قال صاحبي: الساعة الواحدة بالضبط سيكون موعد الغداء, قلت: وسأكون هناك على الموعد, وعادة أحترم المواعيد وأحرص على أن أكون حاضراً عند الدقيقة المحددة للحضور, واحترام الموعد نزوع إلى احترام النفس والغير, عند الواحدة بالضبط كنت في المطعم المحدد, وبرغم زحمة الشوارع عند الظهر إلا أن ذلك الجندي من الحرس سمح لي بالمرور من السبعين ما سهل الوصول, كانت الشوارع تضج بالذاهبين والآتين, ليس من وإلى مقار الأعمال مثلاً ولكن إلى ومن سوق القات, في تلك اللحظة أيضاً ترى أعصاب اليمني وقد اشتدت إلى آخر المدى!!, كنت أحدث المرحوم النبيل فؤاد سعيد فارع دائماً عما يحدث لي بين الثانية عشهرة ظهراً والثالثة, حالة نزق وتوتر تصلان بك إلى درجة استخدام ألفاظ لا تليق في وجه أهل بيتك, وبسؤاله عن السبب؟ قلت: القات يا صاحبي ففي تلك اللحظات يحين موعد الجرعة للجسم فإذا لم تعطه حقه يصير الأمر مثل التعود على القهوة في لحظة معينة، إذ ترى المدمن عليها وقد تحسس رأسه: آه من الصداع, المدمن على القات هكذا, وقد حدث أكثر من مرة أن أسأت إلى الأولاد, ما يوجب الاعتذار, ما أوحى لأصغر الأولاد أن يستعد (بعودي) قات, حتى إذا راني أبدأ بالصراخ قال: ها يا والد , وهكذا حد من إساءتي إليهم!! قال فؤاد: وأنا أقول أيش الذي يحصل لي في ذلك الوقت!!, ناولني عامل المطعم قائلاً: اشرب المرق وسيأتون, كان الملحق الإقتصادي الأمريكي أيضاً مدعواً إلى الغداء, مرت النصف ساعة الأولى لم يحضروا, تدحرج الوقت إلى الثانية حتى بان لهم أثر!!, كان الضيق قد بدأ يأكلني إلا أنني ابتسمت رغماً عني ومددت يدي معرفاً, وبلعت غضبي. واحدة من مشاكل الإدارة في هذه البلاد إهدار الوقت, وبرغم أننا درسنا: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك, إلا أن الحكمة في وادٍ ونحن في وادٍ آخر, ببساطة لأن لا دولة ربت الإنسان على احترام قيم العمل, وانظر إلى شعوب العالم المتقدم, المقدس في حياتهم الوقت واحترام الموعد, حتى أنهم لا يحترمون من لا يحترم تلكم القيمتين في الحياة اليومية, وانظر أيضاً كم نهدر الوقت في حياتنا اليومية, وكم من مواعيد نهدرها لأننا لا نجيد فن إدارة الوقت, ولذلك فأكبر مشكلات التخلف لدينا إدارية في المقام الأول, وهو ما تنبه له محمد بن راشد آل مكتوم في دبي، فأصدر كتابه عن تجربته في دبي, ولخص سبب أسباب تخلفنا عن الكون ب(تخلف الإدارة), ماذا لو كان نظام ما بعد الوحدة قد كبر رأسه وأوقف عدن نموذجاً للبلد، كما فعلت الصين في هونج كونج حيث يتعلم الصينيون من هونج كونج مفردات الإدارة الحديثة, ماذا لو كنا فقط تعلمنا من بريطانيا نظام خدمتها المدنية!!, نحن شعب مستعد لأن يتعلم و(دولة) إذا جاز التعبير تريدك أن تظل بغبارك!!, وأسوأ ما في الصورة أن بعض المسئولين إذا جاز القول إنهم كبار بالفعل وهم ليسوا كذلك، لا يحسون بالمسئولية والهيبة إلا إذا أهدروا الوقت وجاؤوا متأخرين!! تراهم وقد ظهروا كالطواويس, وفي أعماقهم كل الخواء!!, إن مستقبلاً ينتظر هذه البلاد بفضل ثورة شبابها يحتم من الآن أن علينا أن ننفض عن كاهلنا الشعار (لا يكون اليمني يمنياً إلا إذا تخلف عن الموعد وأهدر الوقت) أو هو عنوان التخلف الذي علينا أن ننحيه جانباً ونحيي قيم العمل, وكلما احترمت الموعد, وأدرت الوقت بكفاءة كلما أنجزت أكثر, واسأل نفسك: لماذا طور الغربيون التليفون الثابت إلى تليفون سيار؟؟ اسأل نفسك فقط. [email protected]