من لا يعرف “انديرا غاندي” ابنة الرئيس الهندي الأسبق جواهر لال نهرو.. ذلك الرجل الذي ورث مجد الزعامة من الأب الروحي للأمة الهندية “غاندي” الزعيم الذي عرف الاغتراب ولامس عن كثب نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا من موقع المحامي المُدرك للقانون، ورجل الإصلاح والثقافة الصوفية الرائية للحق والحقيقة، فكان المهاتما غاندي من سطّر السيرة السياسية الراهنة للأمة الهندية بعد أن أعجز الوجود البريطاني الاستعماري بنهجه السلمي ورهانه على الخير والتسامح. ورث جواهر لال نهرو هذه السجايا الحميدة، وتبنى مع جمال عبدالناصر سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، وفي بيت جواهر لال العامر بذاكرة التاريخ وحكمة التصوف الهندي نشأت وترعرت ابنته انديرا غاندي. عاشت انديرا غاندي في بيت ارستقراطي حميد، ومنه استمدت الوجاهة وبعض المعاناة، فقد خضعت كغيرها من بنات العائلات السياسية التاريخية لنظام يومي لا يمكن أن يوصف إلا باعتباره نظاماً صارماً ومفارقاً لنوازع النفس البشرية وتداعيها مع تلقائية الحياة. كان والدها جواهر لال نهرو من أكثر الناس حرصاً على نقاء الصورة الأخلاقية لعائلته، وكانت انديرا الشابة معادلاً خصباً للبروفات السلوكية والتربوية.. تلك التي منحت الزعيمة القادمة الكثير من الخصال الحميدة، وافقدتها بالمقابل مزايا الإنسان العفوي المترحل في عوالم المجتمع الهندي الكبير، لكنها وعلى الرغم من ذلك تمتعت بشعبية كاسحة، واختلطت مشاعر المؤيدين لها بصورة المرأة “الكاملة” المنافحة عن حقوق بنات جنسها، والمتصلة بخصال الجمال والهيبة والرفعة. تهادت انديرا في بحار الهند مُتلاطمة الأمواج، واكتست سيرتها الوجودية ملامح للرهق والتعب النفسي، وفي حياتها الزوجية محطات للألم المُستتر، فقد كان زوجها الوسيم “فيروز غاندي” فارس أحلام الكثيرات.. ذا حظ واسع عند النساء، الأمر الذي جعله «كازانوفا الهند» وهو ما شكل منغصة مزمنة لانديرا الزوجة الجميلة القائدة الصارمة سليلة الحسب والنسب. على المستوى السياسي كان على انديرا أن تحضر في قلب المشهد العارم للهند الكبرى والتي تعج بالمشكلات والطوائف والديانات، ففاضت بها أيام الحكم وتحولت إلى أسطورة تتخطفها الأضواء والأنواء .. تميد الأرض تحت قدميها كلما تضاعفت هموم الحكم والدولة. عرفت انديرا غاندي مجد السلطة.. أيضاً متاهات الارستقراطية الخارجة من أحوال الهند وتاريخها العريق.. لم تكن مترددة في قدراتها، ولم يعرف أنها تتوسل المشورات عند كل شاردة وواردة، ولم تتراجع يوماً في التعبير عن قناعاتها، بل ثابرت في تجسيدها قولاً وفعلاً. حاولت الإمساك بالمعادلة الصعبة للزعيمة السياسية والأم والزوجة، وأفلحت في كل ذلك، لكنها لم تتمكن من مُغالبة النزعات المتطرفة، فكان الموت التراجيدي قتلاً مصيرها.. ذلك الموت الذي تحول إلى لازمة متواترة في العائلات الهندية الباحثة عن حاكمية تاريخية في مجتمع ديمقراطي يعج بالمتناقضات.