإرهابيون الذين أقلقوا أمننا وحياتنا باسم الإسلام وباسم الدفاع عنه .
وعندما تسمع عن أعداد الجيش والأمن وعن مشتريات الأسلحة سنويا ؛ تذهلك تلك الأرقام التي لا تجد لها أي فاعلية في أمن الوطن والمواطن ؛ بل أنه يدفع بهذه الجيوش وبتلك الأسلحة والأموال لحسابات سياسية ضيقة إلى أتون حروب داخلية أكلت الأخضر واليابس ، وهي للأسف حروب متلاحقة ما أن تنتهي أولاها حتى تتبعها الأخرى وهكذا ... قتلت هذه الحروب أبناءنا وإخواننا دون أن يكون لهم قناعة بمشروعيتها في كثير من الأحيان ؛ أما الجزء الأعظم من السلاح الحديث والضباط والجنود المدربين على مستويات رفيعة ؛ فليس لأمن الوطن ، وإنما يتمركزون في مساحة من الأرض ربما لا تتجاوز ثلاثمائة كيلو متر مربع داخل العاصمة صنعاء ، وعلى مراكز الحكم في المحافظات ، وكذلك لحماية بعض الشخصيات الحاكمة النافذة والمهمة من أفراد العائلة وغيرهم .
تصرف الأموال في هذا الإطار وفي أطر مشابه ؛ كشراء الولاءات ، وجمع الأنصار ، ورفدهم بالمال والسلاح ؛ ليس في سبيل الوطن وأمنه ، وإنما لحماية الحاكم وحكمه ، ومن ثم تدمير القيم الاجتماعية التي ظهرت بعض مخرجاتها في العام المنصرم في مواجهة الأحداث الاحتجاجية ، وكذلك في حرب الحصبة وحي صوفان ومقرات الفرقة الأولى في شارع الستين ؛ حيث كانت الصواريخ والقذائف تنهمر على تلك المواقع من كل مكان ؛ من عطان وجبل نقم وعيبان وبيت دهرة والصمع بالعشرات ؛ بل بالمئات . . الخ ، وكذلك ما حدث من حرب في مدينة تعز ومنطقة أرحب ونهم وبيت جرموز وغيرها ، والتي أدت إلى قتل العشرات من السكان بينهم أطفال ونساء وشيوخ وتدمير المساكن فوق رؤوس ساكنيها .
وهنا تصبح العلاقة طردية بين الفقر والإنفاق على الأمن الخاص ؛ فكلما اضطربت الأحوال في البلاد ، واقتضت الحاجة إلى مزيد من الاحتراس ؛ كلما زاد الإنفاق المالي على الجيش والأمن وعلى مشتريات الأسلحة ، وبذلك تتعطل التنمية بالضرورة ، وتكون النتيجة زيادة الفقر والبطالة واضطراب الأمن وانعدام الاستقرار
إن مشكلة اليمن المزمنة هي الفقر الذي أدى إلى خراب الدول المتعاقبة عليه باستمرار ، وإلى فقدان الأمن والاستقرار والاضطرابات المتواصلة عبر التاريخ .
مشاريع التوريث
4 - ظلت السلطة والثروة مصدر نزاع تاريخي بين الاتجاهات المختلفة والعائلات المتنافسة والمناطق في اليمن ، ولدى الحكام دائما أن الأصل فيها ليس خدمة الأمة وحفظ مصالحها وتوفير الاستقرار والأمان لها ، وإن أظهروا ذلك قولاً ، وإنما الفعل الحقيقي الذي يمارسونه هو الهيمنة والتسلط ، وتسخير أموال البلد وإمكانياته لخدمتهم واستمرارهم في السلطة والحكم ، وذلك لعمري هو المكنون في صدورهم ويمارسونه في سياستهم وأفعالهم ، وإذا لم يكن ذلك دأبهم في الأساس ؛ فإن البلاد ستكون بخير وفي تطور مستمر واستقرار دائم منذ أمد بعيد ، وليست على هذا الحال الذي نعيشه من التخلف والاضطراب والفوضى وعدم الاستقرار ، ومن ناحية أخرى إذا لم يكن حقيقة تفكيرهم « المغنم» ؛ فلماذا هذه الاستماتة التي يبدونها للبقاء في السلطة والتضحيات الجسيمة التي يقدمها الشعب في سبيل بقائهم أو إزاحتهم من كرسي الحكم .
وهناك لاشك بعض الاستثناءات القليلة في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر التي ترك فيها أشخاص السلطة دون إراقة الدماء ، أو كانوا يؤدون رسالة لخدمة الشعب وليس بنيتهم البقاء الدائم على رأس السلطة أو توريثها .
لذلك يتجلى الأمر في التشبث بالسلطة ؛ فيما لاحظنا ؛ حين يرد الحاكم على معارضيه في مطلبهم بالإصلاح أو بالتغيير أن هدفهم هو الحكم والمال وليس الشعب الذي يتخذونه مطية لأطماعهم تلك ؛ فيبقى الحاكم وفقاً لهذا المفهوم ( السلطة والثروة ) حذراً ومتيقظاً وحريصاً على ألا تصل المعارضة إليها ؛ حتى بلغ المدى في الاحتفاظ بها والحرص عليها ، وألا يكتفي بتولي الحكم مدى الحياة بعد أن يكون قد مكن أفراد عائلته من الإمساك بكل مفاصل الدولة العسكرية والمدنية ؛ بل إنه يذهب إلى أقصى الحدود وهو تأسيس نظام حكم وراثي في زمن الجمهورية ؛ التي ما أقيمت كنظام حكم عصري مبني على الشورى والديمقراطية إلا على أنقاض أنظمة ملكية وراثية سئمها الشعب وثار ضدها .
فكانت سياسة انتقال السلطة من الأب إلى الابن الذي كان يجري الإعداد له على قدم وساق في بلادنا كارثة على الجميع الحاكم والمجتمع ؛ فقد وضعت كل المعايير منذ بدأ الحاكم السير عليها كمشروع في التعيين للوظائف العليا في أجهزة الدولة مدنية وعسكرية وحتى الوظائف المتوسطة على أساس خدمة الرئيس القادم وتهيئة الأجواء له بما في ذلك المؤتمر الشعبي العام الذي كانت قياداته وعناصره الفاعلة لا تفارق مكتب ومقيل قائد الحرس الجمهوري المرشح القادم للرئاسة مطلقا ؛ تطبخ القرارات وتعد في تلك المواقع الرئاسية ، ثم تعود الى القيادات الوسطية والى أعضاء المؤتمر وكوادره للتنفيذ ، وكذلك في الأجهزة الرسمية في الحكومة وفي عدد من منظمات المجتمع المدني بما فيها أحزاب التحالف وفي هذه الأثناء بدأ الفرز الاجتماعي والمناطقي والحزبي يتشكل لا على أساس سياسي وحزبي وكفاءة الأشخاص وبرامج الأحزاب وحسب ، وإنما على أساس اسري وعائلي وولائي - موالاة - من أنت ومن أي منطقة وما ولاؤك لإفراد الأسرة وللرئيس القادم وما تأثيرك الاجتماعي في محيطك لتحظى بالرعاية والاهتمام لديهم .
وتحول الحزب والوظيفة العامة الى أدوات و أبواق تسبح بحمد الرئيس القادم وتثني عليه وتظهر مواهبه وكراماته ، وبقي الحزبيون والموظفون الذين يبحثون عن مصالح خاصة يتنقلون بين أفراد العائلة الحاكمة زرافات ووحداناً الى مقرات أعمالهم والى دواوين مقايلهم يؤكدون لهم إخلاصهم ويستمدون منهم التوصيات لمصالحهم ، وكل توصية تأتي من احدهم تكون نافذة في أجهزة الحكومة المدنية والعسكرية أكثر من توجيهات المعنيين فيها ، وصار التوريث يعم كل الأوساط ومرحبا به في أعلى المستويات وذلك بقصد تكريس ثقافة التوريث في المجتمع لتصبح مع الزمن مستساغة ومقبولة في أوساط العامة والخاصة ، وعليه فإن عضو مجلس النواب حين لا يعود راغباً في دورة انتخابية جديدة يأتي بابنه خلفا له وبعض الوزراء يرشحون على سلف آبائهم ومدراء وقادة ألوية عسكرية يسيرون على هذا المنوال حتى ان الموظف الصغير يأتي بابنه ليحل مكانه في الوظيفة او يوظف الى جانبه ، ولا يثير ذلك سخط احد او معارضته وغير ذلك كثير ، وبذلك سقطت أهم أسس النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي وبنود ومواد الدستور الذي ينص على تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين والمساواة بينهم ، وتحولت بعض وسائل الإعلام الرسمية الى منابر عائلية تبث الأخبار والتهاني وقصائد المديح والإطراء بإطناب ممل ، وحين يقول فلان من الناس انه كان في مقيل احد النافذين فإن ذلك جواز مرور الى أمور كثير ومصالح تنتزع من الدولة وأجهزة الحكومة وهي غير مشروعة في اغلب الحالات .
وارتبط بهذا النهج الجديد التسابق في الاستيلاء على مراكز الثروة أينما كانت لأنه في نظرهم لا سياسة ولا حكم بدون مال ، وأصبحت الشركات والمؤسسات الخدمية والإنتاجية حكرا على أسماء معينة وكأنها ماركات تجارية لا احد يقترب منها او يعتدي عليها ، وكان من نتائج ذلك هروب المستثمرين المحليين والأجانب خوفا من سياسة الاستحواذ الاقتصادي على كل شيء ، وفي نفس الوقت أغلقت أبواب المنافسة الشريفة أمام المواطنين في التجارة والاستثمار وتركزت بيد أفراد نافذين .
فهل كان للمؤتمر رأي في ما يجري ؟ ، وهل كان بمقدور احد ان يتجرأ ويثير هذا الأمر في محفل حزبي او في اجتماع تنظيمي ؟ ؛
ان أشجع عضو في المؤتمر هو الذي يبدي رأيه في غرف مغلقة ، وحين يبلغ عنه فإن حياته الحزبية او الوظيفية لا تتجاوز الحدود الدنيا اذا لم يطارد ويعتقل تحت أي ذريعة يتم حبكها له من أطراف مختصة في الأجهزة الأمنية فيأخذ جزاؤه ويكون عبرة للآخرين ؛ فاختزل الوطن بشماله وجنوبه بوحدته وبثورته في هذه المفاهيم المتخلفة التي رفضت بقيام ثورة سبتمبر وأكتوبر .
لم يدرك صقور المؤتمر ومن يقومون بتمرير مثل هذه الأفعال بأن طريقا كهذا مآله الفشل ، او انه سيقام على أنقاض يمن مشطر وممزق اذا حالفه النجاح .
لقد عميت الأبصار والقلوب التي في الصدور وبرز الجهل في المؤتمر وفي أجهزة الدولة او التجاهل في أوضح صوره لتقوم قيادات ومجاميع بترديد كلمات وجمل خلف المغني وفي أي مكان دون الغوص في المعاني والأبعاد التي تحملها وتتضمنها ودون أن تسأل نفسها وماذا في نهاية المطاف ؟ فحدث ما حدث نتيجة ذلك الغباء المتعمد والنفاق المستفحل والمصالح الرخيصة التي عرضت كل شيء جميل في الوطن الى السوء والتردي .
هذه بعض العناوين البارزة التي تدفع أي فرد للاعتراف بان الوطن في خطر وان عليه التوجه نحو المسار الذي يدرك ان فيه خيرا ل لوطنه ولشعبه .
وهناك لاشك الكثير والكثير من المشاكل والمعوقات التي يمكن الحديث عنها بمرارة سواء في الإدارة وفسادها ، او في التعليم وتدني مستواه ، اوفي الصحة وعللها او في بعض القيم الاجتماعية السائدة واختلالاتها التي حدثت خلال العقود المنصرمة ، ومنها ان يصبح الباطل حقاً ، وان يتوارى الحق وأهله ، وان تصبح قيم الربح والخسارة وتكوين الثروة اهم من قيم التراحم والتعاطف والمحبة والتعاون بين أفراد المجتمع ومن ثم بنا ء الدولة الوطنية .
وهكذا أوصلتنا الأحوال السيئة الى مشارف اليأس والإحباط وفقدان الأمل
تساؤل مشروع
قد يقول البعض ممن سيقرأون هذا : لماذا كل هذا النقد والاستعراض في هذا الوقت بالذات ؟ ولم يكن ذلك وأنت أيها المتحدث في إطار المؤتمر وفي الوظيفة العامة ؟
وهنا يجدر التأكيد على أني لم آلُ جهدا في سبيل إيصال مثل هذه الأفكار والرؤى والمضامين الى زملائي في المؤتمر والى الرأي العام اليمني بهذا القدر او ذاك وبحسب الظروف التي كانت قاهرة آنذاك دون شك ، وانأ هنا لست في موقف التبرير لمواقفي إزاء ثورة الشباب اليمني وإنما أريد القول هنا هذه وتلك هي قناعاتي و لمن يريد التأكد من ذلك فعليه أن يعود إلى عدد من الكتابات التي نشرت في صحيفة الميثاق عند بداية الأزمة السياسية وفي صحيفة الثورة وفي كتابات سابقة لا تخلو من هذه الهموم والهواجس التي أكدت صحتها الأحداث ؛ خاصة ما تضمنه كتاب صدر لي منذ 2001 م بعنوان«حديث العولمة وآفاق تطوراليمن» وغيره الكثير على هذا النحو ، وازعم أن الكثير من أحبائي وأعزائي في المؤتمر يعلمون ذلك علم اليقين ..بأن لي موقفاً مما كان يجري مغايرًا لسياسة الصقور والمستفيدين من الغنائم والمكاسب في المؤتمر التي يتحصل عليها البعض في أوج الأزمات والحروب .
ما هي المبادرة التي أعلنتها ولم يتقبلها صقور المؤتمر
وعوتبت عليها ؟ .
أثناء الأحداث الدامية التي حصدت عشرات الشباب في يوم الجمعة الدامي 18 مارس وقف الرأي العام اليمني مذهولا وأدان الجريمة على جميع المستويات ، وزاد لهيب الثورة وعنفوانها كنتيجة طبيعية لما حدث ، وقدم العديد من المسؤولين في الحكومة ومن أعضاء المؤتمر استقالاتهم ، والبعض ذهب إلى الساحات والميادين مشاركا في الاعتصام والمظاهرات ورأيت من جانبي انه من الأفضل أن يوجد صوت معارض من داخل المؤتمر يعبر عن رأيه في الإدانة والاستنكار، ويطرح رأيه للمعالجة وما يراه صائبا فذلك أفضل من الاستقالة، وعلى هذا الأساس صيغت المبادرة التي طالبت فيها بتشكيل مجلس عسكري يتولى إدارة البلاد لفترة انتقالية لمدة ثلاثة أشهر كون البلاد في حالة انفلات امني مريع ومحافظات كاملة خارج سيطرة الدولة إضافة الى انعدام الأمن في المدن وفي الطرقات وانتشار العصابات المسلحة الخ ، وطالبت بالتنحي الفوري للرئيس علي عبدالله صالح وتسليم السلطة للمجلس العسكري المشكل وحثثت الإخوة في المؤتمر على الانضمام الى ثورة الشباب الداعية للتغيير وباركت موقف القوات المسلحة التي أعلنت مسؤوليتها في حماية المعتصمين محذرا من جر البلاد الى حرب اهلية وغير ذلك مما تضمنته المبادرة التي كان عنوانها (مبادرة للخروج من الأزمة) ؛ فهل هذا الرأي يفسد للود قضية ؟! وعلى عادة النافذين بالمؤتمر فلم أُسأل في شيء مما طرحته سوى انه تم إبلاغي من قبل البعض بتنزيل مستحقاتي المالية البسيطة من الكشف الشهري فتعجبت من هذا الإجراء الذي ليس له صلة باللائحة التنظيمية الناظمة لحقوق الأعضاء وواجباتهم ، وكأن المؤتمر بهذا التصرف مجرد خزنة مالية وليس فكرا وبرامج فحمدت الله ان هداني الى الصواب وعملت ما يرضي ضميري وما يمليه علي واجبي الوطني في ان أكون في صف الحق ضد الباطل عدا ذلك لا يهم ما يتخذ من قطع مستحقات أو فصل من المؤتمر او غيره من الإجراءات .
كأس الحنظل . . الخيارات الممكنة أمام أعضاء المؤتمر وكوادره في الوقت الراهن
أحبائي وأعزائي وأصدقائي في المؤتمر الشعبي العام دعوني أكون صريحا ومخلصا وصادقا معكم ؛ لعلمي ومعرفتي ان المؤتمر يضم في صفوفه الكثير من الوطنيين الشرفاء المخلصين ومن الكوادر المؤهلة على مختلف المستويات السياسية والعلمية والأكاديمية والإدارية . . وغير ذلك ولهم بصمات بيضاء في الوطن اليمني شماله وجنوبه ، وواجبي يحتم علي ان أعرض عليكم ما أجده مناسبا لمستقبل هذه النماذج الرائعة والوطنية لتواصل مشوارها في خدمة الوطن من خلال المشاركة السياسية والاستمرار في العطاء في الميدان في المستقبل ؛ فإن أصبت فذلك بغيتي ومرادي وان أخطأت فالمسامح كريم كما يقول المثل ؛ فقراءتي لمستقبل المؤتمر في ظل الأوضاع التي تسود صفوفه حاليا والحراك السياسي الواسع في المجتمع اليمني لا تبشر بخير في استمراره ؛ خاصة ان الأحداث قد عصفت بكثير من القيم والقناعات والتماسك الذي كان يحكم المؤتمر في المراحل السابقة ؛و ساعده على الاستمرار والبقاء لفترة طويلة من الزمن .
وإذا كانت الاتفاقية الخليجية والأممية الموقعة في 23 نوفمبر 2011 م في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية بين الفرقاء السياسيين المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك قد منحت الأطراف الموقعة عليها حقوقا شبه متساوية وحصل المؤتمر بموجبها على الأغلبية في مجلس النواب كما هو عليه الوضع الحالي ونصف مجلس الوزراء ، وقبل ذلك الحصانة القضائية للرئيس وأركان حكمه فلا يساورنا الشك بأن هذه المكاسب تعتبر مؤقتة رعاها الإقليم والعالم ، وان المحك الحقيقي والامتحان العملي يكون على ارض الواقع ويتمثل في قدرة المؤتمر على الصمود و الى أي مدى يستطيع الاستمرار والفعالية في هذا الطريق استعدادا للانتخابات القادمة بعد عامين .
فنحن نعلم ان الذي أبقى المؤتمر حيا يرزق ومهيمناً لسنوات طويلة على المشهد السياسي في البلاد ؛ ليس كونه متسلحاً بالفكر والأيديولوجية وعلاقتها بالمجتمع ، وإنما كانت المصالح والسلطة هي التي أبقته حيا ولا تزال ، وهي التي جمعت كل الفرقاء ووحدت صفوفهم حتى الآن .
ومادامت السياسة تقوم على المصالح أساسا على ذلك النحو ؛ فان التغيير في المواقف لابد ان يحصل داخل المؤتمر إن آجلاً أم عاجلاً و في كل اتجاه ، وهذا أمر طبيعي تفرضه الوقائع الجديدة التي ظهرت في البلاد مؤخرا ، والتي مفادها ان اليوم غير الأمس، وما يحدث حاليا من تماسك نسبي في قيادات المؤتمر هو نتيجة للتحفيز الإعلامي والدعائي المستمر خلال ما يزيد عن عامين في مواجهة قوى ثور ة التغيير والمعارضة ، و قوام هذا التماسك ومرتكزه هو الفعل ورد الفعل ؛ متسلحين في هذه المواجهة ببعض من مخزون الثقافة السلبي في المجتمع كالعصبية وردود الأفعال الغاضبة والجهل المخيم على بعض العقول ، والاستفادة القصوى كذلك من انتشار الأمية بين صفوف المواطنين اليمنيين ، وهي حالة مؤقتة بكل تأكيد ؛ فبمجرد عودة البلاد الى الهدوء وتخفيف او إزالة حالة الاحتقان القائمة ستزول عوامل التماسك القائم ؛ باعتبارها عوامل واهية ومؤقتة .
ان المؤتمر او بالأصح القيادة الحالية التي يتصدرها الصقور اذا لم تمتثل لمنطق الواقع وحقائق السياسة التي تشير وتبين انه لم يعد لهم دور مستقبلي في الحياة السياسية ؛ فإن حاله سيكون كشخص يعدو سريعا ليقع على الأرض وقد كسر أحد ساقيه ، ولينهض بعدها غير مدرك أن ساقه قد كسر ؛ لأن صدمة الألم قد خدرت ألم الكسر ؛ لكنه بمجرد المشي خطوات سيجد نفسه متعثراًً ومتألما ، ولا يلبث ان يسقط على الأرض فيوقن بعدها بحقيقة ما حصل ، وأنه لم يعد قادراً على السير ؛ فهل ينتظر شرفاء المؤتمر ان يصلوا الى هذا الوضع المؤلم ؟
إن عودة المؤتمر الى واجهة العمل الوطني تقتضي أموراً عديدة تسبق أي نشاط مستقبلي له لتبقيه حيا يرجى ،لا ميتا ينعى وهي خيارات صعبة بكل تأكيد ، وما دونها هو الفشل الذريع والندم ، ولن يتم ذلك التغيير إلا إذا شرب الشجعان في المؤتمر كأس الحنظل ؛ فما هي الخيارات المطروحة من وجهة نظري ؟
الخيار الأول
1 - إخراج الصقور من صفوفه ؛ خاصة الذين كانوا طرفا في تفجير الأزمة السياسية التي أدت إلى العنف والقتل ؛ فمثل هؤلاء لم يعد لهم قبول وسط الرأي العام اليمني ، وسيكونون حجر عثرة في طريق إعادة بناء التنظيم على أسس جديدة وعبئا عليه ، ولن يعودوا عليه سوى بالخسارة والمتاعب.
2 - إعادة صياغة أدبيات المؤتمر وبرامجه على أسس جديدة تتواءم مع التغيير الحاصل في البلاد حتى يكون له قبول وصدى في أوساط الشعب ، وعلى وجه الخصوص شريحة الشباب ؛ بحيث تستجيب لمتطلباتهم في التغيير والتعبير والتمنية وبناء الدولة المدنية الحديثة التي ظلت شعارا مرفوعا في المؤتمر منذ مؤتمره الأول في 25 أغسطس 1982 ميلادية ولكنها لم تتحقق خلال عقود من الزمن ؛ لأنها كانت تتعارض حقيقةً مع سياسة احتكار السلطة والثروة في مجموعة محدودة داخل الحكم
-3وضع هيكلة جديدة للأطر التنظيمية تقوم على أساس الكيف وليس الكم وتتناسب مع انتقال المؤتمر من الدولة الى المعارضة ، وما سيترتب على ذلك من شحة في الإمكانيات المادية و «اللوجستية » ، وكذلك صعوبة إقناع الناس بالانضمام الى عضويته بعد الذي حدث في الماضي إذا لم يأتِ بخطابٍ جديد يواكب المتغيرات ، ومغاير للخطاب السابق الذي كان يستند على التضليل والهرج والمرج وغياب المضامين التي تخدم المواطن وتقنع الرأي العام المحلي والخارجي ، وأن يتحلى الخطاب الجديد بالواقعية وبالمصداقية .
وهنا قد يطرح سؤال مفاده: كيف يتحقق هذا ؟
من جانبنا نرى أنه يتحقق من خلال بلورة رؤية تنبثق من بين أعضاء المؤتمر الساعين للتغيير والبناء، والدعوة لتشكيل هيئة تحضيرية لانعقاد المؤتمر بالصورة التي تحقق هذا الهدف وبالطرق والوسائل الديمقراطية.
الخيار الثاني
وفي حال عدم إمكانية تحقيق المقصد الأول ؛ فإن الخيار الثاني يتمثل في الدعوة لتشكيل تنظيم جديد تحت مسمى يتفق عليه ، ويعيد النظر في قراءة الأوضاع العامة وصياغة رؤية جديدة مستفيدين من التجربة السابقة في المؤتمر خلال السنوات الماضية و الاستفادة من مكوناته الأدبية والسياسية ؛ بما في ذلك الميثاق الوطني ؛ إضافةً إلى المعطيات الجديدة التي أفرزتها ثورة الشباب ؛ بحيث يكون أعضاء الحزب الجديد هم الصفوة من شرفاء المؤتمر الذين لم يسبق أن تلوثوا بالفساد والإفساد وغيرها من مظاهر الاختلالات التي عمت البلاد خلال عقود من الزمن .
الخيار الثالث :
في حال فشل الخياران السابقان ؛ فيخشى أن تصل الأحوال بالمؤتمر الى الانهيار الكامل لمنظومته ، وبذلك يصبح كل شخص مسؤولاً عن نفسه ، وأن يبحث له عن موقع بديل في التنظيمات والأحزاب السياسية القائمة ؛ كل حسب توجهاته وقناعاته الفكرية أو بالابتعاد والتواري عن المشهد السياسي وهكذا في الأخير يتبع اقرانه في تونس ومصر .
وختاماً أتوجه إلى كل أولئك الطيبين الصادقين في المؤتمر الشعبي العام بألا ينخدعوا مرة أخرى بعد الذي رآوه وعاشوه خلال العقدين المنصرمين في أتون أزمات وحروب كان يمكن تلافي حدوثها لو أن من تصدر الأحداث كان يمتلك عقلاً رشيداً ورؤية صائبة ومسؤولية وطنية.
كما أتوجه إلى ذوي النظرة الإقصائية والمصالح الخاصة أصحاب الحصانة في المؤتمر بأنه آن الأوان ليتركوا المؤتمر يعيد بناء نفسه بما يكفل له إيجاد موقع متميز له في الواقع السياسي الجديد ، والإسهام في بناء الوطن الذي دمرته السياسات المغامرة والإقصائية والتطرف والجهل والسعي وراء المصالح الخاصة ؛ فأكثر من عشرين عاما نعتقد انها كافية لكم بعد الفشل الذر يع في كل المجالات .
والله من وراء القصد ؛؛؛


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.