الحديث عن ( استعادة هيبة الدولة ) أصبح يتكرر كثيراً في الآونة الأخيرة .. وهنالك من يتحدث عن (الضرب بيد من حديد) كوسيلة لاستعادة تلك الهيبة المفقودة .. ولا خلاف هنا على حق الدولة في استخدام القوة لفرض النظام والقانون وحفظ الأمن والاستقرار ، ولا خلاف كذلك على حق الدولة في بسط سيادتها ونفوذها على كل شبر من الأراضي اليمنية ، ولا خلاف أيضاً على أن الأمن والاستقرار هو الشرط اللازم والضروري لتحقيق التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية ... ولكن لا ينبغي أن يأخذنا الهاجس الأمني بعيداً وينسينا أصل المشكلة وأساس الداء وهو ضياع الهوية الوطنية للدولة ، وغياب المشروع الذي يجعل كل أبناء الوطن يلتفون حول الدولة باعتبارها حاملة وحاضنة المشروع الوطني. إن مشكلة الدولة في اليمن هي أكبر بكثير من أن تخُتزل في مسألة ( الهيبة ) ، ذلك أن أصل الداء لدينا يكمن كما أسلفت في غياب الهوية الوطنية للدولة ، وفي أن الدولة خلال العقود الماضية لم تكن تملك مشروعاً وطنياً يلتف حوله كل أبناء اليمن. لقد تعرضت هوية الدولة اليمنية في عهد النظام السابق للمسخ والتشويه ، وأصبحت الدولة بمؤسساتها شبه مشلولة ، ومرتهنة للمشاريع الصغيرة .. مشاريع الولاءات الشخصية والقبلية والتوريث .. ونتيجةً لذلك ساءت العلاقة وانعدمت الثقة بين المواطن والدولة ، حتى أصبح مجرد الحديث عن الولاء للدولة مدعاةً للسخرية ! وبسبب ضياع الهوية الوطنية للدولة ظهرت الهويات الصغيرة : مذهبية ومناطقية وسلالية وجهوية .. وبسبب غياب المشروع الوطني الكبير للدولة ظهرت المشاريع الصغيرة : شطرية، انفصالية، وسلالية، إمامية ، وإمارات قاعدية ... ولذلك لا عجب إن رأينا أصحاب الهويات الضيقة والمشاريع الصغيرة كالحوثيين والقاعدة والحراك الانفصالي يقلقهم جداً أن تستعيد الدولة اليمنية هويتها الوطنية ومشروعها الوطني الكبير ، وأتصور أن الحديث عن (استعادة هوية الدولة) يفزعهم أكثر بكثير من الحديث عن (استعادة هيبة الدولة ) ، لأن سبب وجودهم منذ البداية لم يكن ضعف هيبة الدولة بمعنى ضعف قوتها العسكرية والأمنية ، وإنما كان بسبب غياب هوية الدولة وغياب المشروع الوطني ، ولذلك فقد باءت كل محاولات النظام السابق لفرض هيبة الدولة وحسم الأمور عسكرياً بالفشل ، لأن الدولة كانت بلا هوية وطنية وبلا مشروع وطني ، ولأن المشاريع الصغيرة المضادة للدولة كانت تعمل لصالح الخارجين عن الدولة ومن دخل الدولة نفسها !. إن أصحاب المشاريع الصغيرة يدركون تماماً كما ندرك نحن أن استعادة هوية الدولة ، ومشروع الدولة ، سيعجل بزوالهم سريعاً ، لأنهم ببساطة سيفقدون مبرر وجودهم ، وإذا ما أصروا على مواجهة الدولة سيجدون أنفسهم في مواجهة دولة الوطن والشعب وليس دولة القبيلة أو العائلة .. دولة لها رؤيتها وأجندتها الوطنية الواضحة وليست عبارة عن أجنحة متصارعة ولكل جناحٍ فيها أجندته الخاصة .. وفي هذا السياق يمكننا فهم لماذا يرفض الحوثيون مثلاً إعادة هيكلة الجيش وتوحيده على أسسٍ وطنية ! وما نأمله اليوم هو أن تأخذ الثورة مداها وتحقق كامل أهدافها في بناء الدولة ذات الهوية والمشروع الوطني ، وهي مهمة كبيرة وشاقة وتحتاج إلى تضافر كل الجهود المخلصة .. جهود أصحاب الضمائر الحية .. والهمة العالية .. والحس الوطني .. والرؤية البعيدة.. [email protected]