شكّل التجمع اليمني للإصلاح في نشأته الأولى امتداداً حقيقياً لحركة تغييرية وإصلاحية ضاربة أطنابها في التاريخ اليمني، مما جعله يسهم بفاعلية في مختلف مراحل التغيير والتحولات الوطنية والثورية التي شهدتها اليمن على مدى العقود الماضية. وقد استعرض البرنامج السياسي للإصلاح عمقه التاريخي والإسلامي كمدرسة للتغيير والتجديد ورفض الجمود والتعصب بكافة أشكالهما وأنواعهما، وأكد أنه ظل على مدى عقود طويلة منبراً تنويرياً وثورياً يدعو إلى إحداث عملية تغيير شاملة "تستنهض المجتمع اليمني وتحركه وتعبئه وتوظف كل قواه وطاقاته لإنجاز مشروع النهضة والبناء والتنمية الشاملة وبناء الدولة اليمنية، دولة العدل والنظام والقانون". وعَرَض لجذور الحزب ومنابعه الأصيلة التي انطلقت من أسس ومبادئ تحمل في طياتها بذور التغيير المنشود نحو الأفضل، وهدم معابد الظلم والطغيان باعتبار ذلك واجباً إسلامياً وإنسانياً ووطنياً وإصلاحياً، فإنه "لما أشرقت شمس رسالة الإسلام كان اليمانيون في مقدمة المسارعين في الاستجابة لدعوته وتلبية ندائه عن طواعية واقتناع فدخلوا في دين الله أفواجاً وغدوا في ظل الإسلام قوة موحدة تسهم ضمن إطار (أمة الخير) في نشر رسالة الإسلام والدفاع عنها، وأصبحت اليمن مركز إشعاع فكري وفقهي لم يزل أثره منتشراً في أرجاء العالم الإسلامي، وحتى في عصور الانحطاط التي حلت بالعالم الإسلامي فقد ظهر في اليمن علماء أفذاذ حملوا على عواتقهم مهمات الدعوة إلى الإصلاح وتجديد الفكر الإسلامي وتنقيته من شوائب التخلف والتعصب والجمود أمثال ابن الوزير والمقبلي والجلال وابن الأمير والشوكاني وغيرهم". كانت تلك هي المنابع والجذور، ثم عرّج البرنامج على مسيرة الإصلاح والتغيير في العقود الأولى من القرن الفائت، لافتاً إلى أنه يمثل في حقيقة تكوينه امتداداً طبيعياً لها، ففي "الثلاثينيات من القرن –الماضي- وعلى نفس الخط التجديدي أخذت حركة الإصلاح الحديثة تتبلور على يد ثلة من الرواد الذين بذلوا جهودهم لإصلاح الأوضاع التي كانت تعيشها بلادنا تارة بالنصيحة المسددة وبالكلمة الطيبة نثراً أو شعراً وبالقوة والثورة تارة أخرى، فكانت ثورة 1948م بداية لأسلوب جديد في التغيير تواصل عبر حركة 1955م وفدائية عام 1961م حتى أذن الله بانتصار إرادة الشعب ليلة 26 سبتمبر 1962م التي هيأت أسباب قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م، وعقب انتصار ثورتي اليمن المباركتين في الشمال والجنوب برزت مهام جديدة للحركة الإصلاحية تتركز في الحفاظ على سلامة المسار الثوري من أن تنحرف به موروثات الملكية المستبدة أو مخلفات الاستعمار البريطاني والانتقال إلى مرحلة بناء الدولة ، وكان الشرط اللازم والمقدمة الصحيحة لذلك هو إعادة تحقيق وحدة اليمن المشطر، وفي هذا السياق جاء الإعلان عن قيام التجمع اليمني للإصلاح في الثالث عشر من سبتمبر 1990م ليكون امتداداً حياً لحركة الإصلاح اليمنية الحديثة وإطاراً يضم كل من ينشدون إصلاح الواقع وتغييره إلى الأفضل على هدى من عقيدة الإسلام وشريعته". وبنوع من التفصيل حول مرحلة التكوين والتأسيس وما رافقها من جهود إصلاحية ونضالية مبكرة في صناعة التحولات والثورات اليمنية السابقة، نثبت ما قاله رئيس مركز دراسات الجزيرة والخليج أحمد عبدالغني، حيث قال: "إن أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري مثّل واجهة الحركة الإصلاحية مع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م ونشاطها الميداني في سياق المتغيرات التي كانت تجري متتابعة على مستوى الساحة اليمنية، وبعد استشهاد الزبيري في عام 1965م، افتقد الحركيون الإسلاميون الذين عادوا من مصر في تلك الفترة أهم المظلات التي كانوا يعملون في إطارها، الأمر الذي دفعهم إلى تشكيل أول تنظيم إسلامي في اليمن، قام على أُسس وقواعد ومنهجية حركة الإخوان المسلمين، وما هي إلا سنوات قليلة حتى استطاعت حركة الإخوان أن تقدم نفسها كشريك وطني فاعل، وبرز الإخوان في ميدان العمل السياسي من خلال المجلس الوطني 1968م ، كمساهمين أساسيين في إنجاز الترتيبات الوطنية الشاملة ، وفي إعداد الدستور الدائم وإجراء انتخابات مجلس الشورى 1971م، وخاضوا تجربة الحركة التعاونية (1973م) وسايروا الحركة التصحيحية التي تبناها الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي بهدوء، وساهموا في إعداد الميثاق الوطني وإنشاء المؤتمر الشعبي العام 1982م، وشاركوا في الانتخابات البلدية (1979م) وانتخابات المجالس المحلية للتطوير التعاوني 1985م. وكان الإخوان المسلمون الأكثر تفاعلاً ومساهمة في إنجاح انتخابات مجلس الشورى 1988م ، وهم القوة السياسية الوحيدة التي أعلنت بوضوح عن برنامجها السياسي لخوض تلك الانتخابات من خلال ما سُمي نصيحة العلماء". وقد حرص الإصلاح كحزب منذ تأسيسه على أن يكون معنى التغيير والإصلاح حاضراً بقوة في أدبياته ومنهجه، ابتداء من اختيار اسم الحزب " التجمع اليمني للإصلاح" ومروراً بتعريف نفسه، إذ هو كما ورد في برنامجه الأساسي: تنظيم سياسي شعبي يسعى للإصلاح في جميع جوانب الحياة, ويستمد مناهجه من قيم الإسلام ويأخذ بكل الوسائل المشروعة لتحقيق أهدافه، وليس انتهاء بمنهجه ومناشطه التي تصب جميعها في بوتقة التغيير والبناء". وكان هذا لأن الإصلاح يدرك منذ الوهلة الأولى " فداحة الإرث الذي خلفته عهود الحكم الملكي والاستعمار وعهود التشطير وحجم تداعياتها في تكريس واقع التخلف الذي لا يمكن تجاوزه خلال فترة قصيرة وبجهد منفرد محصور في أي حزب أو تنظيم أو جماعة أو من خلال برنامج محدود يقتصر على إحداث تعديلات محدودة في البنى السياسية وتغييرات في مواقع السلطة، وإنما بتفاعل ومشاركة كل أفراد الشعب وقواه الاجتماعية والسياسية وتكاتف جميع المخلصين من أبناء هذا البلد وإفساح المجال أمام كل الطاقات والقدرات للإسهام في البناء والإصلاح ومن خلال برنامج يستهدف تحقيق نهضة حضارية شاملة يتأسس على الثوابت التي تحقق الإجماع العام ويعطي الأولوية لبناء الإنسان نواة المجتمع والمجال الموضوعي لعمل الدولة". وتأكيداً لمنهجه الإصلاحي وسعيه للتغيير وقطع الطريق على كل من يريد اختزال الوطن في شخصه والالتفاف على إرادة الشعب الحرة فقد أعلن الإصلاح منذ البداية عبر نظامه الأساسي "أن عقارب الزمن لن ترتد إلى الوراء، وأن مسيرة البناء ستتواصل حماية للمكتسبات، وترسيخاً للوحدة، وبناءً ليمن متطور لا مكان فيه لمخلفات الاستعمار، ودواعي التبعية والاغتراب، ولا لموروثات الاستبداد ونزعات الاستعلاء.. يمن يقوم بنيانه على هدى من الله، يعتصم بوحيه، ويأتلف بحبه، يمن يحمل رسالة الإسلام الحضارية في هذا العصر، وتتأكد فيه الشورى نهجاً أصيلاً يؤذن بنهاية الاستبداد السياسي، ويفسح المجال أمام كل أبناء اليمن للمشاركة الفعالة، والإبداع المتأسس على ثوابت عميقة الجذور، نابعة من الإسلام وقيمه الحضارية" مؤكداً ومشدداً أنه من تلك المعاني جاءت الدعوة لقيام التجمع اليمني للإصلاح حركة إصلاحية يمنية جامعة " تجسد آمال الشعب وتأخذ على عاتقها تأصيل مطالب الجماهير السياسية والاجتماعية في الحرية والعدالة والشورى، وتشكل امتداداً حياً لحركة التجديد والإصلاح الناهضة في تاريخنا الحديث، التي قامت لتزيل عن الفكر الإسلامي غبار عصور الانحطاط، وعن المسلمين روح السلبية والتواكل، حركة تقدم إلى الواقع نموذجاً حضارياً جديداً ينبثق عن منهج الإسلام الشامل، ويبني مجتمعاً يمثل أرقى صورة التقدم والتجديد". * عقدين من التغيير وعلى مدى العقدين الماضيين حمل الإصلاح على عاتقه مع شركائه في الحياة السياسية عملية إصلاح الأوضاع وتغييرها، لاسيما حين سعى النظام السابق إلى مصادرة الوطن وخيراته وتحويله إلى ضيعة للنهب والتوريث؛ فخلال هذه الفترة وقف الإصلاح في وجه السياسات الخاطئة للنظام السابق، وانتهج أشكالاً وأنساقاً مختلفة لمواجهتها وإبطالها، ابتداء بالنصيحة والمشورة الصادقة، والدخول في شراكة مؤقتة مع النظام السابق لمحاولة الإصلاح والتغيير من الداخل، ثم الانتقال إلى المعارضة السياسية والعمل على حشد الجهود والطاقات لتشكيل جبهة وطنية واسعة لمواجهة التفرد والطغيان، ثم الانتقال لتدشين مرحلة النضال السلمي وإدارة حملة توعية شملت أرجاء اليمن عبر وسائطه الإعلامية ومناشطه المختلفة لتعزيز عوامل الوعي بالحقوق والحريات لدى المواطن اليمني، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة مختلفة هي مرحلة التصعيد النضالي عبر المسيرات والمظاهرات والاعتصامات الحاشدة، والشروع في حوار وطني واسع يجمع مختلف أطياف المجتمع اليمني للخروج برؤية إنقاذ للبلاد من براثن الظلم والاستبداد، وصولاً إلى الثورة الشعبية المباركة، والتي كان للإصلاح وما زال دوراً محورياً وأساسياً فيها، سعياً منه إلى بناء يمن جديد يشترك جميع أبناء الوطن في إعماره وإرساء بنيانه على أساس من العدل والمساواة والحرية والكرامة. ويصف رئيس الهيئة العليا للإصلاح هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الإصلاح وهو يخاطب أبناء الشعب اليمني بقوله "إننا في التجمع اليمني للإصلاح ومنذ اللحظة التي أعلنا فيها عن التزامنا باستراتجية النضال السلمي لنيل الحقوق والحريات والإصلاح الشامل خلال مؤتمرنا العام الثالث في فبراير عام 2005م والمؤتمر العام الرابع في فبراير عام 2007م, وبدأنا في انتهاجها طريقاً إلى تغيير الأوضاع؛ كنا نعي تماماً صعوبة السير في هذا الطريق, وضرورة الاستعداد للتضحية, وقد كان إخوانكم في التجمع اليمني للإصلاح على مستوى المسئولية والبذل والتضحية من خلال ما طالهم من استهداف ظالم؛ جعل الآلاف منهم عرضة للفصل والتسريح من أعمالهم, وحرم الكثيرين من أبسط الحقوق الطبيعية للمواطن بسبب انتمائهم السياسي.. ومع كل ذلك خاض أعضاء التجمع اليمني للإصلاح وأنصاره, ومعهم إخوانهم أعضاء أحزاب اللقاء المشترك مسيرة النضال السلمي بصبر وتجرد وثبات, وبمزيد من الالتحام بجماهير الشعب والتفاني في خدمته وتبني همومه, حتى تُوّجَت تلك المسيرة النضالية السلمية بإرادة شعبية اندفعت نحو التغيير عبر ثورة سلمية خالصة, انتشلت البلاد من حالة الانهيار المحقق, وأحدثت تحولات هائلة في المشهد اليمني, ووضعت اليمن على المسار الصحيح نحو بناء الدولة الحديثة القائمة على الحرية والعدل والمساواة". فلم تكن عملية الإعداد والتحضير لعملية التغيير نحو الأفضل وليدة اللحظة الراهنة لدى الإصلاح بل كانت حاضرة في أهدافه ورؤاه ومنهجيته منذ البدايات الأولى، وقد تحدث بيان صادر عنه حول هذا الأمر مؤكداً "أن التجمع اليمني للإصلاح ومنذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها عن التزامه بالنضال السلمي لنيل الحقوق والحريات عمل ومن دون يأس أو تردد مع كل الشرفاء في هذا الوطن على الوصول إلى تغيير حقيقي للواقع المزري الذي وصلته بلادنا من خلال إحداث إصلاح سياسي من داخل النظام القائم وعبر التأسيس لحياة ديمقراطية تفضي إلى احترام إرادة الشعب وتؤسس لتداول سلمي للسلطة عبر عملية انتخابية حقيقية يختار فيها الشعب حكامه ويشارك أبناء الوطن جميعهم في صناعة القرار والشراكة فيه، إلا أن تلك الجهود وتلك المسيرة الطويلة والمضنية من النضال التي خاضها الإصلاح ومعه كل القوى الخيّرة في هذا الوطن اصطدمت بسلطة فرد وعائلة أمعنت في رفض الحلول وجابهت كل دعوات الإصلاح والتغيير بمزيد من التفرد بالسلطة وأوغلت في مصادرة إرادة الشعب عبر فصول من التزوير الممنهج والعبث الفاضح بالعملية الانتخابية وتحويلها إلى عملية هزلية تعيد إنتاج المشهد القاتم لوطن استحوذت عليه عائلة وعدد محدود من المنتفعين حولها وحولته إلى خراب وفوضى، وحين رفضت سلطة الفرد والعائلة الاستجابة لأنين الشعب وعذابات أبناءه وأمعنت في تعطيل الحياة السياسية ورفض دعوات الإصلاح واستمراء التلاعب بالدستور وتعطيل سلطة القانون وانتهاك الحقوق والحريات ونهب الوطن وثرواته ومصادرة مؤسساته من جيش وإعلام وقضاء وجهاز إداري وتحويلها إلى مؤسسات عائلية تدين بالولاء للعائلة ولا تمت إلى الشعب بصلة، وحين تمادت سلطة صالح العائلة في مواجهة إرادة التغيير والإصلاح ووجدت في الاستبداد والاستحواذ بالوطن متعة لا يعادلها إلا سماع أنين الضحايا من أبنائه كان لزاماً على التجمع اليمني للإصلاح ومعه إخوانه في أحزاب اللقاء المشترك التوجه إلى الشعب اليمني وتعريفه بمآلات الصمت وتحذيره مبكراً من مخاطر السكوت على فساد سلطة الفرد والعائلة".