لا يخفي البعض تخوفه على مستقبل الحياة السياسية في بلادنا بعد أن تحقق أحد الأهداف المرحلية للثورة بإسقاط صالح، ومنهم من ذهب بعيداً في تشاؤمه ليرسم صورة قاتمة للمشهد السياسي اليمني وخاصة في ظل تعاظم دور أحزاب اللقاء المشترك وخاصة التجمع اليمني للإصلاح، ولربما أن هذا البعض قد وقع تحت تأثير الحملة الدعائية المحمومة التي شنّها النظام السابق على اللقاء المشترك متهماً إياهُ بممارسة البابوية على شباب الثورة الفتي وفرض الوصاية عليه، بل وسرقة ثورته، ويهدف في ذلك إلى تفكيك وحدة أداة الثورة الشبابية الشعبية وتفريغها من مضامينها الرئيسية. ودأب النظام السابق حثيثاً لإسقاط اللقاء المشترك من معادلة الثورة وذلك من خلال تحريض الثوار عليه لكنه فشل في ذلك، كما حاول إسقاط اللقاء المشترك من معادلة الحكم من خلال تخويف القوى الوطنية من أن يستأثر الإصلاح بالسلطة وتحويل النظام السياسي في البلاد إلى نظام ديني ثيوقراطي مستبد وفشل في ذلك أيضاً. ومِمّا لا شك فيه أن أحزاب اللقاء المشترك وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح استطاعت إلى حدٍّ ما أن تجدد نفسها، فالإصلاحيون أجروا مصالحة تاريخية مع الديمقراطية والدولة المدنية وفك الارتباط مع نظرية الدولة الدينية، ولهذا نلاحظ أنهم لم يوظفوا الدين في نضالهم السياسي، ولم يفسروا الخطاب الديني تفسيراً أيدلوجياًرجعياً. كما أن التجمع اليمني للإصلاح قد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه تجمع ثوري وليس إصلاحياً فحسب وأنه تقدمي وليس رجعياً كما هي في الصورة الذهنية عند الكثير من أفراد المجتمع، بل إن مواقفه الرافضة للنظام السابق كانت أكثر راديكالية من الاشتراكيين والناصريين والبعثيين الذين هم بدورهم قد أجروا مصالحة تاريخية مع الديمقراطية ودولة المؤسسات وفك الارتباط مع ضمير الفرد ونظام الحزب الواحد والحياة السياسية ذات اللون الواحد. وهذا في تقديري جعل اللقاء المشترك يحافظ على وحدته البنيوية ووحدة قراره ووحدة أهدافه في تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والتحديث جعل خطابه السياسي الشعبوي ينطلق من قاعدة أخلاقية ويرتكز على التفاف جماهيري واسع لتحقيق أهدافه بعيداً كل البعد عن الأنانية الحزبية والحسابات الضيقة وعن منطق الإقصاء والإلغاء أو الإلحاق والاحتواء، كما أن ذلك قد مكّنه من إدارة الصراع مع النظام السابق بحرفية متناهية بل وتطوير هذا الصراع وفقاً لقوانين الأشياء وشروط البيئة، وطبقاً لطبيعة الأزمات التي تتكاثر بصورة طفروية ودراماتيكية بسبب فشل النظام السابق في إدارة تلك الأزمات. لكن أحزاب اللقاء المشترك لم تستطع أن تحسم الصراع عبر مراحل نضالها السياسي مع النظام السابق إلى أن نضجت الشروط الموضوعية، فالتقط الشباب اللحظة التاريخية وفجروا، بل وقادوا اشرف ثورة في سِفر الثورة العربية بوعي عميق بالتاريخ وبالواقع وسار في ركبهم شباب اللقاء المشترك الذين أكسبوا الثورة زخماً والتفافاً جماهيرياً هائلاً وموجهاً. ولعبوا دوراً محورياً في مختلف مراحل هذه الثورة، الأمر الذي يقطع الشك باليقين أن العلاقة بين اللقاء المشترك والثورة الشبابية الشعبية علاقة جدلية بكل المقاييس والمعايير، وعلى الشباب المستقل أن يعوا أن ما تحقق كان حصيلة نضال مشترك وطويل ولولا هذا النضال المشترك لأصبحت الثورة كثورة البابكيين وثورة الباخرة بونتي لا أقل ولا أكثر، وأن يعوا أنها ليست تعبيراً عن إرادتهم فحسب بل هي ترجمة حقيقية لإرادة التغيير الكامنة في ضمير الشعب ووجدانه منذ عقود. كما يجب على الشباب أن يثقوا تماماً بأنه ليس هناك تناقض أو تعارض بينهم وبين اللقاء المشترك سواءً في المنطلقات أو الأهداف، وإن اختلفت المسارات والوسائل فإنها تحقق نفس النتيجة، فالمسار الثوري ذو الأفق المشتعل بالنار الذي اختاره الشباب المستقل وشباب اللقاء المشترك لا يتعارض مع المسار السياسي الذي اختاره شيوخ اللقاء المشترك، فحسابات الحقول تختلف عن حسابات البيدر وهذه الحقيقة لا ينبغي لها أن تغيب عن الشباب، كما أنه لابد لهم أن يدركوا تمام الإدراك أن الأهداف والغايات النهائية للثورة لا يمكن أن تتحقق إلا باستمرار وحدة أدوات الثورة والإبقاء على أعلى درجات التنسيق، والاقتناع الكامل بأن الثورة لم تسرق ولم تجير وليس هناك مساحة للمساومة عليها وعلى دم الشهداء الذين سقطوا من أجل غاياتها النبيلة. وفي اعتقادي أنه لولا تناغم المسارين لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن. وبما أن اللقاء المشترك قد انتقل من المعارضة المطلقة إلى المشاركة النسبية في الحكم فإنه ينبغي عليه أن يقود حواراً جادًّا وشفافاً مع الشباب بعيداً عن الأنانية الحزبية ويضع نصب عينيه مطالب الشباب المشروعة والملحة وخاصة في المرحلة الانتقالية الحالية والعمل معاً على تحقيق الأهداف النهائية في ظل الإمكانيات المتاحة وفي ظل قراءة دقيقة لواقع ما بعد صالح. فالمشوار طويل والصعوبات جمَّه. وفيما يتعلق بالمؤتمر الشعبي العام ودوره المحتمل في الحياة السياسية فإنني أتمنى أن يجري مصالحة مع الثورة الشبابية الشعبية بالاعتراف بالمطالب المشروعة للشباب والعمل على تحقيقها من خلال مشاركة المؤتمر في الحكومة الانتقالية. وأتمنى أن يجري أيضاً جملة إصلاحات على الصعيد الهيكلي والتنظيمي والتخلص من القيادات المؤتمريه الصدئة والمتكلسة التي ساهمت في تعكير الحياة السياسية وافتعال الأزمات ونهب الأموال العامة واستنضاب الثروات.. وأن يرفع الغطاء عن كل من تثبت عليه أية إدانة مهما عظم شأنه.. وأن يتحرر من «هُبل» ويدفع بقيادات جديدة نحو السطح وهذا كله ليس عليه بعزيز. فدور المؤتمر في قالبه الجديد المحتمل مطلوب حزبياً ووطنياً لتستقيم المعادلة الحزبية في البلاد.. فالمؤتمر الشعبي هو المعادل الطبيعي للقاء المشترك وبدونهما أو بدون أحدهما لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية السليمة التي ارتضيناها كعقد اجتماعي وأجمعنا عليها كنظام سياسي.