اعتقد أنه يجب دراسة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية دراسة نقدية متأنية لوجود تناقض فيما بينهما أولا، وتناقض فيما بين بنود الآلية التنفيذية نفسها ثانيا، بسبب إعدادهما في ظرف خلاف شديد أزهقت فيه أرواح كثيرة، وكادت الدولة خلاله أن تنهار، هذا الظرف عكر أفكار من أعدوهما خاصة وأنهم كانوا غير متأكدين من القبول بهما، فالتناقض الموجود سيخلق مشاكل في الخطوات العملية لتنفيذ المبادرة وآليتها، وكل فريق سيستند إلى نص موجود، وفي الحقيقة أن المعدين للآلية التنفيذية قد تنبهوا للتناقض وجعلوا له بندا خاصا هو البند 25 الذي نص على تشكيل لجنة لتفسير المبادرة والآلية في غضون خمسة عشر يوما من دخول المبادرة وآليتها حيز التنفيذ، تكون مرجعية للطرفين، إلا أن اللجنة لم تشكل رغم مرور السقف الزمني المحدد لها، وسأناقش هنا تناقض الآلية فيما يتعلق بمهام لجنة صياغة الدستور المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني واللجنة الدستورية المزمع تشكيلها من الحكومة، فمن مهام مؤتمر الحوار الوطني المحددة مدته بستة شهور صياغة الدستور من خلال لجنة تشكل لصياغته ( البند 21 أ ) في حين نص البند 22 على أن تشكل الحكومة لجنة دستورية فور انتهاء مؤتمر الحوار الوطني تكون مهمتها صياغة مشروع الدستور الجديد في غضون ثلاثة شهور من تاريخ إنشائها، ويفهم من هذا أن لجنة الحكومة ستناقش صياغة الدستور المتفق عليه في مؤتمر الحوار الوطني، أي أن كل ما سيقدمه المؤتمر الوطني سيخضع لموافقة أو عدم موافقة لجنة الحكومة، وهذا في نظرنا استهجان وسخرية بما سينجزه مؤتمر الحوار الوطني بكل ثقله، وأن الحوار الوطني الذي سيستمر ستة شهور أو سنة إضافة إلى السنين السابقة التي قام بها المشترك وشركاؤه في مراحل الحوار سيصبح مجرد مسرحية هزيلة لغرض غير حقيقي. وهنا فإن المطلوب من رئيس الجمهورية والحكومة ومن الأطراف السياسية الوقوف أمام هذا التناقض في بنود الآلية وحل الإشكال قبل تشكيل مؤتمر الحوار الوطني، وأنا هنا أقدم مقترحا يمكن أن نسميه مقترحا تفسيريا للمادة 22 من الآلية التنفيذية يوضح أن اللجنة الدستورية المحدد تشكيلها من قبل الحكومة بعد انتهاء فترة مؤتمر الحوار الوطني ما هو أو هي إلا نص احتياطي لن ينفذ إلا في حالة فشل تقديم صيغة موحدة متفق عليها من قبل مؤتمر الحوار الوطني. هنا فقط يمكن القبول بهذا البند وإلا فإنه يعتبر نقض لما سيقدمه مؤتمر الحوار الوطني، وقد نهى الله عن مثل هذه التصرفات التدميرية بقوله في سورة النحل (( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة))