مهراجات الهند كانوا ومنذ عقود أو قرون ملوكاً أو أمراء في أغلب مناطق الهند حتى جاء الاحتلال البريطاني فقلص نفوذهم وحجمهم في مناطقهم ، لكنه أعطاهم ومنحهم امتيازات تصرف لهم شهريا أو سنويا حتى يكسب ولاءهم ويهدئ من روعهم ، وظلوا على ذلك الحال حتى بعد الاستقلال في ظل الحكومات الوطنية المتعاقبة .. إلى أن جاءت الزعيمة الهندية ( أنديرا غاندي ) وتسنمت منصب رئاسة الحكومة ، فأدركت وأحست أن ما يأخذه المهراجات من مال كثير يذهب فيما لا طائل منه ولأناس لا يستحقونه ولا يحتاجونه ، وأن ذلك من موروثات الاستعمار ، بينما هناك فئات وشرائح في المجتمع الهندي أشد حاجة لذلك المال حيث وكما نعلم أن الفقر شديد الوطأة هناك ، فهناك شرائح اجتماعية يسحقها الفقر بينما المهراجات ينعمون بذلك المال الطائل من الدولة دون مقابل ، الغرض منه تأليف قلوبهم كمثل ما كان حاصل عند بداية الدعوة الإسلامية .. فصنعت أنديرا غاندي صنيع الخليفة الراشد عمربن الخطاب رضي الله عنه ، عند ما اجتهد وألغى عطايا المؤلفة قلبهم ، حيث سعت وعبر المؤسسات الدستورية في بلدها إلى إلغاء تلك الموازنات المخصصة للمهراجات وأمثالهم ، وطبيعي أنهم لم يستسلموا بسهولة وإنما دخلوا معها في نزاع وجدل سياسي حتى انتصرت عليهم وحظيت بموافقة البرلمان والمحكمة الدستورية بإلغاء العطايا والموازنات الخاصة ، التي عادت إلى الخزينة العامة لتصرف في جوانب تنموية لصالح الفقراء والمعدمين .. مع الفرق أن أولئك المهراجات الهنود لم يمارسوا التقطع ولا الاختطافات ولا تخريب المنشآت العامة ، كخطوط الكهرباء وأنابيب النفط مثل ما يحدث ويحصل من قبل رؤساء ومشايخ القبائل اليمنية ، وكأننا ملزمون بإعطائهم أتاوات مقابل ولائهم الوطني ومقابل خدماتهم المعدومة ، والحقيقة الثابتة أن الدولة إنما تكافئهم وتحسن إليهم مقابل أعمال إجرامية تتم وتنفذ بموافقتهم وأحيانا بتوجيه منهم .. وإلا لما حدث قطع الطرقات ولا حدثت الاختطافات منذ سنوات عدة حتى انهارت السياحة وقل السياح ، ولا حدث تخريب أنابيب النفط وخطوط الكهرباء ، وغيرها من الأعمال التي لا ترضي أحداً ولا يستفيد منها إلا أعداء الوطن ، ومع ذلك عند ما أقدمت حكومة الوفاق وفقها الله بإلغاء ميزانية شئون القبائل قامت الدنيا ولم تقعد حيث انبرى العديد من أعضاء مجلس النواب مدافعين عن تلك الموازنة ومصرين على بقائها ، غير مبالين بما تعانيه البلاد من شحة الموارد وقلة المال ، مع أن واحداً من المشايخ بل وأقلهم مالاً يستطيع أن ينفق على قبيلة كاملة من ثروته الخاصة ، لكن الطمع قاتله الله يجعلهم لا يشبعون أبدا .. ولا غرابة من موقف أعضاء مجلس النواب فأغلبهم مشايخ ووجاهات مستفيدون ويتعاطون من مال الدولة دون وجه حق ، كونهم ألفوا ذلك منذ عهود الإمامة ، إلا أن أولئك الأئمة البغات لم يكونوا يعطونهم من بيت مال الدولة فقد كانوا بخلاء بذلك حتى في أشد الأزمات والمجاعات ، ولكنهم كانوا يطلقون القبائل للفود والخطاط والنهب ضد أية قبيلة تتمرد على سلطة الإمامة وضد أية مدينة أو منطقة أو قرية ، كما حدث في صنعاء عقب فشل حركة 1948 م .. حيث اكتسحت القبائل بمشايخها مدينة صنعاء ونهبت كل شيء حتى حلي النساء وملابسهن من على أجسادهن حتى كانوا إذا لم يستطيعوا نزع حلية ذهبية أو فضية من أصبع أو يد امرأة قطعوها أو قتلوها ، وكم من امرأة هتك عرضها واغتصبها رجال القبائل ( الأشاوش) ، وهكذا غرس الأئمة نزعة الشر وسلوك التفود في روح وقلوب وعقول القبائل ومشايخها ، فضلوا على ذلك الحال وذلك السلوك حتى قيام ثورة 26سبتمبر 1962م .. وإذا بهم يمارسون أبشع أنواع الابتزاز مع حكومات النظام الجمهوري الجديد ، فقد كانوا يميلكون ليلا ويجمهرون نهارا أو العكس ، فكانوا يأخذون مقابل ذلك المال والسلاح من الطرفين المتصارعين حكومة الجمهورية والملكيين ،بل بعضهم مد طموحه ويده للخارج فكانت هناك عطايا وميزانيات تعطى لهم من دول الجوار ومن غيرها لينفذوا أجندتها وليكونوا أداة طيعة لمآربهم ، حتى وبعد أن حل السلام بين اليمن وجيرانه وانتهى الملكيون إلى غير رجعة ، فقد ظلت الشنط والحقائب التي تحوي المال المشبوه تتدفق من الخارج حتى الآن للبعض من المشايخ ليكونوا ورقة تستغل عند الحاجة ، وظلوا يتعاطون الميزانيات من الدولة دون حياء ودون أية فائدة ترجى منهم .. وكأنهم في قرارة أنفسهم على ثقة بأن ما تعطيهم الدولة ما هو إلا جزية حلال لهم وليست تأليفا لقلوبهم لصالح البلاد ، ولا ندري كيف سوغ أعضاء مجلس النواب لأنفسهم أن يعترضوا على قرار الحكومة ويصروا على بقاء تلك الموازنة للمشايخ وقبائلهم ، ويا ليت وأن تلك الأموال المهولة تذهب فعلا لتنمية وتطوير مناطق وأفراد تلك القبائل ، ولكنها تذهب لجيوب المشايخ ليصرفوها فيما لا طائل منه وبما يتيح لهم الراحة والتهيص في الداخل والخارج .. بينما هناك أكثر من ستة ملايين يمني تحت خط الفقر ومعدمين يمكن للدولة بتلك الأموال البالغة ( 13 ) مليار ريال أن تحدث نقلة نوعية في حياة أولئك ، أو يمكن أن تبني المئات من المساكن لذوي الدخل المهدود وتنشئ العديد من المدارس والمصانع التي ستسهم كثيرا في التخفيف من البطالة التي كانت من أهم عوامل ثورة الشباب واعتصاماتهم في الساحات ، فحرام وظلم جدا أن تنعم فئة قليلة بما يمكن أن يسعد مئات الآلاف بل والملايين من المواطنين .. فهذا موقف معيب منكم يا أعضاء مجلس النواب أن تقدموا مصالحكم على مصالح الشعب كله الذي تأخذون وستأخذون ميزانيتكم أو ميزانية المشايخ من كدحه وعرقه ، فقد كان المفترض منكم وأنتم تدعون تمثيل الشعب أن تدافعوا عنه وعن مصالحه وتعيدون ما ينهب منه كميزانيات لصالح فئة لا يستحقونها ،ولكنكم تثبتون بموقفكم المصلحي مصداق ما يقال بأنكم لم تصلوا إلى مقاعد مجلس النواب بانتخابات نزيهة وصحيحة وشفافة. ولكن موعدنا وإياكم في المستقبل القريب عند انتخابات جديدة ، التي من المؤكد أنكم لن تستطيعوا التلاعب بها ، لأنها ستتم بعون الله وإرادته تحت إشراف إقليمي ودولي تام ومباشر تطبيقا للمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن ، وحينذاك لن يكون لكم حيلة ومهرب إلا الانزواء من نظرات التشفي والاحتقار ..