يحكى في الأثر إن السيد المسيح عليه السلام عرضت عليه امرأة أخطأت وارتكبت جريمة الزنى عند ذلك تداعى أتباع وحواريو السيد المسيح لتنفيذ الحد وهو الرجم فما كان من السيد المسيح وهو رسول المحبة والسلام إلا أن يقول لهم “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” وعندما راجع أتباع وحواريو السيد المسيح عليه السلام أنفسهم أدركوا أنه ليس منهم احد لم يرتكب خطيئة وتراجعوا جميعهم عن رجم المرأة... الشاهد إن ما مرت اليمن ولازالت تمر بها من أحداث منذ أكثر من سنة كاملة من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متزامنة مع ثورة شبابية وما كنا نظنه زواجاً كاثوليكياً بين مختلف أطياف العمل السياسي من سلطة مترهلة ومراكز قوى مختلفة سواء كانت هذه القوى ذات مرجعية دينية أو قبيلة أو سلطويه أو رأس مال طفيلياً أو خليطاً من هذه المرجعيات لم يكن زواجا كاثوليكيا أبدا وهو ما عقد وعمق الخلافات ورحلها من العام 2006م عندما كانت محصورة ومحدودة وفرص حلها وتجاوزها ممكنة إلى مشكلة مستعصية الحل بعد خمس سنوات تلت هذه الانتخابات 2011 م , إن ترحيل مشاكل الصراع على السلطة وتداولها بشكل سلمي في اليمن أوجدت وضعا استثنائيا يختلف عن أي وضع آخر ولا يمكن مقارنة ما حدث في تونس أو مصر أو غيرها من الدول العربية بالوضع اليمني. إن النخب السياسية المعارضة للحكم في اليمن أدركت منذ وقت مبكر وبعد مشاركتها للسلطة في أخطائها وسلبياتها حتى العام 2006م أدركت أن سر استمرارية النظام في الحكم هذه الفترة الطويلة ليس لأهليته وكفاءاته ولكنه بسبب غباء المعارضة وتشرذمها وتشتتها وهذا الإدراك هو ما وحد هذه القوى وجعلها تنجح في إخراج فكرة اللقاء المشترك إلى حيز الوجود رغم العداء التاريخي والخلفية الفكرية والعقائدية المتنافرة بين مكوناته من أحزاب ذات مرجعية أسلامية “الإخوان المسلمين وحزب الحق” على سبيل المثال وأحزاب قومية مثل “الاشتراكي والناصري” على سبيل المثال ولكن الهدف وأهميته وهو “إسقاط النظام” وليس التداول السلمي للسلطة كما يعتقد البعض لأن هذه القوى هي الوجه الآخر لنفس العملة , ورغم اننا كمراقبين كنا نعتقد استحالة تفكيك تحالف السلطة السابقة مع القوى القبلية المسلحة وبين السلطة وجنرالات حرب الجنوب وحروب صعدة والذين يمسكون بزمام المؤسسة العسكرية والأمنية وخلف هذه القوى وفي ظلها تعيش وتنشط وتنمو قوى أصولية من “سلفية جهادية وقاعدة وحوثية» و رغم زئبقية وغموض العلاقة بين هذه القوى مع بعضها البعض وكذا طبيعة ارتباط هذه القوى مع السلطة من جهة ومع المعارضة من جهة أخرى حيث مثلت العلاقة بين النظام والقوى القبلية من جهة والقوى العسكرية ومعها القوى الأصولية التي تعيش وتنمو في الظل وبرعاية السلطة والمعارضة معا مثلتا جناحين قويين استطاع الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح الطيران بهما لفترة امتدت من 6 شهور وهي الفترة المتوقعة له للاستمرار في السلطة بعد مقتل الرئيس/ احمد الغشمي إلى 33 سنه حتى العام 2011م مع بعض الأزمات والحروب القصيرة التي تجاوزها بنجاح مثل حرب صيف 1994م وبعضها فشل فيها مثل حروب صعدة الست مع الحوثيين و المفاجئ لنا كمراقبين بأن طبيعة هذه العلاقة لم تكن علاقة كاثوليكية بل زواج متعة يتم تجديده أحيانا في العلن وأحيانا في السر وذلك بمنح هذه القوى مزيد من الامتيازات والمقايضات والمكاسب المادية وكل ذلك على حساب المواطن والوطن الذي يعاني أزمات اقتصادية ومعيشية وجرعاً سعريةً أثقلت كاهله وذلك ثمنا لسكوتها ومشاركتها أخطاء النظام وموافقتها على ترحيل مشاكلها مع النظام من سنة إلى أخرى حتى طفح بها الكيل وخاصة بعد الترويج لفكرة التوريث ومحاولة إقناعها إن “ العيال كبرت” وخوفا من ضياع الكثير من الامتيازات وللخروج من هذا المأزق وجدت هذه القوى في الثورة الشبابية الفرصة الذهبية والاختراع الذي طال انتظاره للتطهر والاغتسال من أدران وأخطاء الماضي. ورغم أن الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح ردد في خطاباته مئات المرات إن الوصول إلى السلطة لن يتم إلا عبر صندوق الانتخابات وإن عهد الانقلابات قد ولى لكن المشكلة انه لا المعارضة صدقت جدية هذه الخطابات ولا الرئيس نفسه كان مستعداً لتنفيذ التداول السلمي للسلطة وكأن الخطاب موجه للأجيال القادمة وليس لمن يعيش المشهد السياسي حاليا والدليل ضياع فرصة تاريخية لنقل السلطة بصورة سلمية وعبر الصندوق وهي انتخابات 2006م حيث كان على عبدالله صالح بحسب المراقبين في قمة عطائه في ذلك الوقت ولكنها فرصة تاريخية ضيعتها السلطة والمعارضة معا وهو استمرار للخطأ المشترك للطرفين في الانتخابات الرئاسية التي سبقتها في العام 1999م عندما كان علي عبدالله صالح مرشحاً وحيداً لحزبي المؤتمر والإصلاح وعلى قاعدة غبية وغريبة وهي«جني نعرفه ولا انسي ما نعرفه”,ولنا في نجوم كرة القدم مثل جيد ورائع حيث إن النجم الرياضي يعتزل دائما وهو في قمة مجده الرياضي فلماذا لا يطبق السياسيون هذا المبدأ على أنفسهم مجرد سؤال. و الخطأ القاتل الآخر الذي ارتكبته السلطة ممثلة في الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام هو عدم الوقوف بحزم أمام موضوع “التوريث” وإعلان البراءة منه واعتباره كبيرة من الكبائر وشجرة محرمة مرفوضة حاضرا ومستقبلا وذلك احتراما ووفاء لدماء عشرات الآلاف من الشهداء للثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر التي ما قامت إلا للقضاء على الحكم الإمامي في الشمال والاستعماري- السلاطيني في الجنوب التي تعتمد جميعها على التوريث كوسيلة لنقل السلطة والحكم حيث وجدنا أن موقف المؤتمر السلبي من موضوع التوريث هو ما استغلته المعارضة ممثلةً في اللقاء المشترك وشركائه أفضل استغلال وكان احد الأسباب في توحدها وتماسكها وجاهرت برفض التوريث جملة وتفصيلا وهذا يحسب لها . نتمنى أن لا تعيد القوى السياسية في الساحة المؤتمر وحلفاءه واللقاء المشترك وشركائه تجاربها السابقة والفاشلة وخاصة في ظل ظهور قوى أخرى جديدة على الساحة يجب التعامل معها ودمجها في العملية السياسية و حتى لا تبقى اليمن في حالة حروب ونزاعات مستمرة دفع ويدفع المواطن ثمن هذه الصراعات العبثية وكان ولا يزال الشعب هو الخاسر الأكبر فيها نتمنى أن لا تعيد هذه القوى تجارب الحكومات التوافقية الفاشلة كما حدث بين المؤتمر والاشتراكي قبل صيف 1994م أو بين المؤتمر والإصلاح بعد صيف 1994م . وأخيرا إن ما تمخضت عنه المبادرة الخليجية من حكومة توافقية مناصفة بين المؤتمر وحلفائه من جهة والمشترك وشركائه من جهة أخرى كحل وسط لخروج اليمن من أزمته ومنعه من الاستمرار في التوغل في نفق مظلم لا تحمد عواقبه وبرعاية عربية و إقليمه ودولية ورغم أهمية الحدث ومراعاته للخصوصية اليمنية وقبول غالبية اليمنيين بهذا الحل بما فيهم أطياف العمل السياسي وتوقيعهم والتزامهم بتنفيذه وبعد مرور أكثر من أربعة شهور على التوقيع ونجاح انتخاب المشير/ عبدربه منصور هادي كرئيس توافقي لجميع اليمنيين وتشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة المخضرم الأستاذ / محمد سالم باسندوة ورغم بعض النجاحات التي حققتها الحكومة إلا انه من يقرأ الماضي القريب ويتمعن فيه ويربط معطياته ونتائجه مع إحداث الحاضر وفي ظل الحرب الإعلامية المستمرة بين طرفي حكومة الوفاق وبقاء الجماعات القبلية المسلحة في المدن واستمرار انقسام الجيش فإننا كمراقبين نعتقد ونجزم أن مصير هذه الحكومة هو مصير الحكومات التوافقية السابقة إلا في حالة اقتنع وأيقن وآمن كل طرف بالحقيقة الآتية” انه مخطئ من يظن انه وشركاءه وحلفاءه الملائكة وغيرهم الشياطين” وتخلص الجميع من خلافاتهم وتجاربهم الفاشلة وسموا فوق الجراح وأعادوا هيكلة أنفسهم وأحزابهم قبل أن ينادوا ويصروا على هيكلة الآخرين ودخلوا في حوار غير مشروط مع الكل من أجل الكل وكان همهم الأول والأخير الوطن وليس الفندم أو الوزير أو الشيخ أو قائد المعسكر أو قائد الفرقة وآمنوا بمقولة السيد المسيح عليه السلام « من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر » والله المستعان. §[email protected]