حبيب العمر: ماذا عساني أكتب لك الآن؟ لكأن الكتابة في وضعي هذا أقرب إلى استغاثة من مكان قصي.. لم تكن في حياتي حدثاً عابراً، بل تجسدت بداخلي حتى بعد فراقك، وكأنك لم تستشهد سوى البارحة.. كنت انجذب إليك فرحة بلقائك، مبهورة بحضورك الذي يبعث الدفء في أنفاسي ليمنحني الإحساس بالسلام والطمأنينة.. نعم رحلت ولازلت أصبِّر نفسي بأن لكل أجل كتاباً، ألجمت نفسي بأنك في رحلة طويلة سألحق بك متى ما أراد الله لي ذلك، لكن سفرك طال وهناك شيء بداخلي يرفض كل شيء، يرفض عالماً لست فيه، عالماً لا أصحو فيه على صوتك، لا أسألك فيه كيف قضيت يومك؟ وما سر القلق الذي يعتريك؟ عالماً عشقت فيه انتظارك وتفننت في إرضائك. بعدك مارست الهروب، مارست الحزن، طحنته وطحني.. رحلت فأغلقت بعدك كل منافذ الآخرين، تقوقعت في داخلك، عجزت عن تقبل سواك.. راهنوا على أنني سرعان ما أنساك وينبض قلبي لغيرك.. آه كم أنا موجعة من إحساسهم هذا، ويلهم كيف ظنوا ذلك؟ اعذرهم يا حبيب الروح، هم لا يعلمون أنك قد زرعت في قلبي وردة حين هطلت كالندى على مساحاتي القاحلة، وأنك قد أبدلت قناعاتي حين ظننت أن للحب زمناً غادر زماني.. هم لا يعلمون أنك أتيت من روايات العشق القديمة، جاعلاً مني أميرتك النائمة، فحولت غرفتي إلى مسرح من نور حين دعوت النجوم إليها ذات ليلة.. سأخبرهم.. نعم سأخبرهم كيف أحلتني إلى سندريلا أخرى حين حلقت بي في فضاءاتك، فألبستني الحرير وقلدتني أندر العقود؟. سأصف لهم كيف بنيت لي قصوراً من زهور أنا المقيمة في كوخ ضئيل؟ سأخبرهم عن كل غيمة أهديتني إياها لأغوص في ثناياها بدلاً من سرير القش الذي أرق مضجعي.. سأخبرهم بأنك لست بساحر، وأنك لازلت تطلق عصافيرك كل صباح لتطبع قبلة على شرفتي لتوقظني.. سأخبرهم بما همست به لي ذات ليلة بأني أختصر نساء العالم، فأشعرتني بانعدام الحيلة وأنت تعاملني كطفلتك المدللة، جعلتني أزرع الأرض فتنة وكأني أول امرأة وآخر امرأة عرفها الكون، أشبعت غرور المرأة فيني فولدت من جديد.. أعذرهم، هم لا يعلمون أنني حين أبحث عن شيء جميل في حياتي أجدك أنت الأجمل، وكلما حاولت تجاوز انشغالي بك تعثرت فيك.. صديق العمر: تعثرت بدونك، حتى في تعداد الأيام تعثرت.. رحلت فكان فراقك كطعنة حاذق لقلب في أوج فرحه.. لست ناقمة على القدر، فلن أفتأ مؤمنة بأنه أرأف بي حين ترك لي القدرة على أن انسكب حزناً على الورق الأبيض الذي يشبهني، خالياً من كل شيء، لكني أعترف بأنه اغتالني حين سلب مني أجمل شيء وترك لي كل شيء.. لم يكن رحيلك أمراً عادياً، ولم تكن ذكراك محطة أستطيع المرور بها كل مرة دون أن يسكنني ذات الألم وذات الحرقة.. برحيلك أخذت جزءاً من قلبي، وقطعة من روحي، أتظاهر بالحياة وقد رحلت معك.. نعم رحلت معك يا رجلاً تبكي لرحيله السماء، والمدن، وأبكيه أنا..!!