باعتقادي الشخصي إن أهم إنجاز حققه الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي بعد أسبوعين من انتخابه هو السيطرة ولو مؤقتاً على سخافات عبده الجندي الذي ظل حريصاً على تصديرها لنا وإصابتنا بغثيانها بشكل مستمر على الأقل مرة كل أسبوع من خلال مؤتمراته الصحفية الهزلية منذ بدء الثورة الشبابية. على غير عادته ظهر المتحدث باسم المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه «عبده الجندي» الأربعاء الفائت في مؤتمره الأسبوعي أكثر رصانة ورزانة. حاول الرجل أن يبدو عقلانياً إلى حدٍ ما من خلال تغيير لغة خطابه الإعلامي المثيرة للغثيان التي كانت عادة ما تسهم في إثارة زوابع الفتنة بين فرقاء السياسة واستفزاز مشاعر شباب الثورة بحماقاته التي كان يحرص على تغليفها بدعابات سمجة. معظم المقربين من «الجندي» إن لم يكن جميعهم يؤكدون أنه يتمتع بثقافة عالية واطلاع واسع لا يعكس حقيقة دور «المهرج» الذي يتقمصه في أحاديثه ومؤتمراته الصحفية. لا أحد بوسعه أن ينكر الدور الشيطاني الذي لعبه عبده الجندي منذ بدء الثورة الشبابية في التأثير على غالبية البسطاء من عامة الناس في مجتمعنا الذي تتجاوز نسبة الأمية فيه ال(40 %)، وذلك من خلال أسلوب بسيط يخاطب قلوب البسطاء وكبار السن لا عقولهم, بلهجة «دارجة» يستسيغونها ويفهمونها خلافاً لما كان يظهر به الناطقون الرسميون لأحزاب اللقاء المشترك. لقد فطن الرئيس السابق علي عبدالله صالح لهذا التأثير فعمل على تجنيب الناطق الرسمي باسم الحكومة حينها وهو حسن اللوزي وزير الإعلام في حكومة مجور ليأتي بنائبه الجندي كبديل له لممارسة التضليل وترويج الأكاذيب حتى جاءت حكومة الوفاق الوطني وتم تهميشه من قبل الوزير الجديد علي العمراني, لكن «صالح» لم يشأ أن يفقد «كرتاً» يعتبره مهماً بالنسبة له فاخترع مهمة جديدة هي التحدث باسم المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، ورغم كل ذلك كان ذكاء غالبية الشعب أكبر بكثير من دجل الجندي وأكاذيبه. لا أنكر أنني أعجبت ولأول مرة بالخطاب المتزن الذي قدمه «الجندي» صباح الأربعاء رغم بعض الهفوات التي كانت «تطحس» عليه من حين لآخر.. ربما هي الحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى التزام العقلانية والابتعاد عما يثير النعرات والكراهية لنتمكن من ترميم علاقاتنا الإنسانية التي دمرها النظام السابق, ولتتمكن في ذات الوقت حكومة الوفاق الوطني في الشروع بتنفيذ مشروعها الإصلاحي الرامي إلى بناء الدولة المدنية الحديثة التي نتطلع إليها في أجواء هادئة بعيداً عن المناكفات والمكايدات السياسية والإعلامية. لقد أحسن الرئيس عبدربه منصور هادي صنعاً بأن جعل لسان الجندي وضرورة تهذيبه واحدة من أولوياته في المرحلة القادمة, حين وبّخه وحذره بشدة من أن يكون سيفاً مسلطاً لإفشال المبادرة الخليجية والتحريض على الحكومة. لكن يبقى السؤال: هل سيتمكن عبده الجندي من تقمّص دور الشخص العاقل كما نجح في تقمّص شخصية «المهرج»، أم أن علي عبدالله صالح سينجح في استعادة سيطرته على الرجل ب«قلص شاهي» آخر ليعيده إلى سيرته الأولى وفقاً لمسارات تعطيلية تعيق أية توجهات أو خطط خلال المرحلة القادمة. [email protected]