منذ أن بدأنا نسمع بالنظام الديمقراطي والتعددية السياسية ونحن نتصور شكلها ومضمونها وتقاسيم مفرداتها وآليات النشاط السياسي، وكل واحد منا يراها من زاويته الفكرية التي تعمقت في ذهنه المتسيس حتى ولدت شمس الوحدة وأعلنا فيها أننا دولة ديمقراطية منهجها السياسي قائم على التعددية السياسية، وأخذنا نبحث في عصرنا الجديد عن رؤيتنا وتصوراتنا الديمقراطية من أية زاوية كانت، فتوجهنا إلى زاوية الفرز الديمقراطي للعناصر الفعالة والأكثر اقتداراً على تولي مصالح الناس، فلم نجد إلا فرزاً عكسياً وإذا بالديمقراطية وبالانتخابات أفرزت لنا ممثلين وقياديين لا يجيدون سوى القراءة والكتابة، ومفهومهم عن مصالح الشعب هي الوساطة لمشاريع وهمية في اغلبها وعبثية فيما تبقى، فلم نيأس من الديمقراطية ومفاهيمنا لها واخذنا نبحث من زاوية الأمن الاجتماعي وفكر الحوار، ولكننا لم نجد إلا تعصباً حزبياً ضيقاً كل لا يقبل بالآخر، وشيوعاً لأفكار تشطر المجتمع بعدد الأحزاب. فإذا بالمقايل حزبية والوظائف حزبية حتى خيل إلينا أنه مع مرور الزمن وتوطيد الممارسة الديمقراطية والتعددية الحزبية سيصبح الزواج حزبياً، ولم نيأس أيضاً وغيرنا إلى زاوية التداول السلمي للسلطة فإذا بالأيام تؤكد لنا بأنه لا تداول ولا سلم ولا سلطة. ومرَّينا بحروب وظلت السلطة بيد حزب أو أحزاب بعينها تسلطاً فلم يرعنا هذا وقلنا علَّ وعسى ان تنتج الديمقراطية ما نعتقد انه من مفرزاتها، وهو وجود معارضة بناءة تقف على أخطاء السلطة وتصححها بما يعود بالفائدة على الشعب، ولكن لا مجال إذ صارت السلطة مكونة على أساس غير سياسي بل مناطقي وتوازن لمراكز القوى، وإذا بالمعارضة شريكة في السلطة وعلى هذا سارت الأمور حتى وصلنا إلى الثورة الشبابية التي تحولت إلى أزمة سياسية وتعالت خطابات النقد والتشهير بالسلطة، وبدون انذار ضاعت الثورة وضاع الشباب وتحول قسم كبير من السلطة إلى المعارضة ونزلوا بكل عددهم وتعدادهم إلى الساحات ضد السلطة "وهم السلطة"، حتى وصلنا إلى مرحلة الوفاق بين السلطة التي على الكرسي والسلطة التي في الساحات، وإذا بنا نعود إلى مفهوم الديمقراطية والتعددية السياسية لعلنا نجد زاوية ممكن تعطي مفهوم السلطة والمعارضة معنىً جديداً يتسق وما هو موجود على ارض الواقع، ولكن لم نجد إلا معارضة لا زالت تتوهم انها سلطة فعندما يتحدث إليك الواحد منهم ينتقد سلوكيات وتصرفات ما يطيب له ان يسميه "معارضة"، فهؤلاء هم المؤتمر الشعبي ومن معهم والذين لم يستوعبوا ان رئيس الجمهورية توافقي لا تحسب سلطة على أحد وان الحكومة مناصفة ورئيس الحكومة من المشترك ولذا فالمشترك هو السلطة. وما أصعب ان يعوا انهم اصبحوا معارضة بالغة النسبية في الحكومة، وفي الطرف الآخر سلطة ما زالت تعتقد انها معارضة فتقيم الفعاليات المعادية للحكومة وتجهد الناس وتضع المطالب والشروط وتردد شعارات معارضة. إذاً فأي نتاج هذا الذي انتجته لنا الديمقراطية والتعددية السياسية وبأي مصطلحات ممكن ان نصفه؟!!.. وهل ممكن ان نعتمد على مفردات الديمقراطية ونصنف الجميع معارضة حاكمة أو معارضة سلطة أم نصنف الجميع بالسلطة المعارضة، أم ننحاز لأقرب مفهوم ونسميهم سلطة متحالفة؟؟!!.. وان كان هذا هو الأقرب فسيظل الأبعد لأن السلوك المعبر عن الفكر لا يتوافق مع المسمى، وان لم يكن هذا بالأهمية في ظل الوضع الراهن فعلى الأقل سيظل بالأهمية وجود معارضة لا سلطوية أي ليست شريكة في الحكومة، وإلا فان كل مفاهيم الديمقراطية قد تلحق بمفاهيم السلطة والمعارضة وتصبح اسماً وفكراً لا يترجمه سلوك.. فكلما نرجوه ان يقتنع أي من الطرفين بأن يكون سلطة والآخر معارضة اسماً وسلوكاً وفكراً، وإلا فعلينا ان نبحث عن معارضة لسلطة المعارضة ومعارضة السلطة كي يستقيم مفهوم الديمقراطية والتعددية السياسية.