هل الفنان مجنون؟ يمكن أن يكون كذلك, لكن لابد من الإجابة على سؤالين, الأول: من هو الفنان؟, والثاني من هو المجنون؟.. ويبدو أن لا جواب حاسم، وإنما يكون الجواب من باب المقارنة ليس إلا، لأن الإجابة مرتبطة بالفسلفة والفلسفة لاتقول شيئاً، لافي الفن ولافي الدين .. هي محولة لتبرير الوجود وتفسير العدم.. الفلسفة تعبير خجول عن خيبة الأمل, لذلك إذا كثرت الفلسفة أودت بصاحبها إلى الجنون, إلى الهذيان, والجنون والهذيان تعبير عن خيبة أمل بكل الوجود والغائب عن الوجود. الفنان من تعريف مقارب هو الذي يحاكي الطبيعة بما تبدعه من جمال أو قبح, يحاول القيام بعملية (إغلاق) لما هو ناقص في الشجرة والزهرة والمرأة، والكون وبذات الفنان، نجد نقصاً لما هو كامل في الأشياء كأن يكون الفنان رساماً، فيرسم تفاحة مثلومة, أو فراشة بجناح أو امرأة جميلة دون فم أو يكون الفنان شاعراً، فيفجر الثورة في قلب الخامل ويحيي الحب في نفس الحاقد وينعش الجمال في وجدان القبيح.. الفنان انعزالي بطبعه لأنه مشغول بكون أكبر من كون أسرته ومعارفه ومجتمعه، وغالباً يتنصل الفنان من أي مسئولية اجتماعية ويعيش أحياناً بدون زوج ودون أطفال ودون نظام.. الفنان أحياناً شخص متمرد جداً على الدساتير والأعراف والأخلاق.. إنه مجنون, إنه الجنون .. يضيق الفنان بالمواصفات الاجتماعية والدينية والنفسية وهو يكره أن يراقبه أحد أو يعذله أو يلومه أحد، وعندما نقاد الأدب الشاعر الفنان أبا العتاهية، لأنه لحن في (العروض) أجابهم قائلاً: (أنا أكبر من العروض) وقال الشاعر الفنان أبوالطيب المتنبي: (إن ماخلق الله ومالم يخلق .. كشعرة في مفرقي) منتهى الجنون, وقال (لامرتين): الكون كله عبث وأنا الوحيد الذي خلقت لأفسر هذا العبث، وانتهى الأمر بالفيلسوف العربي المعاصر عبدالرحمن بدوي إلى الخلط العقلي، وبعد عمر أنفقه أستاذنا الدكتور مصطفى ناصف الذي حاول أن يوجد نظرية نقديه عربية انتهى إلى القول إنه لايوجد أدب عربي, وأن الأدب الحقيقي هو الأدب الغربي .. للفنان طبع غريب، فهو متقلب المزاج، حاد الطبع، مرهف الوجدان، ولذلك فإن الفنان يبدع مبكراً ليموت مبكراً ولنا غداً بقية.