ما يحدث اليوم من ردود أفعال في العالم العربي والإسلامي تجاه الفيلم الأمريكي سيىء الصيت، والذي حوى اساءة بالغة لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، كما قيل أو نما إلى أسماعنا من بعض القنوات العربية حيث إننا لم نشاهد هذا الفيلم ولا حتى جزءاً من هذه الحلقات المسيئة. وأنا أعتقد بأن الغالبية العظمى في هذه البلاد لم تشاهد هذا الفيلم. وكما هو حالنا في هذا العالم من الكوكب، ولعلي لا أبالغ إذا قلت بأن هذه الواقعة وردود الأفعال العشوائية التي طالت العديد من الأرواح والمنشئات في مختلف البلاد العربية والإسلامية، نقول لا نبالغ إذا شبهنا هذه الواقعة بتلك التي حدثت في بلاد السعيدة في الأربعينيات، حيث اعلمنا الآباء والأجداد بأن عدداً من العناصر المفكرة والأدبية والعلمية كانوا قد التقوا بالإمام يحيى بقصد نصحه، لكي يعمل على التغيير في الأوضاع وفي إيجاد دولة ووزارات وخلاف ذلك من الأمور المتعلقة بالدولة وبإشراك بعض الناس في إدارة دفة الأمور في البلاد بدلاً من احتكارها في محيط الأسرة. وقيل إنه استمع إلى تلك النصائح بكل شفافية، وبعد أن انتهى الناصحون من ذلك فقد رد عليهم بأن الشعب لايزال في غفوة من أمره وأنه غير مؤهل لكل ما ورد في نصائحهم، ولم يكتف بذلك فقط بل تحداهم قائلاً سترون غداً حال هذا الشعب الذي تزعمون أنه قد وعى وأنه قادر على المشاركة في الحكم فماذا فعل؟ قيل إنه اشاع من خلال زبانيته بأن ملك الجان الآن في حالة هيجان، وأنه يجب على الشعب اليمني وأهل صنعاء خاصة أن يدهنوا جباههم بمادة القطران “القار” وقيل كذلك بأنه لم يمض صباح اليوم التالي إلا وقد فعلت فعلتها وأصبح الناس مدهوني الجباه خشية هيجان الجن ومسهم للأذى، الذين اعتقدوا أنه سيلحق بهم، هكذا ساءت الأمور وأصبح الأمام يسخر من تلك النصائح والناصحين. فأين نحن من هذه الواقعة تجاه ردود تلك الأفعال التي تجاوزت الحد وطالت الأرواح والمقدرات التي هي من ممتلكات الشعوب ومن عرقهم وسهرهم وهم في أمس الحاجة إلى مثلها. فهل بأفعالنا تلك نكون قد أسعدنا رسول الرحمة والألفة والخير أم إننا أسأنا التقدير للمواقف وتجاوزنا الحد. إننا مع ضرورة التعبير والغضب على رسولنا الكريم، ولكن لماذا لا نكون في غاية التقدير للأمور لندرك أن ذلك هو فخ من الصهيونية العالمية كي تكشف أننا لا نزال مشدودين إلى الماضي بكل سلبياته وعلاته و أن الزمن والحياة لم يغيروا فينا شيئاً على الرغم من التطورات والتغيرات الواقعة على الساحة العربية والإسلامية. ولأن بعضنا وبعد مضي أكثر من سبعين عاماً على هذه الواقعة، أي واقعة القطران التي دارت أحداثها وعاشها حقيقة أبناء السعيدة، فحين يحكونها لنا الآباء والأجداد فهم يحكونها بكل تندر وباستخفاف شديد للحال الذي كانوا عليه من البراءة والجهل. واليوم نجد أنفسنا نتصرف برعونة وجهل كذلك أو قل إنها تصرفات بنفس البراءة التي كان عليها الأجداد، الأمر الذي يجعلنا نتساءل مع الآخرين من أبناء السعيد حول انقضاء فترة خمسين عاماً من الثورة والجمهورية لنقول ما هو الذي عاد على البلاد والعباد من هذه الفترة الزمنية التي تمتد لنصف قرن من الزمان وما الذي اكتسبته الأجيال من هذه الثورة وخاصة الزمن الذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود أو قل جيلين فقط..؟ دعونا نقف أمام أنفسنا نحن الآباء وقفة منصفة لنا وللأجيال اللاحقة علينا دعونا نقل بكل صراحة إننا كنا نعيش حالة من الوهم باستقرار الأوضاع وبالعمران والشوارع المسفلتة والعمارات الشاهقة تلك المنجزات التي اجتاحت غالبية المحافظات في الجمهورية اليمنية، نقول غالبية المحافظات وليس جميعها، ذلك لأن البعض ما يزال يعيش تلك الأيام و تلك البراءة، هكذا حدثت طفرات كبيرة وتغيير كبير وغير عادي في التنمية والحياة المادية، أكرر الحياة المادية خاصة في ظل قيادة الرئيس علي عبدالله صالح الذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود، ولكي لا نغمط الرجل حقه فإن بلادنا شهدت طفرة تنموية كبيرة نقلت بلادنا إلى مصاف الدول العربية التي سبقتنا في هذا المضمار. غير أننا هنا أمام الإنسان، الإنسان الذي هو أغلى الثروات وما كان يجب أن يكون فيه من المستوى التعليمي الراقي ومن التربية، ومن التجسيد للمثل الحميدة والاخلاق العالية، فهل إنسان السعيدة اليوم على قدر مما ذكر. إن مجمل التصرفات والسلوكيات في بلادنا تنبئ أننا جميعاً لا نزال نعيش عصر القطرنة، أو قل أكثر عشوائية، ذلك لأن العصر كان يتوفر فيه شيء من الصدق في التعامل ووفر من السلوكيات الحسنة وفي الوقت نقد للمواقف المشينة والخارجة عن السلوك الفطري لإنسان ذلك الوقت، وكانت القبيلة هي المروءة والرجولة وهي الشهامة فلا يوجد ما هو واقع في أيامنا من خطف للأجانب ولا تقطع في الطريق ولا يقتل المسلم أخاه المسلم ولا يمكن أن يمس بأذى غير المسلم مهما كانت الديانة التي يعتنقها، ونعلم أن ذلك السلوك كان آتياً من توفر الإنسانية دون إنسان السعيدة ومن ديننا الحنيف الذي ينهانا عن الإتيان بالسلوك المشين ويأمرنا بالسعي نحو مواقف الخير والمحبة والسلام. هذا فضلاً عن انتشار السلاح في كل متر من البلاد وعن الاستخدامات غير المتقنة له وعن تفشي الجريمة بفعل انتشاره، وعن العديد من السلوكيات غير السوية، فهل إنسان السعيدة يمت بصلة إلى ذلك السلوك الإنساني القويم بعد انقضاء نصف قرن من الزمان على الثورة والجمهورية؟؟؟ اسئلة كثيرة تطرح نفسها بعد انقضاء نصف قرن من الزمان على قيام الجمهورية في بلاد السعيدة، واعتقد أنه يقع في مقدمتها هذا السؤال. هل اهتمت الأنظمة المتعاقبة في بلادنا بالإنسان ومنحته ما يجب أن يحصل عليه من إضافات سلوكية ومدنية حصنته من القطرفة، أم لا يزال يعيش سنة القطران دون تلك البراءة طبعاً. اعتقد بأن الحال هو الحال فيما يتعلق بالإنسان إن لم يكن أسوأ منه، وهو غير خاف على أحد بأن الحال فيما يتعلق بالإنسان يجب أن يعاد النظر فيه وأن يعاد التأهيل والتسليك والتربية. طبعاً أنا لم آخذ الحال الذي أضحت عليه الأمور من مهزلة في مختلف جوانبها المالية والإدارية السيئة جداً، ولم أتحدث عن الفساد الذي ينخر حتى العظم في مختلف جوانب الحياة، وحتى القضاء الذي عادة ما يكون صالحاً في الكثير من البلاد العربية على الرغم من الفساد الواقع فيها فإنه في السعيدة حيث يؤمل أن يكون خالياً من هذه الفيروسات صار يعمم هذه الفيروسات على مختلف الإدارات والهيئات والمؤسسات وأصبح الفساد مرتكزاً لكل الاتجاهات. ألم أقل إن الاخلالات واقعة من هذا الإنسان الذي لم تهتم به الأنظمة في الجمهورية، ليس ذلك فحسب بل تمادت هذه الأنظمة في إفساد ما تبقى لديهم من قيم حسنة ومن سلوكيات مدنية والدليل على ذلك ماهو واقع من سلوكيات ومن ممارسات يندي لها الجبين. وهناك الكثير من الأدلة التي تؤكد خروج إنسان السعيدة عن الأنسنة، بدليل أنه كيف كان ناس هذا الوطن يعيشون في الشطر الجنوبي منه وكيف أصبحوا بعد أن انتقلت عاصمتهم من عدن إلى صنعاء اعتقد أن سنة القطران قد باركت حياتهم وحياة كل اليمنيين غير أنه ليس في وسعنا ما نقول وحتى لو قلنا ما قلناه فإن ما وصلنا إليه من حال يظل حاله مستعصية تحتاج إلى جراحة عامة ويظل لسان حال ابن السعيدة يردد لقد اسمعت من ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي ومبروك للصهيونية العالمية التي نجحت في كشف المغطى أمام العالم المتحضر.