في اطار مفهوم الولاية القرآني فإن الولاية المطلقة هي لله وحده اما ما عداه فولايته مقيدة ،ولا شك ان ذلك نابع من حقيقة مفهوم التوحيد و مفهوم الحرية اي الاستخلاف في الارض. «الم تعلم ان الله له ملك السماوات والارض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير قل أغير الله اتخذ وليا فاطر السماوات والارض وهو يطعم ولا يطعم قل اني أمرت ان اكون اول من اسلم ولا تكونن من المشركين. ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا». و من اعطى الولاية المطلقة لغير الله كائنا من كان فقد وقع بالشرك و الطاغوت« الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات أولئك اصحاب النار هم فيها خالدون إنما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين. ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن اطعتموهم انكم لمشركون. ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها الا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم. وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون». وإن كانت الولاية المطلقة لله تعالى فانه قد أذن ببعض الولايات غير المطلقة. فلا تعارض بين ولاية الله المطلقة وولاية النسبية بين الوالدين و الاولاد و كذلك الولاية بين ذوي الارحام و الولاية بين المواطنين و كذلك الولاية النابعة من المصالح الانسانية المشتركة. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن من انكر ولاية الله المطلقة فقد تركه ونفسه ولم يجبره على الاقرار بولاية الله. و لا شك أن ذلك قد جمع بين التوحيد الاختياري و الحرية في اختيار الولاية كلها بما في ذلك الولاية المطلقة لله. «ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا. فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون». و بما ان الله لم يجبر من رفض حقه بالولاية المطلقة مع انه مستحق لها باعتباره الخالق و المدبر و لا يوجد خالق و لا مدبر آخر فإنه سبحانه و تعالى قد أذن لمن قبل ولايته المطلقة ان لا يخضع لمن انكر ولاية الله. فاذا كان هذا الفريق كان انكر ولاية الله التي لا غبار عليها فإنه من باب الاولى ان ينكر اي ولاية مقيدة اخرى.« وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا. الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا. ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم اولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا. يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ًولعباً من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم والكفار اولياء واتقوا الله ان كنتم مؤمنين». و لم يكتف القرآن بذلك بل انه قد حدد و بوضوح كبير التراتبية الطبيعية بين الولايات المتعددة. «يا آيها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا. واذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا. إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل اليه ما اتخذوهم اولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون. يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم واخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الايمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون». لكن ذلك لم يلغ الولاية الاجتماعية و التي هي منبثقة من ولاية الله المطلقة لانها بإذنه و مقيدة بأوامره. «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يآمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم». ومن الملاحظ هنا ان هذه الولاية ليست مطلقة لانها أولاً ولاية متبادلة بين المؤمنين مما يعني المساوة في هذه الولاية. ولا شك ان ذلك يؤكد على مفهوم الحرية. فالولاية المشتركة تتطلب التراضي عليها من قبل كل المؤمنين وبالتالي تحديد حجمها ونوعها و غايتها وحدودها وكذلك من يتولى القيام بها. وهي ثانياً تقوم على التعاون على البر والتقوى. ومن الملاحظ ان الولاية بين المؤمنين لا تعني البت المفاصلة الكاملة بين المؤمنين و غيرهم. ذلك ان السلام لا يمكن ان يعم في الارض في حال المفاصلة. فقد يترتب عليها مضار اجتماعية و اقتصادية و سياسية كبيرة تلحق بالإنسان كل الانسان و هذا ما سيتم مناقشته في المقالات القادمة بإذن الله تعالى.