التصور بأن المشروع الإسلامي محمي من السماء، أو أنه يحمل عصا قدسية للتغيير، أو هو قادر على تجاوز حدود المعقول؛ تصور في غير محله، وصاحبه يقع من حيث لا يدري في عصمة الفكر وقداسة الخطاب، وهو بذلك يرتكب خطأً وخلطاً بين خطاب السماء، واجتهاد البشر؛ لأن الأخير يقع من قِبَل رجال يحملون تجربة الخطأ والصواب. فلا عصمة لفكر ولا قدسية لبشر، ولكنه التنظير والممارسة البشرية التي يجوز عليها الخطأ والصواب. والحركات الإسلامية أو الأحزاب السياسية التي تضيق بالنقد والمراجعات، وتتستر على الأخطاء، بحجة سلامة الصف وحماية أسرار التنظيم، ... إلى غير ذلك من الحجج، هي أحزاب تربي الفساد وتنميه في مؤسساتها وسلوكها حتى يقضي عليها. وفي هذه المناسبة، مناسبة تأسيس التجمع اليمني للإصلاح في 13/9/1990م، ينبغي على الإصلاح التشخيص السليم للواقع، وإيجاد الوعي الحقيقي بطبيعة المنطق التنافسي والصِرَاعِي أحياناً، والتحديات التي تقف في طريق مسيرته، لكي يستجيب لها عملياً, وعدم تركها تتفاعل وتستفحل وتتمدد في عمق الزمان والمكان. من أبرز هذه التحديات ما يلي:_ 1. على التجمع اليمني للإصلاح _ وهو يتطلع وينشد التغيير بمجالاته المختلفة _ رفد فكره بمفردات حضارية نهضوية، تُستلهم من رواد المدرسة الإصلاحية الأولى، والتي بلور فكرها أمثال: جمال الدين الأفغاني، والكواكبي، ومحمد عبده، ورشيد رضا. وعليه تلمس بعض المشاريع ذات المقاربات الثقافية الحضارية من كتب: مالك بن بني، والطاهر بن عاشور، والعقاد، وغيرهم. 2. الإصلاح بحاجة إلى المزيد من الانفتاح على المجتمع بشكل عام، وعلى أفراده بوجه خاص، هذا الانفتاح لا يعني كشف جميع الأوراق والأسرار. فالقضية بحاجة إلى ميزان دقيق، يراعي الواقع من جميع نواحيه، خصوصاً مع ميل بعض العاملين إلى التخفي المفرط، حرصاً على النوعية، وتأميناً للتنظيم؛ وميل آخرين إلى العلنية بغير حساب، حرصاً على التوسع والاكتساب. فكثيراً ما ينتهي المنحى الأول بالجمود، والثاني بالتسيب. 3. ينبغي على التجمع اليمني للإصلاح دراسة حالة أعضائه المستقطَبين من بعض الأحزاب أو الجماعات المناوئة للإصلاح، بحيث يتم الاقتراب منهم ومن مشاكلهم ومعاناتهم، في إطار الممكن والمتاح. 4. على أهمية تنمية التباين الفكري في إطار الوحدة التنظيمية، يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن الممارسات الخارجة من دائرة التباين الفكري إلى دائرة التطرف والتعصب المقيت، والتي تبرز بين الحين والآخر لبعض الأفراد الإصلاحيين، تحتاج إلى معالجات متبصرة وعاجلة؛ لأن تفاقمها والصمت عنها سيؤدي إلى معالجتها فيما بعد بثمن باهظ، لن يتحملها حزب الإصلاح ومن قبله الوطن، وسيدفع ثمنها الجميع. فأصحاب التطرف لا يمكن أن يكونوا بحال من الأحوال مشاريع مستقبلية، فهم ليسوا أكثر من مشاريع فتنة تسعى لصنع العوائق أمام مسيرة الاعتدال والبناء والتنمية. 5. على الإصلاح إيجاد مجالات لتفريغ طاقة الشباب، الذين يملؤهم الإصلاح بالحماس؛ لأنه إن لم توجد هذه المجالات تعرض الإصلاح للكثير من الانحرافات والانشقاقات، وليست ظاهرة التكفير والهجرة في مصر إلا نتيجة لعمل إسلامي لم يُوجِد مجالات للتغيير في المجتمع، كالنهر المتدفق الذي ينساب في جوانب مختلفة إذا لم يُشَق الطريق أمامه. 6. لمحاولة التغلب على الإشكاليات والسلوكيات التي تبتعد كثيراً عن مبادئ الشورى الأساسية، ينبغي على الإصلاح بسط الحرية في مراحل التربية المختلفة للأعضاء، وتشجيع حركة التناصح العامة، وتبني النظام اللامركزي، والاقتصاد في الأوامر المُلزِمَة وحصرها في الأمور الاستراتيجية الحساسة. 7. تُمثِّل الديمقراطيةُ الفكرَ والسلوكَ الحضاري للمجتمع والحزب على السواء، وهنا ينبغي على الإصلاح ترسيخ المفهوم الديمقراطي داخل أطره ووحداته التنظيمية. 8. من القواعد الأساسية التي تشكل مؤشراً إيجابياً لعمل الأحزاب (ديمقراطية بناء الأحزاب)، بحيث يُسمح لكل عضو في الحزب أن يُعبر عن نفسه، وأن يحتل المكانة التي يستحقها بجهده، وأن يكون رأي الأغلبية الخالي من أي ضغوط هو الحاسم عند صناعة القرار، على مستوى كل هيئات الحزب، دون وصاية أو رهبنة. فديمقراطية الحزب داخل إطاره تشكل حجر الزاوية في حماية الحزب من الانشقاق، وتعمل على الحد من الصراعات، والشعور بالغبن، وتتيح الفرصة للتفاعل والإبداع، والتنافس الخلاق بين كوادر الحزب. 9. ينبغي على الإصلاح العمل على إيجاد وتفعيل مراكز الدراسات والأبحاث، والاستفادة من نتائج واستقصاءات واستبيانات وأبحاث هذه المراكز في عملية صناعة القرارات واتخاذ المواقف. 10. من أجل التخلص من مشاكل وأزمات القيادة، على الإصلاح تجسيد المبادئ الأساسية القيادية التي تضبط العمل القيادي الرشيد، ومن أبرزها: الشورى، العدل، حرية الفكر، التقييد الزمني للقيادة، الإجراءات العملية لحماية مبدأ الشورى، الانتخاب الحر والمباشر، فتح باب النقد الذاتي على مصراعيه، محاسبة القادة، توازن الشرعية والأمن، (الشرعية القاضية بأن القاعدة هي مصدر شرعية الولاية والقرار، والأمن القاضي بعدم الكشف عن جميع المهيَّئين لعضوية القيادة). 11. لتحقيق الشمول والتكامل القيادي، على الإصلاح أن يضم في أجهزته القيادية ممثلين لسبع فئات أساسية، هي: أهل السبق والخبرة، الشباب وأصحاب التجديد، أهل الدعوة والخطاب والرأي الجماهيري، أهل العطاء والتنظيم الداخلي، أهل السمت الديني التقليدي، أهل الثقافة الحديثة، أهل التمثيل المخصوص؛ من أجل ضم أبناء بعض المناطق والفئات التي لم يوجد في الهيئة المنتخبة من يمثلها وينطق بلسانها، إضافة إلى ضم بعض القادة الذين تحتم الظروف بقاءهم في الظل. 12. ما ينبغي على التجمع اليمني للإصلاح ليس الابتعاد عن القبلية وقطع العلاقة معها، ولكن في كيفية دمج القبيلة ضمن آليات ومتطلبات التحديث السياسي والاجتماعي، وجعلها جزءاً من المجتمع المدني، إن لم تكن الجزء الأساسي فيه. 13. على الإصلاح العمل على نقل المؤسسات الخيرية التابعة له، من مساعدة الفقراء وسد رمق جوعهم بمعونات مؤقتة، إلى تأهيل وإنتاج وإعادة بناء الإنسان. 14. على التجمع اليمني للإصلاح توسيع دائرة الوعي بأهمية العمل النقابي، وإشراك الجماهير فيه، وإخراجه من الدوائر النخبوية إلى المحيط الشعبي العام. 15. ينبغي على الإصلاح عدم إغفال أو تقليص الاهتمامات الثقافية والفكرية لأعضائه؛ لأن الأمة الراشدة أهم من الخليفة الراشد، فالأمة الراشدة هي التي تصنع الخليفة الراشد وليس العكس، والأمة غير الراشدة تقتل الخليفة الراشد، كما قُتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 16. ينبغي على الإصلاح ضرورة معالجة مفهوم المجتمع المدني مرتين: الأولى، على المستوى النظري، في ضوء المفاهيم السياسية. والثانية، في ضوء الواقع والممارسة اليومية، سواءً كان في السلطة أو في المعارضة. 17. التحدي المطروح أمام الإصلاحيين، هو كيفية النهوض بالمرأة في الخطاب والتطبيق، لا باعتبار هذه القضية نتيجة لبناء المجتمع الإسلامي، بل بوصفها شرطاً من شروط إقامته. 18. ينبغي على الإصلاح العمل على رسم رؤية استراتيجية واضحة المعالم، محددة الأهداف الزمانية والمكانية، مع إخراجها إلى العلن، واضطلاع أفراد الحركة بها؛ ليتسنى لهم جلب الوسائل الممكنة لتحقيق أهداف هذه الرؤية من ناحية، ومحاسبة القادة على تقصيرهم _ إن حصل _ من ناحية أخرى. 19. على الإصلاح أن يدرك _ خصوصاً في المرحلة المقبلة _ أن السلطة لا تُدار بالأغلبية فقط، وإنما عليه أن يوسع الفرص لبقية الأحزاب، في مختلف العمليات السياسية، بحيث يجعلها شريكاً وجزءاً من البناء الهيكلي للنظام السياسي، وليس خصماً له. 20. الإصلاح مُطَالَب بمباشرة نهضة تجديدية، تقوم على أُسس منهجية شرعية قويمة، تعيد تطوير ما يتطلب الواقع تطويره، بين قوسي النص الشرعي، وفي إطار بحبوحته التي تفيض رحمةً ويسراً. 21. على قادة الإصلاح، ومفكريه، وعلمائه، أن يقفوا أمام العديد من القضايا التي تحتاج إلى تأصيل فقهي، قائم على رؤية تجديدية، تتجاوز ما يظنه البعض آراء شرعية، وهي ليست أكثر من أفهام بشرية لعلماء، كان لزمانهم وبيئتهم تأثيرها على آرائهم؛ ورغم جسامة هذه المهمة، إلا أنها اليوم ضرورة، لا غنى للإصلاح عنها، ولا يجدي بدلاً عنها إسقاط أفهام تلك العصور على عصرنا، أو استيراد بعض الأفهام المعاصرة لعلماء معروفين بالجمود والانغلاق، لتطبيقها على الواقع اليمني، الغني بالحركة والتراث الحضاري والفكري والاجتماعي؛ الأمر الذي يُلقى على عاتق الإصلاح في المرحلة القادمة، التوجه الجاد نحو رؤية تأصيلية منفتحة على قضايا التراث بكل أشكاله، مع التركيز على قضايا الثقافة، والآثار، والسياحة، والفن، العلاقات الاجتماعية، والدور السياسي للمرأة، وقضايا القبيلة، والعولمة، والسياسيات الاقتصادية والخارجية. 22. ينبغي على الإصلاح معرفة أعضائه، بصورة دقيقة وأكثر واقعية، بحيث تكشف هذه المعرفة طاقات وميول الأعضاء، ومواطن القوة والضعف عندهم، حتى يتمكن الإصلاح من تصنيفهم، وأن يحدد لهم مهامهم ومسؤولياتهم، ويضعهم في المكان المناسب. 23. على الإصلاح الانتقال من حالة الركود التنظيمي والتربوي، إلى حالة من الحراك والتجديد والتغيير، مع استيعاب المتغيرات التي تمر بها الأمة، والإلمام بخبرات العصر, في مجال التنظيم والتخطيط والفكر الاستراتيجي والسياسي. 24. على الإصلاح توفير مؤسسات عَدْلِية للتظلم، على ألا تكون هي القيادة، فتُصبح هي الخصم والحكم في نفس الوقت، فمن الممكن أن يتم انتخابها _ لا تعينها _ ممن يُشهد لهم بتحري الدقة والتثبت والتبيُّن، مع تميزهم بالسماحة والسعة النفسية والفكرية، والإيمان بحقوق الإنسان. 25. على الحركة، العمل على ترسيخ فقه المؤسسات، بلغة وتصورات معاصرة مفهومة، وتنظيم أُطر الشورى المؤسسية, وتفريع التخصصات, وتركيب العلاقات. 26. تجاوز الإصلاح الاستبداد في إطار الاجتهاد الفكري والسياسي، إلا أن عليه أن يسعى لتجاوزه في الإطار الحركي، وأن يتقبل حوار الرؤى والأفكار والسياسات التربوية والتنظيمية، وأن تتسع صدور القيادات لسماع آراء الأعضاء وملاحظاتهم، وتقدير ما يطرحونه داخل وحداتهم التنظيمية، أو في الاجتماعات العامة. 27. على الإصلاحيين التحرر من الروح الحزبية, والارتفاع إلى مستوى حمل الأمانة, وتمثيل الأمة, بدلا من التقوقع في الأطر التنظيمية الضيقة. 28. على الحركة الإسلامية ألا تنزعج من النقد العلني عبر الصحف ومختلف الوسائل الإعلامية، فهو نوع من الرقابة الشعبية العلنية لممارسات الحركة وطريقة أدائها، كما أنه نوع من التصحيح والتطوير الدائم، وهو سبيل لمحافظة الحركة على صورتها التي أسهم في بنائها تاريخُها الطويل. وأن انكفاء الحركة، وفَرض طَوْق من العزلة على نفسها في الوسط الذي يحيط بها، نوع من اللاوعي السياسي، في ظل ثورة نُظُم المعرفة والمعلومات في عصرنا الحديث. 29. على الإصلاح العمل على تعزيز قواعد الحكم الصالح، الذي يدعم ويصون رفاه الإنسان، ويوفر احتياجاته المعيشية الأساسية، ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لاسيما وأكثر أفراد المجتمع اليمني يعيشون فقراً وتهميشاً. كما عليه العمل على تأصيل مبادئ الحرية والشورى والديمقراطية بكل أبعادها، وأن يتعاون مع كل القوى المناهضة للاستبداد والمدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية. 30. تحسين الثقافة الشعبية وتوجيهها، ورفع مستوى اهتماماتها، تظل إحدى مسؤوليات التجمع اليمني للإصلاح، والتي في إمكانه تسليط الوعي على هذه الثقافة، وإدراك ما تتطلَّبه مرحلة الانطلاق والإقلاع الحضاري من أخلاق واستعدادات وتوجهات. وإذا لم يقم الإصلاح بمهمته هذه، فإنه لا يقضي على إمكانية انطلاقة حضارية راشدة فحسب، وإنما يُعَرِّض نفسه للنبذ والتهميش من قبل الطبقات الدنيا. أخيراً: فإن المهام التي تنتظر الإصلاح في المستقبل كبيرة وكثيرة، وتحتاج منه إلى جدية بالغة في التعامل معها، لأن كل المتغيرات الضخمة والمتسارعة التي تجري في العالم اليوم، تتطلب مواكبة تأصيلية، سواء كانت في عالم الثقافة أو السياسة أو الاقتصاد أو الشؤون الاجتماعية، حتى يحتفظ الإصلاح بصورته الجميلة والإيجابية، والتي أسهم في بنائها تاريخه الطويل.