عندما تخون النخب تكتسح الساحة الحركات الأصولية والقوى التقليدية، عندما يبيع المثقف ضميره يتحول إلى (عكفي) خلف عمامة سوداء أو شال (رشوان) لا فرق. عندما يجيز الحداثي زواج المتعة بين الأممية وولاية الفقيه فالمولود سفاح. ما دفعنى لهذه المقدمة مقال اليساري علي ناصر البخيتي “الجمهورية والحوثيين محلك سر” قدحاً وذماً لنشر الصحيفة خبراً في عدد السبت الفائت كشف عن صراعات عنصرية في صفوف الحركة الحوثية وإنشاء جامعة “آل البيت” بصعدة والعديد من الممارسات الماضوية داخل الحركة، لم يفندها البخيتي بل لجأ إلى التقية. “لن أناقش صحة الخبر من عدمه” لكنه يثور على ربط التشدد بمن قاموا بتأسيس الجامعة، غير مدرك أن محمد حسين مجد الدين المؤيدي ومحمد عبدالعظيم الحوثي اللذين سيتوليان إدارة الجامعة لا يؤديان صلاة المغرب إلا بعد تلألؤ النجوم في كبد السماء، ويطلب التأني حتى افتتاح الجامعة - وهنا إقرار بصحة ما ورد في الخبر عن إنشائها - متغافلاً أن الكتاب يُقرأ من عنوانه. كما أن التسمية - جامعة آل البيت - تجعل من حق سلفيي دماج إنشاء “جامعة بني أمية”، وبهذا نستحضر”السقيفة وصفين”. أشفق على البخيتي؛ لأنه يهرف عن الحوثية من “الملازم” التي يستذكرها كلازمة للحصول على فائض الحوزات فقط. كنت أتمنى الرد على الخبر من المكتب السياسي للحركة الحوثية أو من صالح هبرة وصالح الصماط؛ كون الخبر كشف عن إقصائهم؛ لأنهم لا ينتسبون إلى العرق المقدس. فهم المعنيون بالرد نفياً أو توضيحاً، ومن ثم يجيز لنفسه البخيتي ما يشاء، لكنه تخلى عن اشتراكيته التي تحتم عليه نصرة المظلوم الشميري، وبلع قلمه ولسانه ولم يسأل حتى نفسه عن مصير المعلم الذي أقاله القائد العسكري للحوثية أبوعلي الحاكم من إدارة مكتب التربية بصعدة؛ لرفضه إدراج ملازم حسين الحوثي في المنهج المدرسي لتلاميذ المحافظة. كل ما ورد للصحيفة تعقيباً على الخبر من القيادي في حزب الحق محمد المنصور توضيح يؤكد صحة ما نشر فيما يخصه؛ حيث أقر المنصور بذهابه إلى صعدة لحسم صراعه مع حسن زيد على أمانة الحزب ولقائه بالمكتب السياسي للحركة وليس برئيس ديوان المظالم، كما ورد في الخبر. وأكد أن حسن زيد وأشقاءه هم من احتكموا لدى قضاء المظالم في خلافهم على “تركة” والدهم العلامة المرحوم محمد زيد قبل شهرين على لسان المنصور وللقارئ الحكم. كل هذا فيما البخيتي يتمادى ويشبه الجمهورية بأخبار اليوم، ويستدل على مظلومية الحوثي ومشروعية قضيته بشهادة عبده الجندي الذي قال: إن اللواء علي محسن تسبّب في قتل الآلاف بصعدة. وهنا لم ولن أدافع عن الجنرال محسن؛ فهو عندي النصف الآخر لعلي صالح، تقاسما السلطة مع مشائخ القبيلة الذين استلموا الراية من آخر إمام ليتصارعوا عليها مجدداً منذ 2004م وعلى مدى أكثر من ألف عام، وإلى اليوم تنحصر مآثرهم في ملازمة الفقر والجهل والتخلف لقبائل شمال الشمال التي طحنتها الحروب دفاعاً عن مملكة إمام أو إقطاعية شيخ. فأسفي عليك يا بخيتي؛ عندما كشفت أن كل همك أن نصِف حسين الحوثي بالشهيد الذي غادر الحياة إلى عالم الآخرة ولم يعرج به إلى السماء أو اختفى في المغارة حتى نلازم بابها بانتظار عودة الإمام الغائب قدّس الله سره؛ فحسين الحوثي ضحية صراع عبثي، ليس هذا محل الخوض في تفاصيله، ومع هذا تستفتي في قتله..؟!. وقد أهلكت جماعة الحوثي الحرث والنسل بالتشارك مع نظام صالح، وجعلوا من البسطاء وقوداً وحطباً لمشاريع توريث الإمام حسين وعبدالملك والعميد أحمد. أنا أحد أبناء شمال الشمال تجرّعت مرارة العنصرية والإقطاعية لأستجير بمدنية النخب لأقف على الحقيقة المؤلمة. أقلام ومثقفون وكتاب بربطات عنق وآخر التقليعات في عالم الموضة يدلقون عصارة عقولهم في المعلامة وديوان الشيخ ويصيغون مشروع الدولة المدنية من بين أعواد القات وأعقاب البنادق، ولا حرج عندهم في تدبيج البيانات وعقد المؤتمرات وتجميل كل وجه قبيح وإظهار أمراء الحروب كحمائم سلام تنشد العدل والحرية والمساواة، وعندها اكتشفت لماذا سرقت الثورة؟. ولماذا لم يفلح المثقفون في ترجمة شعاراتهم؟. ولماذا لم يتمكنوا من تجديد عالم الفكر وتغيير الواقع؟. [email protected]