الكثير من السياسيين والصحفييين في اليمن يتعاملون مع القضية اليمنية من مدخل المحاصصة بين حاشد وبكيل, والهاشمية السياسية والإسلام السياسي السني، والشافعية والزيدية، وعدنان وقحطان .. مع تأكيدهم ضرورة أن تستوعب المحاصصات لهذه الثنائيات ! أتساءل باندهاش: عن أيّ دولة مدنية حديثة يتحدثون؟ هذه توازنات القرن التاسع عشر، وهي مستمرة إلى ما بعد 26 سبتمبر 62م والحكومات المتعاقبة! فهل سيستمر هذا النزيف للوعي، وتظل المواطنة والدولة العصرية ناهيك عن أن المدنية غائبة ...؟ أتحدث تحديداً عن إطلالة الاستاذين محمد قحطان ومحمد عايش في حوار بينهما على قناة الميادين بصحبة الصحفية منى صفوان مساء أمس الثلاثاء .. حين استمعت إلى قحطان وهو يتحدث عن تداول بين محافظ ينتمي لحاشد وآخر ينتمي لبكيل تذكرت ما أورده المناضل محمد علي الأسودي في كتابه “حركة الأحرار اليمنيين والبحث عن الحقيقة” وهو ينتقد السلوك الطائفي في تشكيل الوزارات فيقول: «وكان كلما تشكلت وزارة جديدة نقتسمها بالتساوي بين شافعي وزيدي , إنه سلوك مخجل من أبناء وطن واحد ويفترض أن يكونوا ثوارا كلهم ابناء وطن واحد. وكان يفترض بدلاً من هذا التقسيم المخجل أن نبحث عن الكفاءات والتخصصات بقدر الإمكان ومن أي منطقة كانت والتي هي مقومات أي حكومة ديمقراطية ثورية » ص(215). حين نعود إلى محاصصات ما بعد وحدة 1990م سنجدها بنسبة كبيرة محاصصة بين مكونات سلطة الشمال وحزب حكم الجنوب، وهي المحاصصة التي كانت سببا في الصراع الذي انتهى بحرب 1994م، لكننا حين نقارن ذلك التقاسم وما يحدث اليوم من محاصصات جوهرها وظاهرها قبلي ومذهبي وجهوي فإن الكارثة التي ستترتب على ما نحن فيه هو التمزق الكلّي لهذا النظام الذي تصالح بسبب توازن الضعف، وتحت ضغط الراعي الإقليمي، صاحب التسويات التاريخية في اليمن. إن بناء دولة مدنية يحتاج إلى مقدمات للبناء تنتمي للدولة العصرية، الذي أساسها المواطن، وليس القبيلي والمذهبي والجهوي .. فإلى أين نحن متجهون؟ من الواضح أننا نتجه نحو الخلف, ذلك الخلف الذي ينتمي إلى القرن التاسع عشر والذي ظل مستمراً في حالة تدوير وتداول، ولكن بصورة كاريكاتيرية، حيث ننظر إلى الأمام بأعيننا وتتحرك أقدامنا إلى الوراء!