للفنان الكبير أيوب طارش عبسي تجربة مريرة مع الدولة، تماماً كما المرض.. الرجل لم يكرم في حياته بما يليق بإبداعه النشيد الوطني فقط، ناهيك عن كل روائعه الفنية والوطنية والشعبية الاخرى، التي تستحق كل منها تكريماً مستقلاً بحد ذاته، وفوق كل ذلك لا يحظى بحقه في العلاج إلا بعد أن يعلم بتدهور حالته الصحية طلاب الروضات. يعاني أيوب من آلام في يده وعموده الفقري، وزوجته تعاني أمراضاً في القلب والرئتين والمعدة.. ويعاني أكثر من دولة لا تقدر فنه وعطاءه، فقط كالعم الفاضل عبدالقوي الشيباني صاحب مطاعم الشيباني الأصلية وليست “المُفرّخة”. في كل مرة تتدهور فيه الحالة الصحية لطارش، يتحول إلى مادة لتسجيل المواقف الانتهازية.. يتركون الخبر يتفاعل إعلامياً حتى تتحول أخبار المناشدات والمطالبات والمقالات التي تذكر الدولة بمسؤوليتها إلى ضغط نفسي على رجل كريم عزيز، لا يمجد شخصاً ولا يتوسل دولة.. بعدها ينبري الإعلام الرسمي بخبر عن توجيه للرئيس السابق بعلاج أيوب على نفقة الدولة، يستغرق وقته الدعائي بمكرمات الرمز.. وقبلها يصرح إعلاميا أيضاً الشيخ حسين الأحمر متوعداً بعلاج أيوب على حسابه.. يتضح الأمر بعدها أن الأمر لم يكن أكثر من فرقعة دعائية، فلا الدولة تبنت بالعلاج كما ينبغي التزاماً بتوجيهات رأس الدولة، ولا حسين الأحمر نفذ تهديداته!! في ديسمبر 2009، وقع أيوب بورطة محرجة. غادر للعلاج في ألمانيا على نفقة الدولة، أو الرئيس السابق- كما يفترض - ولم تفِ سفارتنا في برلين بالتزام من تمثله، حكومة أم شخصاً، واكتفى الشيخ الفذ سلطان البركاني بمسؤولية تذكير الرئيس بتوجيهاته. وهكذا دواليك التوجيه بحاجة إلى تذكير، والتذكير بحاجة إلى استهلاك دعائي جديد. في حوار ذي شجون أجراه الزميل الرائع بشير السيد لصحيفة النداء، مع كبير الفن الوطني والشعبي ايوب طارش، في اكتوبر 2009، كشف الأخير عن جانب من انتهازية الدولة المفترضة.. كان توجيه صالح بعلاجه حينها مقتصراً على 10 آلاف دولار وتذاكر سفر، فرد عليهم أيوب «أنا مش بحاجة فلوس... أشتي أتعالج»، وعاد لتعز دون استلام المبلغ، فاتصل به رجل الدولة «المبروك» حمود خالد الصوفي وألح عليه أن يستلم المبلغ ويسافر إلى المانيا، وأكد له أنه يتحدث باسم الدولة وأنه مفوض بذلك ، «لما تحتاج مصاريف اتصل وسنحولها لك فوراً، لأن التناولات الاعلامية محرجة للرئيس»، فاستلمها وذكرهم بأن التوجيه بمنحة علاجية وليس بفلوس. سافر أيوب بناء على التزام الصوفي، مع أن المبلغ الذي أخذه لن يغطي مصاريفه الشخصية “هذه المانيا مش تعز” كما قال، فكان مصروف تعز في المانيا على ما يبدو، لولا تدخل الشيباني وكثير من محبي أيوب الذين فتحوا حساباً بنكياً للتبرع لصالحه، وذهبت التزامات دولة الصوفي أدراج الرياح، المهم أنه أبعد الرئيس عن الاحراجات، وربما أغلق تلفونه بعدها هرباً من إحراجات أيوب.. استذكر أيوب في الحوار كيف تعامل معه الرئيس علي ناصر محمد عندما التقاه في عدن، عام 1982 ، حين تفاجأ به واقفاً الى جواره في معهد الموسيقى، وطلب منه أن يأخذ بعض أبيات أنشودة رددي ايتها الدنيا لعمل نشيد وطني وسلام جمهوري، وقال له «أي شيء نحن مستعدون»، صمت أيوب فتدخل الفنان علي السمة، ليخبر ناصر أن أيوب مريض لكنه خجول ويحتاج منحة علاجية.. دون ضجيج أخبره الرئيس بأن التذاكر ومصروف الجيب له ولزوجته إلى مومباي الهندية ستكون عنده «بكره»، و هناك سيستقبله السفير ويشرف على علاجه.. استلم أيوب أوراق المنحة وتذاكر السفر و5 آلاف دولار في اليوم الثاني، لكنه عدل عن السفر بعد أن عاد لتعز لزيارة اسرته، وفوجئ بأن أحدهم قد سطا على أرضيته وأنفق بدل السفر في الشريعة وتسوير الأرضية، فعاد محرجاً إلى عدن بعد أشهر وأعاد أوراق العلاج، وأخبرهم أنه تعافى. لا أدري اي تعامل سيسلكه الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني.. حتى اللحظة.. تشير كل التفاعلات انهم لم يتحللوا بعد من بعض سياسة علي عبدالله صالح، وليسوا أقرب لعلي ناصر محمد.. وهذا ما لا يليق بهم.. أتفهم الاشكاليات المالية لوزارة الثقافة، وأقدر عالياً وزيرها القدير الدكتور عبدالله عوبل، الذي طرح الأمر سريعاً على رئيس الوزراء، الذي بدوره أحالها للرئيس، رغم انه طلب منهم ذات اجتماع أن لا يعودوا إليه إلا في الأمور المستعصية، لكنها الأزمة المالية على ما يبدو! الخميس وجّه الرئيس عبدربه منصور بعلاج أيوب على نفقة الدولة، والجمعة صرح أيوب في الجمهورية أن الأمر لا زال «مجرد وعود» يبدو أنها لا تختلف عن سابقاتها.. وأمس وصلت رسالة إخبارية يفيد مضمونها أن ايوب في طريقه للخارج، وهذه بادرة ايجابية وإن تأخرت.. لن يكون مقبولاً أبداً أن يتعرض أيوب مجدداً لأي بهذلة في الخارج من السفراء، كالذي تعرض له سلفاً.. عليهم أن يثبتوا أنهم مسؤولون بما يكفي لعدم ترك بقية المهمة البسيطة لعبدالقوي الشيباني ومحبي أيوب مجدداً. ختاماً أتساءل عن المسؤولية الاجتماعية للبيوت التجارية التعزية المهتمة بزكاة رمضان فقط، وتقف بلا مسؤولية أمام محنة تراث فني ووطني زاخر. كم أنت نبيل، عبدالقوي الشيباني رغم محدودية استثمارك، مقارنة باستثمارات أخرى عابرة للقارات.. احترامي لك، نيابة عن محبي أيوب.