صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    عاجل : التلفزيون الإيراني يعلن رسميا مقتل رئيس البلاد ووزير الخارجية في تحطم مروحية    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صالح يشن حرباً كيميائية ضد السكّان الأصليين
نشر في المصدر يوم 18 - 03 - 2011

فواز الفتيح، 25 عاماً. أصيب بتشنجات واضطرابات في التنفس في الحرب الكيميائية التي شنّتها كتائب الرئيس المخلوع "علي عبدالله صالح" على أبناء الشعب اليمني صبيحة يوم السبت، 11 مارس. كان أبناء الشعب، السكّان الأصليّون، يؤدّون صلاة الفجر بحسب دينهم الإسلامي الذي لم تحترمه سلطات القمع والإرهاب والنهب، ولم تبدِ حتى تفهّماً أخلاقياً لما لا تفهمه احتراماً لحق الإنسان في أن يعبد من/ما يشاء بأمان تام تحت حماية العرف الإنساني العابر للزمن والمكان. في تلك الساعة الرهيبة، التي ينفصل فيها المسلم عن وجوده المادي المحسوس ويتسامى في تجلياته غير المرئية صوب إلهه الذي يؤمن به من الأعماق، كان ابن الرئيس المخلوع وأبناء شقيقه يحتشدون لمباغتة السكّان المسلمين العُزل بغية إعادة الأمور إلى نصابها: بقاء النظام منزوع الشرعية ضدّاً لرغبة السكان الأصليين.
تغيرت قواعد الاشتباك بعد هذه الحرب المدانة دوليّاً، لكن الرئيس المخلوع لم يتغيّر. يتحدث عن الشرعية ويجهل تماماً أن مصدر الشرعية هو الجماهير وليس الأبناء والأحفاد. عندما تقف الجماهير بصدورها لكي تحمي صدرك فهي تكون قد منحتك الشرعية. لكن: أن يتسلل أبناؤك في الجنح الأخير من الليل لقتل المصلّين والمعتصمين والنائمين فعليك أن تعلم أن شرعيتك ليست فقط منزوعة بل مقلوبة تماماً: إنك مجرّد قاتل، ومشير عصابات تتحرّك في الليل. حتى رفاقك خجلوا منك، ومن لم يستقِل حتى الآن فها هو يتدرّب على الشجاعة، ويرفع منسوب الحقيقة في تعليقاته على المشهد. رجالك يقومون –هذه اللحظة- ببروفات استرداد جزء يسير من ضمائرهم المشتّتة نتيجة عملهم تحت قيادتك كل تك السنين. لو خرجوا الآن سنغفر لهم غداً، لأننا سننشغل بسؤال المستقبل. تزعم أنك رئيس شرعي لدولة حديثة؟ الدولة لا تتسلل في الليل يا صالح لأنها حقيقة جماهيرية علنيّة ذات امتياز أخلاقي لا يطرأ إليه شك. الدولة هي مجموعات وظيفية تعمل طبقاً لتشريعات قانونية شديدة الوضوح، ومتفق عليها من قبل جميع الطبقات، في وضح النهار. الدولة لا تقتل من تمثّلهم، ولا ترشّهم بغازات مكافحة الإرهاب، ولا تطلق عليهم الكلاب والقتلة المأجورين والماء الساخن. هذه سلوكيات لا علاقة لها بأخلاقيات الدولة ولا بوظائفها. إن شرعيتك التي فقعتَ بضاننا بها، تنشر كل هذا الخزي والعار، وهو ما يؤكد حقيقة أن هذا اللون من الشرعية ذات الطابع الانتهاكي الإجرامي الغادر لا يمكن أن نكون نحن الطيبين، الألين قلوباً، مصدراً له.

بالعودة إلى الشاب فوّاز. أدخل مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا بتشجنات في عضلات جسمه، اختناق، وهيجان شديد. تحسنت حالته بعد ساعات. عاد إلى الميدان، شارك رفاقه الاعتصام. حدث بعد 12 ساعة من تعرضه للسموم أن انتابته ذات الأعراض –بعد صلاة المغرب- فنقل إلى المستشفى الألماني الحديث. عولج في القسم الاعتيادي، لكن حالته اضطربت في الليل ودخل في نوبة تشنجات في عضلات جسمه وهيجان شديد وعرق –بحسب معلوماتي الدقيقة التي حصلت عليها من أطباء المستشفى- وأدخل إلى العناية المركزة. ليس فوّاز الفتيح فقط هو الذي يمر عبر هذه الدورة من الأعراض. هذه دورة السم، ويعتمد الأمر كما يعتقد المعالجون على أمور كثيرة بعضها متعلقة ببنية المريض الجسمانية ونشاط أجهزته الداخلية، والبعض الآخر يتعلق بنوع السم ودرجة التعرض له والشروط اللوجستية المحيطة بفعل التعرّض. أطباء المستشفى لا يعرفون شيئاً عن الغاز، لكن لديهم تخمينات فقط. مدير المستشفى الألماني الحديث، جراح مخ وأعصاب، نقلت عنه وكالة سبأ للأنباء قوله "إن الغازات المستخدمة هي غازات مسيلة للدموع ولا تسبب أي أعراض عصبية". الجريمة تتمثل في أن د. يحيى الثور –حاصل على شهادة التخصص من ألمانيا- لم يصرّح لوكالة سبأ كما ذكر في بيان التكذيب المنشور في موقع مأرب برس. فضلاً عن أنه يعتقد، على مستوى شخصي، بأن الغازات المستخدمة سامة وليست مسيلة للدموع.

هذا الاعتقاد ورد على لسانه شخصياً في حديثه مع أطباء مستشفاه بعد معاينة الحالات، لكني أستغرب كيف تجاهل الإشارة إلى أصل القضية في بيان التكذيب المنشور. ولماذا كان متحمساً لتكذيب خبر كهذا إلا إذا كان متيقناً –على أسس علمية- من عكس ما أوردته وكالة سبأ للأنباء؟ بمعنى: يقين الدكتور الثور أن الغاز سام بصورة قاطعة. كانت لهجة التكذيب التي استخدمها د. الثور حادة، وشجاعة. فمن المؤكّد أنه لم يكن يدافع فقط عن "المهنية الإعلامية" التي طالب باستقامتها، بل عن المنطق العلمي والمهنية العلمية. لا أدري هل يجدر بالصديق العزيز نصر طه مصطفى أن يجري تحقيقاً في الوكالة التي يرأسها ليعرف مصدر هذا التدليس والكذب والافتراء كون الأمر يتعلق بحياة بشر يرقدون في المستشفيات الآن واحتمال تدهور صحتهم وارد على نحو كبير.

أتمنى كذلك من وسائل الإعلام المستقلة أن تتواصل مع د. يحيى الثور وأن تضعه في مواجهة أخلاقية مع الحقيقة، وأن يقول ما يعتقده علميّاً بعد معاينته للحالات المحتجزة في مستشفاه. أنا أثق في أنه قادر أن يثبت كعادته أنه الرجل الصحيح الذي أدى قسم أبقراط عند تخرجه. على وجه التحديد المادة 2 من قسم أبقراط: أقسم على أن أبذل قصارى جهدي لتأمين وضمان حقوق كل المرضى، خاصة تلك المجموعة المعرضة للخطر الشديد، والتي لا تملك الوسائل الكافية للتعريف بحقيقة مشاكلها!
رفاق الشاب فوّاز الذين سقطوا في الحرب الكيميائية الأخيرة في صنعاء ظهرت عليهم ذات الأعراض. كان د. حسني الجوشعي، استشاري الأعصاب والحاصل على شهادة التخصص من جامعة داندي في اسكتلندا يتحدث لوسائل الإعلام عن غاز سام يستخدم ضد المعتصمين المطالبين برحيل الرئيس صالح. بادر رجال الأمن القومي المتنكّرون في زي أطباء إلى مؤتمر صحفي تنكّري شبيه بحفلة الروزنمونتاغ أول الربيع، حيث يكون من حق كل مواطن أن يتنكر بالزي الذي يحبه من زي المسجونين إلى زي الكاهنات، وما بينهما. تحدث وزير الصحّة نيابة عن الكتيبة الأمنية في المؤتمر. زعم أن ما يقال عن الغازات السامة مجرّد افتراء وكلام سياسي، والدليل "قالوا له" بتاعة عادل إمام في مسرحية شاهد مشفش حاجة. أتحفنا وزير الصحّة الغارق في قضايا فساد حتى الدور الثالث بالقول إن وزير الداخلية –واخد بال حضرتك- أعطاه عينات من القنابل المستخدمة، وتأكد أنها "عادية يعني، فين المشكلة"! يا عيني عليك يا حبيب والديك. وإيه كمان؟ اشجيييييني. إنتَ ما بجّيش ليه؟ مش تبقى تييجي. اكتِب يا حسين اكتِب.
يمكن وضع الصورة في إطارها الكلي الآن. نشر المصدر أونلاين نقلاً عن قائد أمني كبير-أصيل وبن بلد- رفض الإشارة إلى اسمه أن القنابل المستخدمة في مواجهة المعتصمين هي من النوع السام المستخدم في مواجهة الإرهاب. وأكّد للمصدر أن هذه القنابل تستخدم لشل حركة الإرهابيين. قال إنها (تسبب اختناقات ورعشه وقيد حركة الجسم في المكان لتسقط على الأرض فاقدا للوعي. وأنها قد تسبب الوفاة). كشف كذلك عن امتلاك اليمن لكميات كبيرة من هذه القنابل قدمت لها من قبل الولايات المتحدة الأميركية ضمن مشروع التنسيق في مكافحة الإرهاب. من المتوقع أن العسكريين الأميركيين قد شرحوا "لشوية العيال المنفوشين ع الفاضي" كل ما يتعلق باستخدام هذه القنابل. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن عُويلة صالح قد استخدموها عن سبق إصرار وترصد ودراية وقصد. أي أننا نتحدث عن اكتمال أركان القتل الذي يرتقي من كونه "شبه عمد" إلى عمد مؤكّد. حط ديه في الملف عندك يا حسين.
هناك مغالطات إشكالية مهزوزة على نحو: لماذا لا يعاني كل المصابين من نفس الأعراض؟ في الواقع، أطلق نوعان من القنابل: قنابل مسيلة للدموع، سي إس، عادية من أدوات مكافحة الشغب "Riot control"، وقنابل سامة تستخدم في مكافحة الإرهاب والسيطرة في ساحات "المواجهة مع الخطر القاتل". هكذا بكل بساطة، اللغز مش محتاج الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان عشان يحلّه. يعني المفروض على من استنشق سم القنابل المسيلة للدموع أن يبوس إيده "شعر ودقن" بتعبير اللمبي في فيلم اللي بالي بالك. لأن البديل هو"السم" والنوم في العناية المركزة! اكتبها دي برضه يا حسين.
بعد هذا التقديم، ما هو الغاز المسيل للدموع؟ ما المكون الكيميائي فيه؟ ما الذي يحدثه؟ ما هي أسوأ عملية تسمم من الممكن أن يسببها؟ أتحدّث هُنا كمدرّس في كلية الطب، وليس ككاتب صحفي. هناك قائمة طويلة للغازات المسيلة للدموع، أشهرها وأقلها ضرراً هو كلوروبينزايليدين مالونو- نيترايل (o-chlorobenzylidene malononitrile) ويرمز إليه تقليديا ب CS "Captor Spray" أو الرذاذ الآسر. أتوقّع أنكم استمعتم لوزير الصحة وهو يهجّص: سي إس سي إس سي إس.
اكتشف الغاز في العام 1928. ومن` ذلك الوقت، حتى الآن، لم يثبت أنه تسبب في أي وفيات من أي درجة، بما في ذلك عندما استخدم في فيتنام من قبل الجيش الأميركي. وهذا هو الشرط القانوني لاستخدامه: أن لا يكون ضاراً بالصحة، ولا بالوظائف الحيوية، وأن تكون نسبة احتمال الوفيات الناتجة عن استخدامه قريبة من الصفر. الحكاية مش بلطجة، ولا هي هزار. فنحن بصدد غاز سيستخدم ضد مواطنين في حالات موصوفه قانونياً وأخلاقياً. بالنسبة لهم –المواطنين- فكل الشرائع والقوانين تعمل على حمايتهم حتى وهم في حالة "الشغب المدني". ففي طرفة عين -في أي دولة في العالم- سيقدم رأس المتورط بإزهاق روح واحدة إلى العدالة، كائناً من كان. لأننا نعيش زمناً –كما قال القذافي قبل ثلاثة أعوام- لا يمكن لأحد فيه أن يفعل فعلته ويهرُب! ودي هتكتبها ازاي يا حسِين؟
بمناسبة الغاز المسيل للدموع: يستخدم الغاز في الرايوت كونترول، أو مكافحة الشغب. حتى القنابل غير السامة، مع السامة، التي ألقيت على المعتصمين في صنعاء أطلقت عليهم أثناء النوم والصلاة. وطبقاً لأبجديات القوانين المحلية والدولية فإنهم لم يكونوا في حالة شغب، ولم يكونوا منتهكين لقانون بل على العكس يمارسون حقاً قانونياً أصيلاً وأثيراً. وفي هذه الحالة يعتبر إفزاعهم على النحو الذي رأيناه – بغض النظر عن السم المستخدم- فعلاً إجرامياً يستدعي المحاكمة الفورية لكل من تورط فيه.
آلية عمل الغاز المسيل للدموع: بمجرد أن تلتصق جزيئات الغاز بسطح جسماني رطب مثل الأغشية المخاطية، وأنسجة العين الخارجية، فإن الشخص يعاني من إحساس شديد بالحرقان، وهو ما يجعل الشخص يغلق عينيه بقوة. السعال، والنزول الأنفي واحتقان الأغشية المخاطية هي الأعراض الشائعة لهذا الغاز. أما أسوأ ما يمكن أن يسببه هذا الغاز فهو التقيؤ المفاجئ والدوخة والتوهان المؤقت. ينتهي مفعول الغاز "تماماً" -طبقاً لأشهر المراجع الطبية العالمية- في خلال دقائق. أمر شديد الأهمية متعلق بهذا الغاز وهو أنه ليس له خصائص تأثير مركزية، بمعنى لا يُمتص عبر الأنسجة ومنها إلى الدم فالقلب فبقية الأعضاء. لذا فإن كافة العمليات الحيوية –الحرارة، ضغط الدم، الوعي، نبضات القلب- تبقى كما هي بتغيرات طفيفة نتيجة الفزع والارتباك. وهو ما لم يحدث مع الغاز المستخدم ضد المتظاهرين في صنعاء وعدن إذ بدا واضحاً أنه من النوع الذي يؤثر على الوظائف الحيوية، وصولاً إلى الجهاز العصبي المركزي (الدماغ)! درستها دي يا حسين؟
هذه هي قصة الغاز المسيل للدموع. يتضح منها أنه لا وجود بالمطلق لأعراض "عصبية" مركزية، كالتوهان وفقدان الوعي الممتد والغيبوبة، أو أعراض طرفية كالتشجنات وتقلص العضلات، بفعل المسيل للدموع التقليدي المسموح به دوليّاً( CS). بمعنى: ما حدث من وذمات "استسقاءات دماغيةBrain Oedema" بحسب صور الأشعة المقطعية التي أجريت للمصابين في مستشفيات اليمن - ولدى اللجنة الطبيّة بقيادة الدكتور الجوشعي ملف بذلك- لا علاقة له بالغاز المسيل للدموع. طبعا سمعنا كلاماً عن "قلوية الدم" التي بدورها أدت إلى نقص للكالسيوم المؤيّن، وهو ما تسبب في الصورة الإكلينيكية التي ظهرت على هيئة "كاربوبيدال سبازم"، بالرغم من أنها كانت فقط "كاربال سبازم فقط!" (كلمتين للأطباء، أرجو من القارئ أن لا ينفصل عن النص). هذا الهجص الغبي الذي قالته اللجنة الطبية يطرح سؤالاً أخلاقياً حول إمكانية نزع تصريح مزاولة المهنة من كل أفراد كتيبة الوزير الأمنية التي ظهرت في المؤتمر الصحفي. فالتهريج الذي أبدته تلك الكتيبة هو نوع ضار من المزاح المحرّم أخلاقياً. كما لا يقل في ضرره عن الجريمة نفسها.
دعونا نتذكر أن الرئيس المصري المخلوع –أنا مكيّف على كلمة مخلوع- استخدم كل مخازن وزارة الداخلية من القنابل المسيلة للدموع، حتى أن اللجنة الدولية للتنمية والحقوق –مقرها النرويج- أفشت معلومات تتحدث عن تزويد إسرائيل لمبارك بكميات جديدة من السي إسCS بلغت حمولتها 3 إلى 4 طائرات. استخدمت إسرائيل هذا النوع من القنابل لحوالي ثلاثة عقود من الزمن ضد المتظاهرين الفلسطييينين. استخدمها الرئيس التونسي المخلوع بكميات رهيبة ضد المتظاهرين، والأميركان ضد المقاوميين الفيتناميين في سراديب القرى والنجوع. لم يحدث- أؤكد: لم يحدث- أن وجدت حالات تسمّم على النحو الذي رأيناه في اليمن. الصورة الكلاسيكية للأعراض في المشهد اليمني: أعراض غير منتظمة من الهياج والعرق والاختناق وتسارع ضربات القلب ولا انتظاميتها، والتوهان الذي يصل إلى فقدان تام للوعي. بعد فترة ملاحظة وعناية يحدث تحسن مؤقت للمريض، ثم الدخول من جديد في دورة عصبية مخيفة، تدفع الأطباء المفزوعين في أحيان كثيرة -كما حدث مع أطباء الألماني الحديث، والعلوم والتكنولوجيا- إلى اصطحاب المريض إلى غرفة العناية المركزة. اطلعت شخصياً على عشرات الفيديوهات لشباب، زي الورد اللي فتّح في جناينك يا مصر، وهم في حالات هيجان وتشنجات مقلقة بينما يحاول الأطباء ربط أقدامهم وسواعدهم إلى عمدان سرائر المستشفى. هل هذا هو غاز ال CS يا فندم راصع؟ وإلا مكنش مقرر عليك في البكالوريوس زيّنا؟ تلاقيك وساطة يا عم، وإلا بتبرشم، ونجحت في مادة السموم بالصلاة ع النبي! اللي ادّاك يدّينا. اكتِب يا حِسين اكتِب.
الآن، بعد أن استخدم النظام الفاشي، القاتل، الساقط ضد المواطنين اليمنيين -أبناء البلد الأصليين منذ خمسة ملايين سنة- غازات مكافحة الإرهاب عن قصد ودراية ونيّة. بعد أن أفزع آلاف الأسر النائمة في بيوتها على وش الفجر: أبناؤكم يموتون في الخيام، كما في المكالمات التي تلقوها. بعد أن وزّع القناصة على أسطح المنازل، وأمرهم بإطلاق النار في اتجاه "آلاف البشر". بعد أن كذب في وسائل الإعلام: ما حدث هو مواجهة بين المواطنين والمعتصمين، ثم عاد أمام فضيحة السموم فقال: "استخدمنا قنابل عادية" معترفاً بقيامه بالعملية ومنكراً في الوقت نفسه. بعد أن استخدام القنابل الصوتية التي أدّت إلى حدوث انفجارات دماغية لدى البعض -طبقاً للبروفيسور طارق نعمان، حاصل على التخصص من إنجلترا. بعد أن ... إلخ. بعد أن أرسل سمساره إلى ليبيا لجلب المال المسموم اللازم لبقاء البلطجية والمأجورين في مواجهة أبناء البلد الأحرار، بعد أن وقف قائد عسكري كبير، كان شاهد عيان يوماً – العميد الجائفي- أمام مئات الآلاف وخاطبهم بالقول: علي عبدالله صالح هو الذي قتل رئيسكم الحمدي، وهذه شهادتي للتاريخ. بعد .. إلخ. بعد، وقبل، وأثناء، دعونا نصعد بالثورة إلى المرحلة الجديدة من السيرة اليمانية الكبيرة: الشعب يريد محاكمة رئيس النظام.
لسدنة النظام العالمي والعدالة العالمية نقول: لقد حاكمتم صدام حسين بسبب قنابله الكيميائية ضد بلدة الدجيل، واخترتم هذه الجريمة دوناً عن عن كل سيرة حياة صدام حسين في قصور بغداد. لدينا في اليمن كيميائي آخر، والكيمياء هي الكيمياء كما علمتمونا. ونحن نقول لكم: وضحاياها هُم ضحاياها، تختلف لغاتهم ويوحدهم المجرم. احترموا حقنا في الحياة وفي العدالة، فنحن لا نكره قيمكم بل نكره سياستكم الخارجية التي هي –في أحايين كثيرة– بلا قيم.

كلمة أخيرة:
واحد، اثنين. علي محسن فين؟ هل يعقل أن يصمت قائد الجيش اليمني الجنرال علي محسن الأحمر الذي يتغزل بوطنيته وشرفه غالبية رفاقه ومجايليه، كل هذه المدّة حتى وهو يرى أبناء بلده يقصفون بقنابل كيماوية؟ موقف حق سيدي الجنرال، لله، ثم للشعب، ثم للتاريخ. إحنا مش برتغاليين احتلوا سقطرة يا فندم، ولا احنا عيال كلب. إحنا شباب بلدك: طلبة مدارس، جامعيون، حرفيون، مهنيون، ساسة، أكاديميون، حقوقيون، إعلاميون، عمّال، أطفال، ربات بيوت، شيوخ دين، عواجيز، رجال أمن، عسكريون، فلاحيون، عاطلون، أطباء، طباخون، ..إلخ. إحنا اليمنيين يا فندم علي محسن. ومعلوماتنا إن فرقتك هي الامتداد الوحيد في اليمن لجيش الثورة. لا رشيد بن عمار، ولا سامي شرف أجدع منك. ثمّة معلومات سابقة حفظناها، كذلك، تقول إن الجيش لحماية أبناء اليمن الأصليين. لم نفقد الأمل، بعد، بكل ما هو قائم. لم نفقد ثقتنا – حتى الساعة- بشرف قلبك رغم كل ما يقال، وسيقال. فرت الدموع من عيني، يا فندم علي محسن، وأنا أقرأ عبارة: أشعر بالحزن، والخزي، لسقوط ضحايا في اليمن. وردت على لسان مسؤول أوروبي، وكنا ننتظرها على لسانك!

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.