أضحكني وأبكاني الكثير من زملاء المهنة المنادين في كتاباتهم ونقاشاتهم وأطروحاتهم إلى ضرورة احترام حرية الرأي والتعبير وإلى فك الحصار المفروض حول الكلمة وتحرير حروفها من كل القيود وإلى رفع كل العوائق التي تعمل على مصادرة حق الآخر في التعبير عن رأيه بكل حرية.. حين منحوا أنفسهم كل الحق ليعبروا عن أدائهم بكل وضوح ودون أي تحفظات وحرموا ذلك على الآخرين ودون وجه حق، وحين حولوا نظام علي عبدالله صالح الذي حكم اليمن 33عاماً إلى تهمة يلصقونها في كل من يخالف آراءهم ولايتمشى مع توجهاتهم.. وحين رأوا أن حرية الرأي والتعبير التي يؤمنون بها هي ما يتناغم مع توجهاتهم ولاتخالف آراءهم.. ويجب أن يكون الرأي الآخر رجع صدى لكلماتهم وصورة مستنسخة تعيد مايقولون ومايكتبون ولايحق للآخر أن يبدي رأياً أو يتبنى فكرة، وهذا هو المفهوم الذي يؤمن به الكثير من زملاء المهنة والمعتمد لديهم في تفسير مفهوم الرأي الآخر والقاعدة التي يستندون إليها في إصدار أحكامهم وتجريم خصومهم بعد إدانتهم بتهمة التعبير عن الرأي بمفهومه الحقيقي.. خصومهم أو بالأصح زملاءهم الذين تم توصيفهم بحسب المصطلح الجديد والشائع هذه الأيام لمفهوم الرأي الآخر(ببقايا النظام السابق) هذا التوصيف العجيب والتهمة التي تطارد كل من له رأي آخر ابتدعها من كانوا جزءاً من مكونات النظام السابق ومن رعاياه المخلصين وسدنته الأوفياء ومن حولوا تاريخهم إلى تهمة لإدانة غيرهم.. هم من بحت أصواتهم ونفد صبر أقلامهم لكثرة مديحهم وتمجيدهم لعلي عبدالله صالح ونظام حكمه.. وهم أيضاً من كانوا يتمسحون بأستار علي عبدالله صالح ويتسابقون لنيل رضاه.. وحينها كان أيضاً لامكان للرأي الآخر بينهم كما هم عليه اليوم من إصرار على رفض الآخر وعدم القبول به. ولا أبالغ حين أقول إن حرية الرأي عند هؤلاء النفر من الزملاء حق لمن اهتدى بهديهم وسار في ركابهم وأصبح من شيعتهم، وأما من كان على غير ذلك فهو بلطجي ومن رموز الفساد ومن بقايا النظام السابق ومن المغضوب عليهم وسيبقى كذلك مادام يحمل الرأي الآخر ويؤمن بأن اختلاف الرأي لايفسد للود قضية وستبقى تهمة بقايا النظام تطارده كلما عبّر عن رأيه ورفع صوته بما لاتشتهي أهواء من نصّبوا أنفسهم أوصايا على الآخرين فلا رأي إلا رأيهم ولا قول إلا قولهم.. فهم الثوار والأحرار والمناضلون والمجاهدون والمثقفون والمفكرون والموهوبون والعلماء وأرباب السياسة صناع التغيير وبناة الدولة المدنية وحدهم أصحاب الحق وغيرهم على باطل، ألسنتهم لاتنطق إلا بالصدق وأقلامهم لاتكتب سوى الحقيقة، فمن أراد أن يكون واحداً من هؤلاء ماعليه إلا أن يلغي عقله ويغلق نوافذ تفكيره ووعيه بعد أن يسقط من ذاكرته كل ماعلق بها من قناعات ورؤى تكونت عبر سنين وحينها سيمنح حق المواطنة الكاملة ويتم ترقيته إلى درجة مواطن من الدرجة الأولى ولن يكون حينها من بقايا النظام السابق.. نعم أيها السادة ضحكت لسذاجة أولئك النفر من الزملاء والمسكونين بوهم الخوف من الآخر، فيظهرون متعصبين لآرائهم متمترسين خلف أفكارهم، متمسكين حد التطرف برفض الرأي الآخر والتقارب معه ولكن الحقيقة أنهم يدافعون عن بقائهم ويضعون أنفسهم أينما تكون مصالحهم. وبكيت لأن أولئك النفر ممن نحسبهم من الفئة الأكثر وعياً والمعول عليهم توعية مجتمعهم وتقديم صورة مشرقة لمفهوم الديمقراطية وحرية الرأي والمعنى الحقيقي للتعايش السلمي والقبول بالآخر ويثبتون أن الوطن قبل الحزب وقبل المصالح الشخصية. فيا أيها الزملاء لاتضيقوا ذرعاً من آراء الآخرين، ولاتضربوا الحصار حول كلماتهم وتحولوهم إلى أعداء لكم لمجرد أن آراءهم لاتتفق مع آرائكم وتتعارض مع توجهاتكم واعلموا أن حرية الرأي ستبقى منقوصة وغير مكتملة أن أصررتم على تغييب الرأي الآخر وفرضتم الحصار حوله، خصوصاً على صفحات الجمهورية التي يتباهى القائمين عليها بأنها مساحة حرة ومتاحة أمام جميع الآراء دون استثناء وبعيداً عن مقص الرقيب الذي ثبت وجوده في أكثر من مقال.