يشكل يوم انتخاب عبد ربه منصور نقطة انهيار كامل لشبه الولاء الكاذب، الذي كان يرجم به النظام هذا الشعب، وخيبة الأمل التي قد تلحق المناديين بالمقاطعة - لا شك - سيسد عليهم 21فبراير منافذ الفبركة لخلق الفوضى والاستخفاف. والسبب بسيط جداً، مفاده أن المزاج العام يطمح إلى ممارسة الديمقراطية التي كان يسمع عنها، ولا يعرفها، وعبر هذا الصندوق وبهذه الانتخابات سيتمكن من التقائها. يعد الذهاب إلى صناديق الاقتراع والتصويت لهادي تصدياً للمفاسد السياسية العائمة الآن، التي ظل الشكل السياسي العدمي يتمتع بها ويجرعنا مذاقها السمج دهراً، أفسد علينا كل شيء في هذا البلد بالكلام الخادع عن السياسة والديمقراطية التي تمثل هذه الانتخابات خاصيتها الأولى. في لحظة كهذه التي نمر بها يجب أن نحاول - ولو لمجرد المحاولة - القيام بتصويب ما أفسده نخاسو السياسة وتجارها، ولو بالوقوف في واجهة التحديات التي يحاول البعض كبحها للنيل من اليمن المنهك ومن فبراير المجيد؛ لأنهم لم يدركوا حتى هذه اللحظة أن خيارات استخدام القوة المفرطة منذ أكثر من سنة فشل، بفعل تنامي وعي الشعب في الساحات بالتغيير السلمي، فالأغلبية التي شبعت تضوراً وجوعاً، وتشبعت عوزاً وانسلاخاً من وهم سياسة الحزب الواحد، ها هي تردد بأن الفرصة مواتية، لتجريب هذه الانتخابات أيضاً، وليس عبر الصناديق وحدها فقط أو نقل عبد ربه منصور هادي إلى القصر، ولكن من خلال الرقابة الفاعلة (بالنقد الذي تتبعه المتابعة والتقييم)، وتوجيه اللوم والخروج إلى الشارع مرات ومرات؛ للاحتجاج والغضب لو أخطأ (الرئيس) أو قصرت حكومته.. ما لحق بالنظام لن يكون هادي في مأمن منه؛ لأن الساحات لاتزال طازجة في كل مدينة وحي، يخوض فيها الشعب بما يكفي؛ تمرينات عصيبة وشاقة - في شارع النضال - تكفي للإطاحة بما تبقى من ثعابين أو بمن سيأتي من بعده. من وجهة نظري، الجميع اختبر قدراته ومهاراته على كل المستويات ليحقق ما يريد، لذلك لا يتطلب جذب الأوساط الشعبية إلى المشاركة النشطة في العملية الانتخابية جهود مضاعفة. ولمواصلة إحداث التغيير السلمي سيساهم الشعب بمختلف أطيافه في إنضاج التجربة، والانتقال إلى مستوى متقدم من مراحل الثورة، التي تحتاج إلى مساندة اليمن، لا عبد ربه منصور؛ لأنه قبل أن يتقدم لملء الفراغ، في مرحلة كثيفة الضباب، حيث يسير اليمن بأسره في طريق محفوف بالسباع وفصائل المتربصين.. ولن يكون هادي طريدة سهلة لهذه الفصائل الضالة، إن أنتم قررتم الذهاب إلى صناديق الاقتراع في يوم 21 وشاركتم في تفويت الفرصة على قوى الليل، التي حاولت إغراق البلاد في دوامة المواجهات المسلحة أكثر من مرة، وكم مرة لوحت بنهج طريق الصدامات والتصدعات داخل البيت اليمني الواحد فسقطت في شر أعمالها.. يتطلب على كل القوى أن يكون يوم الواحد والعشرين من فبراير هو عنوان لافتتاحية مرحلة جديدة تتوارى خلفها أشهر بل وسنون التجاذبات والعنتريات والتلويح بتوسيع عمق الهوة بين الإخوة المتخاصمين، نريدها تصفية للنفوس، لا تذكية لما يضمره البعض، لا تلتفتوا إليهم، دعونا نمضي في مسار أكثر أمناً وأماناً، دعونا نجرب ولو لهذه المرة فقط كيف نسقط نظاماً تشدق طويلاً بالديمقراطية، وهو يتفنن بتزوير الانتخابات، ويفصل النتائج على مقاسه. من العيب علينا ألا نأخذ بالاعتبار بحالات السقوط الأخلاقي والتشتت الاجتماعي الذي أصابنا بسبب النظام، ويراد له الآن أن يسم أهلنا - مجدداً - في كل شبر من هذه الأرض، بغية الإذلال على أثر ثورته المجيدة. لا يمكن لهذا الشعب أن يفكر بالترحم على زمن التشويه بكل الأدوات الممكنة وغير الممكنة، التي طالته حتى في سمعته وولائه الوطني الخالص، إنه سيقتص من ماضيه البغيض، وينطلق من هنا في حراك نشط لتعبئة الرأي العام في مختلف الأحياء والحارات للتوجه إلى الصناديق، وسنعرف كيف ينحاز شعب إلى وطنه الجديد، وإنه فقط كان يحتاج إلى فرصة كهذه لإثبات ولائه للسلمية التي ينشدها قبل كل شيء، ومن ثم يطمح إلى المحافظة على ما تبقى من شكل الدولة، والانتقال من الشعارات والدعاوى الشعبوية الضيقة إلى التطبيق العملي الواسع، لكن إذا ما قرأنا المشهد الواضح بأبعاده الصريحة لن يكون ذلك إلا عبر هذه الانتخابات وإسناد المرشح لمنصب الرئيس، والتفاصيل ليست مرهقة أثقل من الإرث الممسوخ. هذا يوم جديد في عمر هذه الثورة السلمية الناضجة، في حياة الوطن، لقد بات أبناؤه في المرمى المباشر للعالم، ولم يعد ممكناً لأي طرف الاستمرار في التلذذ بأوضاعنا المأساوية، بحجة الانتقام من قلة الولاء وضعف التباكي على مرحلة معينة، لحزب بعينه أو لشخص. إن جمهرة واسعة من أبناء هذا الشعب، وهي الغالبة، لن تبقى على ما هي عليه، ولن تتخلى عن حقها، بعد أن كاد يصيبها اليأس واللامبالاة، من تلذذ البعض بالعقاب الجماعي الشاق ضدنا وفي حقنا، هذا هو الشيء الأساسي كما يشعر به الناس على مختلف مستوياتهم، إنها ساعتهم، بأن يقولوا كلمتهم في الصندوق: نعم لهادي، كما قالوها في الساحات بالعلن: لا للنظام. [email protected]