على إثر الثورة الشبابية الشعبية السلمية، صعد عبد ربه إلى الرئاسة، جرى تنصيبه على الكرسي بعد ان أدى اليمين الدستورية في البرلمان، وصوله الى الكرسي ربما هو المعادل الطبيعي لتوصيف الثورة بالسلمية. وبعيداً عن ذلك، بدأنا نشعر بشيء من حلحلة للواقع الثقيل المنهك. مع ان الفساد لا يزال يشوه وجه البلاد ومؤسسات الدولة، والإحساس بعدم إنصاف الناس من جميع الشرائح, يجري استجراره بقصد او بدون قصد, يصاحبه تصاعد نبرات متفرقة،عن خيبة أمل لدى البعض، وشعور البعض الأخر بضياع فرص كانت منتظرة, لتبقى البطالة الضاربة أطنابها في عمق حياة اليمنيين وفي مقدمتهم الشباب، مع حضور عدم تكافؤ الفرص بما في ذلك التخلف عن الركب الإقليمي والعالمي اقتصاديا وعلميا، وهذا الماثل لا يزال يسجل مستويات مخيفة. كل ذلك حمولة مركزة لعقود من التسلط، استطاعت الثورة ان تنهيها وتعيد الوطن ومتطلباته إلي الواجهة. لتفتح كل هذه السلسلة من الأسئلة الهائمة في الأفق العام، ولدتها حالة الثورة المجيدة؛ وشرع الناس يتساءلون عن القادم. كما قلبت هذه الثورة الواقع السياسي رأسا على عقب، وتحتاج تساؤلات العامة الآن إلى إجابات مقنعة من المسئولين الحاليين في السلطة، التي ستسير بالبلاد وناسها في المرحلة الانتقالية. هذه ليست روشتة للحكومة التوافقية، او عريضة للرئيس هادي بمباشرة التخلص من كل ثقالات الماضي والحاضر؛ يتحركون على إثرها في الغد. أدرك كغيري بأن الخلاص والتخلص، يحتاج الى تصورات واضحة لطبيعة المرحلة المقبلة, كما يحتاج لترتيبات وفهرست أولويات الوطن, والحد من كل هذه العقد المتشابكة, ابتداء من حياة المواطن اليومية (الماء والخبز والكهرباء والدواء) وانتهاء بالملفات السياسية الشائكة, ولاشك – لو اردنا إنجازاً جاداً نريد معه فائض جرأة وإصرار وتجرد لأجل اليمن, وناسه التواقين إلى الفكاك من كماشة الفساد والعبث. ومن اجل ذلك يجب ان يخطو اليمن خطوات أكثر جدية باتجاه الدولة، لنمنح هذه الثورة الخالدة وقبلها الوطن ما يستحقه، بعيدا عن الكياسة الخاوية المكشوفة؛ التي لم تعد تنطلي على احد. كما لا يمكن للصراعات المنهكة التي كانت متوقعة حد الافراط، أن تأخذ حالتها المرفوضة في جر الوطن خلفها. نعلم ان أطرافا خاسئة كانت تعمل على خلقها، وتتبناها كيانات تتذاكى على كل ما حولها، ولا تزال تداعياتها سارية لتصدير الفوضى، كم حاولوا اختطاف لحظات البهجة بميلاد التغيير، بعد ان سرق ماضيهم المقيت بأجندته السافرة فرحتنا لتجعل منا غرباء على السعادة او هي نسختنا المشوهة في هذا الوطن. بصراحة لم نكن في حكاية من يزيح الآخر، ويشطبه من الطرف المقابل. كنا في اعلى نشوتنا الجدية ونحن نبحث عن الوطن في تفاصيله، ومن أجله نطمح لبناء دولتنا بمؤسساتها ومسئولين الحياديين، نفرط في حبنا ونحن نردد ذلك، لا كما يرغب لوبي المال من متنفذين، وأصحاب الوجاهات والولاءات والفيد المبارك، شهدناها سويا في مرحلة ما قبل سقوط الصنم, ذقناها سنة وراء سنة وتوقفت الحياة عند وصول نخبة سياسية غبية الى مربع السلطة، تربعت على كل نهاراتنا ومساءاتنا بلا حياء، فصار همها بأدائها السياسي المبتذل مقتصراً على التزلف والخداع, والمتاجرة بآلامنا، أتراحنا وأفراحنا، نجهش بالبكاء نحن، فيما هم يجاهرون بالضحك، نصرخ بحق المسحوقين المقهورين هنا وهناك، ويستمرون هم على تحصيل الأرصدة وتشييد الفلل. كأن كل هذا الشتات والفاقة وتضور الملايين جوعا لم يكن يعنيهم, كنا في وطن وكانوا في قرية أحلامهم الممتعة الفاضلة, وهاهم اليوم يبدون حسن الاستعداد والتعامل الجاد لاستبدال صورة الوطن، حيث كرسوها دهرا. نحن جاهزون لتغيير الصورة السلبية التي خالطت زمنكم وتحت راية هذا الوطن وباسمه، هكذا قال الشعب اليمني في ساحاته على مدار أكثر من عام, ولا اعتقد انه فشل، كان أكثر إشراقا وهو ينقل للعالم بأسره حقيقة اليمني العصي على التطويع, وهو يجد نفسه في بالغ الحماس لمواجهة القادم, وبذل المزيد من الجهود لتحقيق المزيد من المكاسب المرجوة، بات أولها(نقل صلاحيات الرئيس) في حوزتهم، والبقية تتبع. تصوراتنا لطبيعة عملنا السياسي قائم, وجاهزيتنا السياسية والفكرية نعمل الآن على تأطيرها من خلال أجندات المرحلة المقبلة ب(الحوار الوطني) الجاد الواسع، مفاهيمه تنقل التصورات العامة من مرحلة الصراع السياسي المتحرك في إطار “ العملية السياسية الكسيحة “ الى ذهنية الشعب بمختلف أطيافه للمشاركة في بناء الدولة والتخطيط للمستقبل وتحويله الى راهن فعلي عملي إيجابي تصاعدي, يقوم على ركائز اساسها يجب ان يكون جديدًا متيناً؛ لن تبنى على مفهوم العملية السياسية التي تستبطن استمرار الصراع، ويظهر الاستئثار والتفرد في كل شيء حتى انه في اغلب المراحل ظهر يحاور نفسه، ويفبرك المراحل السياسية على مقاسه, نادى بالديمقراطية وهو غارق بالدكتاتورية. إن مفهومنا يقوم على المشاركة في عملية البناء أولا وأخيرا. ونريده من كل هذه القوى ان تتبناه منهجا صريحا، بدون أي مغالطات وفبركات شبعناها. انتهى زمن الرهان على سلوك وممارسات حراك سياسي يفضي الى التواجد على خرائط السلطة وتسيد الأخبار، ويكتفي بتدشين حجر الأساس الخادع. من يظن ذلك عليه ان ينظر الى تفاصيل عام الثورة وما بعدها، مايزال يحضر بكل تفاصيله البسيطة والكبيرة, ماضيا في متطلبات التغيير باستكمال اهداف الثورة. [email protected]