في تعز متراس الثورة الأول ، وقلبها النابض كتبت شقيقة الشهيد هاني ذات يوم دامٍ من أيام الثورة عقب قصف همجي عشوائي على سكان المدينة، كتبت هدف الثورة بدم أخيها الطري الصاعد إلى جوار ربه شهيداً طائراً أخضر باسم اليمن وثورتها السلمية وتطلعها للحرية والكرامة: إرحل نريد أن نرى هذه اليمنية الشجاعة التي احتملت الألم وانتصرت عليه وهي تكتب فوق صندوق الاقتراع بعد أيام صيغة رحيل النظام على شكل تأشيرة تؤيد نقل السلطة إلى مرشح التوافق الوطني عبد ربه منصور هادي. طوال عام كامل دفع شباب الثورة السلمية التكلفة الباهظة للحرية ورحيل النظام.. الآن تلوح في الأفق وعلى مرمى حجر الخطوة الكبرى بنقل السلطة بصيغة سياسية تنتظر مباركتها بمشاركة شعبية تظهر رغبة اليمنيين بإسدال الستار على عهد السيطرة على السلطة وتوريثها. لا يتطلب الأمر الآن من الشباب الذين واجهوا الدبابات والمصفحات سوى الصمود وسط طوابير التصويت لدقائق معدودة تفصلهم عن يمن برئيس جديد. حتى من كان متوجساً من المسار السياسي لا خيار آخر له الآن سوى اجتياز بوابة الصندوق ليتسنى له ولكل العناوين الوطنية الدخول إلى الفعالية الأكبر لتحقيق أهداف الثورة السلمية التي يجسدها إطار مؤتمر الحوار الوطني . إذا انتقلنا إلى أقصى الشمال سنجد التيار الحوثي واقعاً تحت علامة استفهام كبيرة تلف موقفه المعلن لمقاطعة نقل السلطة المقرر بعد أيام . نتساءل هنا: ما الذي سيخسره الحوثيون من نقل السلطة من نظام كان يقال لنا أنهم مشتبكون معه في حرب مستدامة التهمت آلاف الشباب وأوصلت التوابيت الى كل قرية في اليمن؟. لماذا تصل برجماتية الحوثي ونفعيته إلى حد المساهمة في انتخاب صالح كما حدث في 2006 ، والقبول بذلك في وقت مستقطع من حرب متواصلة بينما يرفض الآن المشاركة في إنجاح نقل السلطة الحدث الأهم في تاريخ اليمن ؟. لا تفسير سوى ماقاله الدكتور الحكيم ياسين سعيد نعمان في مقاله الضافي أول أمس «إن بعض القوى الرافضة للمسار السياسي السلمي لم تجد غير لغة التخوين لتبدو كمن خسر آخر أحصنة الرهان ، ولكن أي رهان هذا الذي يغامر بالبلاد كلها مقابل مشروع مجهول». هذا التوصيف يتطابق مع موقف بعض مكوناتات الحراك الجنوبي من الانتخابات أيضاً، فقد تناقض السيد العطاس مع نفسه عندما قال إنه لا يسعى الى الانفصال وأن هدفه هو الوصول الى دولة اتحادية ،وبنفس الوقت دعا الجنوبيين إلى مقاطعة الانتخابات . طيب يا عطاس مالذي ستربحه من مقاطعة الانتخابات ؟ أليس الأفضل للحراك والقضية الجنوبية إسدال الستار على عهد ناهبي الجنوب ليتسنى للجنوبيين وكل اليمنيين تقرير مصير بلدهم في مؤتمر الحوار الوطني الشامل؟. إذا كانت الانتخابات نهائية وتستند إلى دستور ثابت غير مطروح للحوار ومدتها خمس سنوات فسيكون مفهوماً أن تسعى مكونات الحراك لمقاطعة الانتخابات . أما إذا كان الحدث المرتقب ينقل السلطة من يد صالح ويفتح المجال لحوار وطني شامل تقع القضية الجنوبية في رأس جدول أعماله ، فسيكون توجه أي من فصائل الحراك لإفشال نقل السلطة قراراً أهوج وتعسفياً ، ولن يؤدي سوى لتوسيع الهوة التي تفصل الحراك عن الشارع الجنوبي وقضيته . فقد بدا واضحاً خلال الاشهر الماضية أن الضجيج الذي يحدثه الحراك أكبر بكثير من حجمه على أرض الواقع، دون أن تحيلنا هذه الحقيقة إلى الانتقاص من القضية الجنوبية وعدالتها وأهميتها. على كل اليمنيين أن يدركوا أن مزيداً من الأصوات المؤيدة لنقل السلطة والرئيس القادم عبد ربه منصور هادي تعني مزيداً من القوه للوضع القادم وتعني قرارات شجاعة مرتقبة عقب ال 21 من فبراير، قرارات تتصدى لمظاهر البلطجة التي بانت باعتبارها المظهر الأخير لنظام يلفظ أنفاسه الأخيرة.