بالنظر الى التاريخ الاسلامي والتمعن في أحداثه, وقراءة الصراعات التي نشبت بين النخب السياسية منذ صدر الإسلام وبعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على من يخلفه في قيادة الدولة الجديدة خصوصاً وأنه لم يعين من يخلفه بعد وفاته, لأنه يعلم علم اليقين أنما هو نبي مرسل من الله ليبلغ رسالته إلى الناس كافه ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يكون له خليفة, لأن ذلك يفقد محمداً صلى الله عليه وسلم صفة النبوة ويجعله كغيره من الملوك والحكام الذين يعينون من يخلفهم في ذلك العصر, لذلك ترك النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين يختارون بأنفسهم من يحكمهم كحاكم وليس كخليفة لرسول الله، لأن خلافة النبي بعد وفاته تعني أن من يأتي بعده يكون نبياً لأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن ملكاً وإنما كان نبياً ورسولاً وهادياً ومبشراً ونذيراً, وهو الذي قال: علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.. وهذا يعني أنه لا يجوز لأحد من البشر أن يكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد اختلف المسلمون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وانقسموا إلى فريقين مهاجرين وأنصار, حيث كان يرى كل فريق أن من حقه أن يتولى الزعامة وأن يمسك بزمام القيادة، ودار سجال حاد بين المهاجرين والأنصار حتى اتفق الطرفان على أن يكون أبو بكر الصديق أول زعيم للمسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رغم وجود فريق ثالث رافض لما تم في سقيفة بني ساعدة وهو الفريق الذي يرى أن الإمام على بن أبي طالب هو من كان يجب أن يتولى قيادة المسلمين بعد وفاة النبي لاعتبارات ومبررات عديدة من وجهة نظرهم, وتلك الخلافات في وجهات النظر إنما هي خلافات سياسية تعكس طبيعة الصراع على الحكم وليس على الدين الإسلامي. إن تلك الخلافات السياسية في وجهات النظر كانت وللأسف الشديد بمثابة النار التي تحت الرماد, والتي ما لبثت أن أشعلت نيران الصراعات والحروب بين المسلمين فيما بعد حتى وصل الأمر بكل فريق إلى تكفير الفريق الآخر بعد مقتل عثمان بن عفان وتولي الإمام على بن أبي طالب إمارة المسلمين كأمير للمؤمنين وليس خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, لكن المتطلعين إلى الحكم كانوا كثر آن ذاك ولم يتركوا علياً يسيطر على زمام الأمور, حيث جيّشوا الجيوش وخرجوا لمحاربته فكانت معركة صفين بين الإمام علي ومعاوية بن أبي سفيان انتهت بالتحكيم الذي أغضب قسم كبير من جيش الإمام علي فخرجوا عن طاعته وحاربوه وكفّروه لأنه حكّم البشر في حين ينبغي أن يكون الحكم لله وحده حسب زعمهم, ومن جانب آخر خرجت أم المؤمنين عائشة ومعها الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله على رأس جيش لمحاربة الإمام علي فكانت موقعة الجمل المعروفة في تاريخ المسلمين, وللأسف الشديد إن تلك الحروب حصدت أرواح المسلمين ومزّقت وحدتهم وفرّقت شملهم بسبب الصراع على الحكم والسلطة وهي قضية سياسية بحتة ليس لها علاقة بالدين من قريب أو بعيد, إلا أن تلك الحروب والصراعات ألقت بظلالها على الدين فشوّهته ومزقت المسلمين إلى شيع وأحزاب رغم أن القرآن قد حذّر من ذلك في الكثير من آياته والنبي صلى الله عليه وسلم حذّر من ذلك في أحاديث صحيحة صريحة. إن تلك الصراعات والحروب أثقلت كاهل المسلمين وأدخلتهم في فتنة وفوضى عارمة وتقسّمت الدولة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام قسم تحت سيطرة وحكم معاوية بن أبي سفيان وقسم تحت سيطرة وحكم الإمام علي وقسم تحت سيطرة الزبير وعائشة وطلحة بن عبيد الله، وعلى إثر تلك الصراعات والحروب بدأت ظاهرة التكفير تجد طريقها لأول مرة في تاريخ المسلمين, حيث كفّر الخوارج الإمام علي ومن ثم جاء الشيعة من بعد يكفّرون كل من حارب وتمرّد على الإمام علي بن أبي طالب ولانزال إلى يومنا هذا ندفع ثمن تلك الصراعات رغم مضي أكثر من 14 قرناً على حدوثها. واليوم ها نحن في اليمن ندفع ثمن ذلك الإرث السياسي الثقيل، فصنعاء مقسمة إلى ثلاث مناطق وحرب في أبين وفوضى في كل مكان وحروب في صعدة وحجة ودماج والتكفير حاضر بين الجماعات الدينية المتصارعة, حيث السلفيون يكفّرون الحوثيين, والحوثيون يكفّرون السلفيين وحزب التحرير يكفّر العلمانيين والإخوان المسلمين يكفّرون الاشتراكيين وكفّروا من قبل جمال عبدالناصر, وأذكر ذات مرة أن أحد الخطباء في خطبة الجمعة شنّ هجوماً قاسياً على خميني إيران لدرجة أنه لعنه في تلك الخطبة بسبب إهدار الخميني دم سلمان رشدي الذي ألّف رواية آيات شيطانية وخصص الخميني مبلغاً مالياً ضخماً لمن يقتل سلمان رشدي لكن الخطيب اعتبر أن تصرف خميني بتلك الطريقة جعلت من كتاب آيات شيطانية يحقق رقماً قياسياً في المبيعات وزاد من إقبال الناس على شراء ذلك الكتاب، لكني بعد فترة طويلة أدركت أن الهجوم على الخميني وشتمه ولعنه كان لأسباب سياسية وأن كل تكفير يحصل من طرف ضد طرف آخر هو لأسباب سياسية وليس دينية وخير دليل على ذلك ما سمعناه بالأمس القريب من بيان يحمل توقيع عبدالمجيد الزنداني ومجموعة من أتباعه يكفّرون عدداً من الصحفيين هم بشرى المقطري وفكري قاسم ومحسن عائض وسامي شمسان وذلك لأسباب سياسية بحتة, نتمنى أن تختفي ظاهرة التكفير من بلادنا وأن لا يتم حشر الدين في الخلافات السياسية بتاتاً، وذلك صون للدين الإسلامي الحنيف ولكرامة الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم. والله من وراء القصد. (*) باحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني [email protected]