منذ أن عُيّن الأستاذ عبده محمد الجندي نائباً لوزير الإعلام وناطقاً باسم حكومة ما قبل حكومة الوفاق الوطني، ومن ثم ناطقاً باسم المؤتمر الشعبي وما يسمى بأحزاب التحالف، ظل يعقد كل أسبوع مؤتمراً صحفياً، “يهدر” خلاله أكثر مما يرد على أسئلة واستفسارات الصحافيين الذين يصابون في حالات كثيرة بالملل أو يغادر بعضهم قاعة المؤتمر. وللأمانة أقول: إن لدى الرجل قدرة فائقة على الكلام والتشعب فيه، والاستدلال والاستشهاد بالأحداث والمواقف التاريخية والأمثال المحلية والعربية، والمصادفات الظريفة التي واجهته في حياته. وهذه القدرة الكلامية تفوق قدرة وإمكانات كل السياسيين والإعلاميين اليمنيين، وهو يمثل الأنموذج المعاصر للمدرسة السفسطائية، وأنا أعتبره أول فارس إعلامي يمني ظهر حتى اليوم على الساحة اليمنية، وإن كان يقع في كبوات لغوية لا يتنبه لها إلا القليل من المتابعين، وهي كبوات تمثل ذات النسبة من صحيح اللغة في الخطابات السياسية التي ظل المواطنون يتجرعونها ليلاً ونهاراً طوال 33 عاماً، إلى حد أن بعض الشغوفين بها اقترح بأن تعلب وتوزع عن طريق الصيدليات لعلاج المرضى المصابين بانخفاض في ضغط الدم. وعلى كلٍّ فالأستاذ الجندي إعلامي من الطراز الأول، ولا أظنه إلا اطلع على خطابات وبيانات وزير الدعاية في حكومة ذائع الصيت عالمياً الفوهرر هتلر، واطلع كذلك على تعليقات المذيع المشهور في إذاعة صوت العرب قبل حرب 1967م المرحوم أحمد سعيد؛ فالرجل لا يترك قضية محلية أو حادثة سواء كانت صغيرة أو كبيرة إلا تطرق إليها وتناولها من جميع أطرافها والوسط، حتى لو لم يسأله أحد عنها، كما لا يترك حزباً أو شخصية سياسية أو اجتماعية أو عسكرية من المعارضة إلا وحملها كل المآسي التي يعاني منها البلد، وبعد أن “يصبنها” ست مرات يدعو لها في السابعة بالهداية، ويشيد بقيادات المؤتمر وزهد قادة الحرس الجمهوري والأمن القومي والمركزي وشركة السجائر في السلطة؛ كونهم بعد 33 سنة قد شبعوا ويريدون أن يرتاحوا من المناصب. وأقترح هنا - وأنا جاد في اقتراحي - على الأستاذ عبده أن يكلف أحد أصدقائه أو أحد موظفي الدائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي بجمع تسجيلات المؤتمرات الصحفية وتصريحاته للفضائيات المحلية والعربية والعالمية ونسخها ومن ثم طباعتها وإصدارها في مجلدات وتوزيعها على طلاب كليات الإعلام؛ للاستفادة منها في بحوثهم، وقد تكون مادة دسمة لإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه؛ فهي سجل للأحداث التي مرّت بها البلاد، ومرجع هام يشكل مدرسة جديدة في الخطاب الإعلامي، إنها موهبة يجب أن تستغل وإدرار إعلامي يقابله جفاف شديد عند الأستاذ علي أحمد العمراني؛ فهو منذ تعين وزيراً للإعلام لم يطل علينا إلا بيضة واحدة، ونخشى أن تكون الأولى والأخيرة، ودخل مرحلة صمت مطبق، فلا هو نطق باسم الحكومة، ولا كلف غيره، على الرغم من كثرة الأحداث والتطورات والمآسي التي تعيشها البلاد، وتحتاج إلى من يتحدث عنها ويوضح خفاياها وأبعادها ونتائجها على الوطن وعلى المحيط يومياً، وما وراء المحيط. وعلى الرغم من الظروف السياسية التي استجدت من حيث حرية التناول الإعلامي والمساحة الكبيرة للمسؤولين التي تحتم على كل وزارة ومؤسسة حكومية أن يكون لها ناطق باسمها فإنه لا يوجد إلى يومنا هذا من ينطق ويفسر ما يجري في البلاد، حتى وزارة الداخلية ووزارة الدفاع المعنيتان بتسليط الضوء - ولو عن طريق شمعة أو فانوس صيني - على البلاوي والكوارث التي نسمعها كل ساعة ونشاهدها عبر الفضائيات لا يوجد لهما ناطق، وكل الذي استطاعتا فعله هو تخصيص جهاز فاكس لاستقبال شكاوى المواطنين.. أما اللجنة العسكرية وناطقها فقد غرقوا في متاريس الحصبة وما جاور قيادة معسكر فرقة المدرعات الناجية من أية مساءلة. يا ناس إذا كنتم لا تستطيعون أن تنطقوا ومن قبيل “رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه” فاستعينوا بخبرات الشقيقة الكبرى التي تسهر من أجلنا ومن أجل مستقبل بلادنا؛ فهي قد سبقت كل دول العالم في مسألة الناطق الرسمي؛ حيث يوجد في كل وزارة ومدينة ومحافظة ومديرية ناطقون يصدرون كل يوم بيانات حول القضايا التي يتطلبها الإعلام لتوضيحها. وهذه ليست مبالغة واقرأوا صحيفة الحياة اليومية، حتى المطاوعة - الذين يتابعون الناس في الأسواق لإجبارهم على الذهاب لأداء الصلاة - لهم في كل مدينة ناطق، وليس عيباً الاستعانة بهم، وهذا أفضل من أن تظل البلاد دون ناطقين أو يكتفون ببيضة واحدة.