الجهنميون في الآخرة قوم دخلوا النار ليذوقوا العذاب جزاء ما اقترفوا من ذنوب، ثم أعتقهم الله منها وأدخلهم الجنة، وحين دخلوها أطلق عليهم أهل الجنة اسم “الجهنميون”.. هكذا في الحديث الشريف. والجهنميون في الدنيا كما أسميهم قوم شاركوا في الحكم وكانت لهم سلطة وكراسي، فاكتووا بنارها وتقلبوا في أودية من الفساد والإفساد .. شربوا في السلطة ماءً حميماً فقطع صمّامات قلوبهم، فمات إحساسهم ونامت ضمائرهم، وكبرت بالفساد كروشهم، وعظمت أرصدتهم، حتى أصبح جيب أحدهم كجبل صبر. وكان بعضهم قد سكن في الدرك الأسفل من نار الفساد واستغلال المنصب، ليس لشيء إلا ليقيم عماراته وفلله على أساس هندسي متين ويزينها بالرخام والنجف واللازورد والبساط الملكي وأحواض السباحة، لكي يتباهى بما أنجزه أمام زواره ممن هم على شاكلته من سكان “نار السلطة” .. ولسان حاله يقول: “إنما أوتيته على علم عندي” .. هذه الجملة التي قالها قارون، قاصداً بهذا “العلم” كما تقول بعض الإسرائيليات أن البحر كان يقذف له ذهباً، أما صاحبنا الجهنمي فإن بحر الشيكات وفبركات المناقصات ونصيبه من العمولات هو الذي كان يقذف له ذهباً إبريزاً، وليس هذا في ظنه إلا له، بحذقه وذكائه وعلو مكانته، متناسياً أنه استغلال لهيبة المنصب، وليس عن ذكاء بل عن حمق ودونية، لأن صانع القرار في الماضي لم يكن يريد للإدارة إلا الحمقى الذين يفتح المجال أمامهم ليرتعوا من خزينة الدولة فينشغلون عنه، وكلما زاد نهمهم زاد عطاؤه، كخراف يسمّنها صاحبها ليزداد ثمنها في السوق، أو ليذبحها متى يأتيه الأضياف!! .. وكم من فحل غيور حوله المنصب إلى شاةٍ جرعاء تتخطفها قرون “الشلة” من ثيران الفساد التي تتوزع الأدوار .. وتحافظ على واحدية القرار. واليوم يأتي زمن التغيير وتنهض الجماهير لاستقبال فردوسها المفقود.. وهاهم سكان “نار السلطة” يخرجون منها إلى جنة العهد الجديد، وكأن تلك الدماء التي سالت والخراب الذي حدث لم يكن إلا من أجل أن تظل عصابات الفساد هي قدرنا الأزلي الذي سيظل جاثماً على صدر هذا الشعب تحت أي مسمى وفي أي زمان، وكأن المسئوليات لا تصلح إلا لهم، والحياة لن تستمر إلا بهم، مثلما هو حال الخلافة مع أحد الأمراء العباسيين، إذ قال فيه شاعر متزلف: أتتهُ الخلافةُ منقادةً إليه تحرِّك أذيالها فلم تكُ تصلح إلا له ولم يكُ يصلحُ إلا لها أَمَا وقد اتضح أن معنى التغيير أن تتغير الجماهير وليس المسئولين فإننا سنفرغ أيدينا من كل انتظار .. لكن الغلابى مصرون على تسمية كل من لفحته نار السلطة ثم جاء ليغتسل في طهر “زمن التغيير” ب“الجهنميون”. مرحباً بكم أيها الجهنميون فأنتم آل بيت السلطة، وأنتم سدنة الفساد وخدام بيته، وأنتم أصحاب الجاه والحظوة، وحتى الثوار الجدد وصناع الزمن الجديد أوصوا بكم، وقالوا: إن المستقبل معكم سيكون بخير لأنكم آزرتم ونصرتم، لكن هل لكم أن تغسلوا أدران قلوبكم وعقولكم بأنهار “الضمير الوطني” فتبدأوا فعلاً بحق وحقيقة الانتقال إلى عهد جديد.. هذا ما ينبغي أن تثبتوا به أنكم ولدتم من جديد في يوم ثورة الجياع. [email protected]