الثلاثاء الفائت طوى اليمنيون صفحة الرئيس علي عبدالله صالح وفتحوا صفحة جديدة دونوا فيها اسم عبدربه منصور هادي كرئيس جديد يعلقون عليه آمالاً عريضة في إخراج البلد من النفق المظلم الذي حشروا فيه عنوة طوال ثلاثة عقود ماضية. يدرك «هادي» جيداً أنه ورث تركة من رماد كنتاج طبيعي لسياسات إفسادية دأب النظام الأسبق على ممارستها ولكنه مع ذلك كله قبل التحدي بشجاعة كبيرة تحسب له. غير أن الشجاعة وحدها لن تكون كافية لنقش اسمه بحروف من ذهب في الذاكرة الجمعية لهذا الشعب المثقل بالهموم. سيكون أمام الرئيس الجديد جملة من القضايا والمعضلات التي ينبغي عليه تجاوزها خلال السنتين القادميتن أو على الأقل محاصرتها في نطاق معين لمنع تفاقهما لاحقاً وأهمها الأزمة الاقتصادية التي تلامس بشكل مباشر حياة المواطن. بالنسبة لكثيرين فإن عبدربه منصور هادي، الذي لم يكن يحلم يوماً بسيناريو مشابه لهذا الذي قذف به الى سدة الحكم، يمتلك من الكفاءة والذكاء ما يؤهلانه لتجاوز هذه المعضلات ببراعة في ظل دعم شعبي ورضا دولي لم يحظَ به أي رئيس يمني سابق. تبدو مهمة رئاسة بلد معقد كاليمن في توقيت كهذا تحديداً أشبه بمن يحمل صخرة كبيرة على ظهره محاولاً الصعود بها طلوعاً نحو قمة الجبل.. الأكيد أن «هادي» يعرف تماماً حجم الصخرة ومدى وعورة الطريق التي سيسلكها، ويعلم أيضاً أن عراقيل مصطنعة ستوضع في طريقه من قبل بعض من لا يروقهم استقرار البلد الآن، لكنه على الأرجح لا يستطيع تحديد مقدار وحجم هذا العراقيل، وهذا أسوأ ما في الموضوع. أولى هذه الحفر المصطنعة: التسريبات التي سرت خلال اليومين الفائتين في بعض الصحف والمواقع الالكترونية حول إمكانية بقاء أحمد علي عبدالله صالح وعلي محسن الأحمر وبعض أقرباء صالح في مناصبهم العسكرية حتى بعد تنفيذ خطة إعادة هيكلة الجيش، وهو أمر لا شك سيشكل نقطة ضعف شديدة لدى الرئيس التوافقي وقد تتحول النقطة إلى ثغرة كبيرة يتسلل منها البعض ليجد الرجل نفسه حينها محشوراً في زاوية ضيقة كرئيس منزوع الصلاحيات. قبل نحو 40 عاماً تقريباً استطاع عبدربه منصور هادي أن يدهش الروس حينما قدم دراسة علمية عسكرية بعنوان «استراتيجية الحرب في المناطق الجبلية» نال على إثرها درجة الأركان، والسؤال الذي ينط أمامي الآن: هل سيستطيع خلال السنتين القادمتين تقديم استراتيجية مشابهة يحارب من خلالها منظومة الفساد التي نهشت جسد هذا البلد المنهك أصلاً ودمرت كل القيم الجميلة فيه؟ ربما أن فترة السنتين فقط لن تسعفا هادي لصياغة وتنفيذ مثل هذه الاستراتيجية التي ستجعل منه قائداً ملهماً للأجيال، سأحاول أن أبدي قدراً كبيراً من التفاؤل وأنا أستحضر الآن في ذاكرتي تفاصيل السنتين اللتين عاشتهما اليمن خلال فترة حكم الزعيم الراحل ابراهيم الحمدي الذي لم يمهله القدر طويلاً لكنه حقق الكثير ونقل الوطن إلى مربع متقدم في شتى المجالات قبل أن تغتاله أيادي الغدر وتغتال معه مشروعه العظيم في بناء الدولة الحديثة. بوسع عبدربه هادي تكرار ما فعله الحمدي، إذ تتشابه الظروف إلى حد كبير بين ما ورثه الرجلان من تركة ثقيلة ليبرز التحدي الأكبر عند كليهما في كيفية السعي للقضاء على الفساد الكبير الذي خلّفه لهما سلفاهما، نجح الأول، فيما تنتظر الآخر مهمة شاقة لكنها ليست مستحيلة. ورغم ذلك أرى بأن الحمدي كان أوفر حظاً في مسألة أنه جاء خلفاً لرئيس محترم اسمه القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي سعى لتذليل بعض الصعاب من خلال إبعاده لأقربائه الذين كانوا يسيطرون على بعض مفاصل الجيش آنذاك كما يروي لنا التاريخ أمثال العقيد محمد الإرياني قائد القوات المسلحة حينها بالتحايل حين أرسله في مهمة خاصة للخرطوم فضلاً عن قادة عسكريين آخرين من بيت الإرياني ابتدع لهم مهمات وهمية لتمهيد الطريق أمام الرئيس الجديد، خلافاً لما يحاول فعله الآن علي عبدالله صالح الذي يسعى جاهداً لإبقاء أولاده في مناصبهم للإمساك ببعض خيوط اللعبة. [email protected]