لنخسر أشخاصاً هنا وهناك، أو نخسر مكتسبات ومواقف في بعض المفاصل، لكننا لا نريد أن نخسر التجربة الفريدة في وسيلة التغيير العصرية، ونسقط اللحظة بعنفوانها. مثل هذا الكلام ربما سابق لأوانه، غير أن الفرصة أكثر من مواتية، والوطن بناسه جاهزون. صحيح أن هناك تحديات لا أحد ينكر وجودها، لكن الخيار المطروح أمامنا الآن هو الوحيد لا يوجد غيره، الاستمرار في إنقاذ البلد من دوائره الحارقة محكمة الضيق، يتطلب جهود الجميع، ساعدوا أنفسكم قبل غيرها، على أن تفعلوا شيئاً تفاخرون به - كيمنيي الحاضر- أمام الأجيال المقبلة، بدلاً من أن نشعر بالإحراج أمامهم؛ لأننا لم نكن على قدر مسؤولية المرحلة التي دفعنا ثمنها الدم والدموع، ولا نريد أن نصحوا على فاجعة أننا لسنا قادرين على مواجهة رهانات اللحظة التاريخية، بمتطلبات التغيير الجذري. يمكن لليمنيين الآن – كل اليمنيين - أن يتصوّروا سياسة قائمة على تنافس المشاريع والبرامج التنموية، بدلاً من صراع الأجندات السياسية الكاذبة، والمناكفات التي كان يبتكرها ويتبناها طرف واحد معروف، صبغته الفذلكات، وكُشف للقاصي والداني. وفي أحسن الأحوال كان يكتفي بالحديث عن النهضة التنموية وبناء الوطن، ومحاربة الإرهاب ومكافحة الفقر، ضمن لقاء متلفز والسلام. لا يهم أن نظل نتغزل بالثورة، رحّلنا (رئيساً)، نصبنا (آخر)، صعدت حكومة الوفاق، أو اتفق الإخوة الغرماء، لا يعنينا كل ذلك، الأهم هو أن نرفض استرخاء الساحات في مثل هذه اللحظة، الفعل الأول لإخراج البلد من كل هذه المأزق كان من هنا، ويجب أن يستمر زخمه الثوري حتى نزع كل الخوازيق السابقة.. ووحدها الساحات - بفعلها الثوري النشيط - سيساعد مباشرة على إيقاف التدهور، كما سيجعلنا نردد بأن كل ذلك صار ماضياً؛ لأننا لا نريد أن نبقى أسرى الماضي بكل سوداويته، لو بقينا مقيمين هناك لا يمكن لنا أن نجتاز خطوة واحدة أو القفز على هذا الحاضر المكثف بكل ألمه. يمكن لنا أن نباشر حوارات وشراكات اقتصادية مع محيط المحيط، بدلاً عن الحوارات والشراكات مع دوائر المخابرات الداخلية والإقليمية أو التي تليها. أشعر بذلك - وإن كان هذا نوعاً من الاستعجال - إلا أنني أتعاطى مع هذا الحلم من هذه اللحظات - من على هذه الصفحة - حيث كنا نحلم بمساحة حرية عبرها وأخواتها الرسميات الحكوميات، وصارت الآن حلبة للديكة والنسور على السواء، وكما نقدم اليوم فيها مثل هذا الكلام، أنا على يقين أننا في الغد سنوجه سنابك كلماتنا ضد المتلاعبين بأحلامنا أو من يريدون تزويرها مرة أخرى. لن تفلتوا منا.. صدقوني، للصحافة ألسنة وسنن حداد، فلا تتوانى عن الدفاع عن قرائها وأهلها وأبنائها المخنوقين بالحبر وبحصار الحرية والدجل والإفك. كانت جزءاً من الماضي المخدوش، فأصبحت في مصاف الحاضر المشرق، وكذلك نريد كل هذا اليمن الحالم على هيئة الصحافة الحرة، وبحجم التغيير المنشود، يجب أن نفلت جميعاً من الماضي الغريب الذي لا يشبهنا. من الضروري أن يستعد قادة هذه المرحلة للعمل الخلاق ويبدوا قدراتهم برئاسة عبد ربه على تغيير منهجيتهم في التعاطي مع مفردة الحاضر بكل متغيراته؛ يشمرون للمستقبل، ويسارعون بالتأسيس له، في ظل هذا الزخم بوعي وحكمة، وليس التعامل الفوقي لمجرد الوصول. لا نريدكم كهول السياسة وتوابيتها المخيفة إذا لم تسمحوا ببذر أفكار جديدة وتتعهدوا برعايتها ونموها في حقل الدولة الذي نطلبه بالغ الخضرة وارف الظلال، نريده مختلفاً عن كلاسيكيات كهوف الماضي التي احتضنت العمل السياسي، وهذا بدوره هدم البنية الحقيقية للاقتصاد والعلم والثقافة، وأعاد إلينا من القمة إلى القاع أحلاماً وآمالاً متهالكة هشة، جرى الاعتياد على ذوقه وذائقته الممسوخة، منذ ما يزيد عن ثلث قرن، وفي كل شيء نريدكم نخباً تتمتع باستعداد عالٍ لتحمل مسؤولية احترام المواطن اليمني وطموحه، لا نرغب بمجرد التفكير؛ إننا سنتحول إلى مجرد ثوار مهجورين في وطن سحيق، أطيح بطموحنا نحن البسطاء، من كنا نحلم في أن نتكئ على جدار وطن مشيد يقيمه نظام حقيقي، يسندنا بعد كل هذا الهلاك الحالك الذي كاد يتلف ما تبقى. نريده وطناً يحمينا مما لحق بنا، يكون ظهراً لنا وسنداً في ظل لحظة مخيفة، لا نريد معها أن نعاني مشاكل وطنية في الثقة. [email protected]