هناك قرارات تصدر عن حكومة الوفاق، وهي تعرف مسبقاً حجم الصعوبات والعراقيل التي يمكن أن تواجه تنفيذها، وأنه لابد من اتخاذ خطوات وإجراءات تمهيدية تسبق التنفيذ، تحقق الأهداف المرجوة من تلك القرارات، فهي بحاجة إلى دعم شعبي ودعم التنظيمات السياسية والمنظمات غير الحكومية للتغلب على الآلية التي كانت تعمل بها الحكومة السابقة، حيث حكومة الظل، الممثلة في مراكز القوى، واللاعبين الفعليين في السلطة، كانت هي من تتحكم في رسم وتنفيذ السياسات العامة للدولة، وفي نشاط ومهام ووظائف الجهاز الإداري للدولة على المستويين المحلي والمركزي، وبما يحقق مصالحها الشخصية في السلطة والثروة، حيث كان يوجد إلى جانب رئيس المرفق أو المؤسسة أو المنظمة العامة موظف وفي أية درجة وظيفية هو من يحدد أي القرارات والتوجيهات التي يجب أن تنفذ، والتي يجب ألا تنفذ.. فعطلت مؤسسات الدولة، وساد الفساد والمحسوبية والوساطة، وتراجع مستوى الأداء لموظفي الجهاز الإداري للدولة، وعدد من القوانين والقرارات واللوائح لم تجد طريقها إلى التنفيذ، فما أحوجنا إلى العمل المؤسسي اليوم. فأهمية التدوير الوظيفي، لا تكمن فيما يترتب عليه من إصلاحات إدارية ومالية فحسب، بل يكمن أيضاً في كونه يلامس عنصرين رئيسيين في آلية الحكومة في عملية التحول والتغيير، وهما الوظيفة والموظف في الجهاز الإداري للدولة.. فلا يجب أن يكون هناك تعثر في أية مرحلة من مراحل التنفيذ حتى لا يترتب على ذلك نتائج عكسية تؤثر في الأخير سلباً على نشاط ومهام ووظائف الحكومة.. فقانون وقرار التدوير الوظيفي يعتبران مدخلاً للإصلاح الإداري في المؤسسات والمنظمات العامة، فلابد من خطوات وإجراءات تمهيدية تسبق وتتزامن مع تنفيذها: تشكيل فرق ولجان متخصصة في كل وحدة إدارية مدنية وعسكرية، من ذوي المؤهلات والكفاءات والقدرات والخبرات، ويتمتعون بالنزاهة والشفافية لتنفيذ مهام يجب أن تحدد مسبقاً طبقاً للقوانين واللوائح النافذة ضمن كتاب أو دليل عمل كمرشد للفرق واللجان، تعتبر الخطو الأولى، وأن يسبقه أو يتزامن معه حصر كامل للقوى العاملة في الجهاز الإداري للدولة، وفي كل وحدة إدارية ووحدة عسكرية على المستويين المركزي والمحلي، فيه أي الحصر يتم تحديد الاحتياج الفعلي واستيعابه من خلال إعادة هيكلة مؤسسات التأمينات والمعاشات والتقاعد في القطاعين العام والخاص ودمجها، لتصبح مؤسسة أو منظمة واحدة تعنى بكافة المحالين إلى التقاعد من القطاعين العام والخاص وبنفس الحقوق والامتيازات، والعمل على إيجاد أكثر من صندوق ومنظمة للخدمة المدنية والرعاية الاجتماعية، تعنى بالمعروض من القوى العاملة وتدريبه وتأهيله لغرض التسويق والتوزيع على القطاعين العام والخاص أو إعاشتهم أثناء فترة عدم العمل، حتى العودة إلى العمل من جديد، تتبناها الحكومة، القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، كما هو في كثير من دول العالم. عوامل اجتماعية، اقتصادية، وسياسية عملت على تزايد ذلك العدد المهول من القوى العاملة في الجهاز الإداري والعسكري للدولة منها: الفساد في شكله.. المحسوبية، الوساطة، شراء الذمم، وبيع الدرجات الوظيفية، يليه التوظيف الخاطئ للوظيفة العامة في التعددية السياسية والحزبية، عدم استغلال التحول الرئيس نحو اقتصاد السوق «الاقتصاد الحر»، يتم فيه تحديد ما هو دور كل من القطاعين العام والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في استيعاب عدد من مخرجات المؤسسات والمنظمات التعليمية وطالبي التوظيف ضمن سياسات عامة تحدد فيها عوامل نجاح التحول في المجالات المختلفة، ومنها مجال التوظيف، بل بقي القطاع العام هو المكون الرئيس إن لم يكن الوحيد في استيعاب المعروض من القوى العاملة بشقيها مخرجات التعليم وطالبي الوظائف. إن طبيعة التدوير الوظيفي تكمن في أنه يخلق ارتباطات خلفية ومتزامنة وأمامية في مع أنشطة ومهام ووظائف أخرى منها: توزيع ذلك العدد، كاحتياج فعلي على فروع الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية في المديريات، كأجهزة تنفيذية تمثل حكومات محلية مصغرة فيها، بدلاً من أن يتركز في عواصم المحافظات، تصميم نظام للحوافز، يعمل على تشجيع الانتقال إلى المديريات، تحليل وتصميم وتوصيف الوظيفة (وقد عرفه د.أحمد ماهر في كتابه “الموارد البشرية”2007م) على أن التحليل: ”تحديد الأنشطة المكونة للمهام المكونة للوظيفة، ووضع ذلك في توصيف متكامل، وتحديد لمواصفات شاغل الوظيفة”(ص113) وإن التصميم ”تحديد طريقة أداء العمل، ونوع الأنشطة والمهام التي ستؤدى، وحجم المسئوليات والأدوات والفنون المستخدمة في الأداء، وطبيعة العلاقات الموجودة في الوظيفة، وشكل وظروف العمل المحيطة”(ص139) وأن التوصيف هو ”النتيجة الملموسة لتحليل العمل، وتظهر في شكل وصف تفصيلي مكتوب للوظيفة، وهدفها وطبيعتها، والمهام (أو الواجبات أو الاختصاصات أو المسئوليات) وظروف أداء العمل، ومواصفات شاغل الوظيفة”(ص138). إن إجراءات تحليل وتصميم وتوصيف الوظيفة يجب أن يسبق التدوير الوظيفي، لما لذلك من أهمية في وضع الموظفة أو الموظف المناسب في المكان أو الوظيفة المناسبين، التي تتلاءم ومؤهلاتهم وكفاءاتهم وقدراتهم، يلي ذلك التخطيط للقوى العاملة من حيث تحليل الوضع الراهن للموارد البشرية لمعرفة العرض والطلب، وتحديد كيفية التصرف أو معالجة الفائض من القوى العاملة، يلي ذلك ومتزامناً مع التدوير في الوظيفة العامة إجراءات الاختيار والتعيين لشغل الوظائف التي تم تحليلها، تقييم الأداء للعاملين في مختلف المؤسسات والمنظمات والمرافق العامة، التي يشملها التدوير الوظيفي طبقاً لمعايير ومقاييس يتم تحديدها مسبقاً. إن دراسة الوضع الحالي للقوى العاملة في الجهاز الإداري والعسكري للدولة، بأبعاده المختلفة، وعمل التسويات اللازمة وتصميم أنظمة للأجور والحوافز والمزايا تتلاءم والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة مع تخطيط المسار الوظيفي للعاملين في المؤسسات والمنظمات العامة بالإضافة إلى ما ذكر آنفاً كفيلة في إنجاح تنفيذ قانون وقرار التدوير الوظيفي. Havei [email protected]