بما ان الحرية ليست ادعاء او هما و انما حقيقة. و لا بد أن يكون للحقيقة اي حقيقة اثار ملموسة و الا فلن تكون حقيقة حتى لو ادعي غير ذلك. و كذلك فان الطاغوت حقيقة و بالتالي فإن له اثاراً حقيقية. التوبة في الحقيقة هي الاعتراف بالأخطاء و الندم على ارتكابها و العزم على عدم العودة اليها. فقد يكون ذلك مجرد نية او ادعاء و مع ان ذلك ضرورياً الا انه غير كافٍ. و من اجل ان تكون التوبة نصوحة اي حقيقية فإنه لا بد و ان يترافق مع ذلك القيام بأعمال صالحة تمحو اثار الاعمال السيئة. فلا يمحو الاثار الا آثار مثلها. يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم. والله يريد ان يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما. فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم. ان الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم واولئك هم الضالون. التوبة النصوحة تجفف منابع و تداعيات الطاغوت. فعندما يعترف انسان ما بخطئه بدوافع ذاتية و يعترف بذلك و يبرهن على ذلك من خلال قيامه بأعمال صالحة تعمل على ازالة الاثار السبئية التي ترتبت على تصرفاته السابقة فإنه يعطي برهانا لا يقبل الطعن به لنفسه و لآخرين على امكانية التغير الايجابي. وبذلك فإنه يكون شهيدا على غيره و قدوة لهم. ومن تاب وعمل صالحا فانه يتوب الى الله متابا. فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى ان يكون من المفلحين». يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار يوم لا يخزي الله النبي والذين امنوا معه نورهم يسعى بين ايديهم وبإيمانهم يقولون ربنا اتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شيء قدير». اما من يدعي التوبة لا يتغير فإنه في حقيقة الامر ليس حرا بدليل انه يريد ان يتوب و لكن ثقافة الطاغوت الموجودة في اعماق نفسه تمنع من ذلك. أو انه غلب ثقافة الطاغوت بدليل استمراره في ممارسة التصرفات الطاغوتية فانه ليس حرا و عليه ان يحرر نفسه من ذلك. و اذا استمر في ذلك فانه في حقيقة الامر يخادع نفسه. «الا الذين تابوا من قبل ان تقدروأ عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم. والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وامنوا ان ربك من بعدها لغفور رحيم». و لا شك ان عملية التحرر من الطاغوت و ثقافته عملية شاقة تقترب من قتل النفس و خصوصا اذا تغلغلت هذه الثقافة في النفس الى درجة التماهي. ففي هذه الحالة يخيل لمن تلبس به الطاغوت انه لا يستطيع ان يحيا خارج ممارسات و ثقافة الطاغوت. «وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما. واذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم». و في هذه الحالة فإن الانسان الواقع تحت هذا التأثير لا يستطيع ان يتحرر من تلقاء نفسه. انه يجب عليه ان يستعين بالله و يطلب منه العون و الهداية. «وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. الا الذين تابوا واصلحوا وبينوا فأولئك اتوب عليهم وانا التواب الرحيم. الا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله واخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتِ الله المؤمنين اجرا عظيما. و يزيد الله الذين اهتدوا هدى و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا». و من يصر على الطاغوت و ممارساته فإن الله له بالمرصاد. «فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون». فحرب الله له هنا ليست حربا بالمعنى المتعارف عليه لأنه لا يقدر احد على محاربة الله. فالله هو القوي المتين و الجبار و هو القهر و هو القاهر. و لو أراد ان يهلك الارض و من عليها لا احد يستطيع ان يمنعه من ذلك فلا معقب لأمره. لكن حرب الله للطواغيت هي ان يكلهم الى انفسهم الى اجل مسمى. «قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى اذا رأوا ما يوعدون اما العذاب و اما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا و اضعف جندا. و كذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى و هي ظالمة ان اخذه اليم شديد. و قال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودون في ملتنا فأوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين». فالأحداث التي تمر بها المنطقة العربية في هذه الايام خير شاهد على ذلك. فالعديد من الطواغيت التي اعتقدت و اعتقد غيرها انها ثابتة و قوية تهاوت كأوراق الخريف. لكن الاسف الشديد هو ان العديد من الناس لم يعتبروا من ذلك سواء أولئك الذين كانوا يمارسون الطاغوت او الذين عارضوهم. و الدليل على ذلك ان غالبية من يتهيأون اليوم للوصول للحكم يعتقدون ان الخطأ ينحصر في الاشخاص الذين كانوا يمارسون الطاغوت و ليس كذلك بالممارسات الطاغوتية. فهم لم يتوبوا عن ممارسات الطاغوت و لم يندموا على ذلك و لم يعلنوا قطيعة عن الممارسات الطاغوتية. لهؤلاء جميعا نقول: تذكروا قول الله تعالى في سورة النور «وعد الله الذين امنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني و لا يشركون بي شيئا و من كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون. و لنسكننكم الارض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي و خاف وعيد».