توقعات باستمرار الهطول المطري على اغلب المحافظات وتحذيرات من البرد والرياح الهابطة والصواعق    تسجيل اربع هزات ارضية خلال يومين من خليج عدن    ريال مدريد يقدم عرضا رمزيا لضم نجم ليفربول    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    الإعلان عن حصيلة ضحايا العدوان على الحديدة وباجل    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    أكسيوس: ترامب غير مهتم بغزة خلال زيارته الخليجية    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    الامارات العربية تضمّد جراح عدن وتنير ظلامها    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    ودافة يا بن بريك    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    إيران تكشف عن حجم الخسائر الأولية لانفجار ميناء رجائي    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    إسرائيل لا تخفي أهدافها: تفكيك سوريا شرط لنهاية الحرب    طيران العدوان الأمريكي يجدد استهداف صنعاء ورأس عيسى    أعنف هجوم إسرائيلي على اليمن يدمر ميناء الحديدة    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    الحذر من استغلال العليمي مبررات (إصلاح الخدمات) في ضرب خصومه وأبرزهم الانتقالي    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    وسائل اعلام اسرائيلية: هجوم اسرائيلي أمريكي شاركت فيه عشرات المقاتلات ضد اهداف في اليمن    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    مرض الفشل الكلوي (3)    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صالح يشن حرباً كيميائية ضد السكّان الأصليين..مروان الغفوري
نشر في الصحوة نت يوم 19 - 03 - 2011

فواز الفتيح، 25 عاماً. أصيب بتشنجات واضطرابات في التنفس في الحرب الكيميائية التي شنّتها كتائب الرئيس المخلوع "علي عبد الله صالح" على أبناء الشعب اليمني صبيحة يوم السبت، 11 مارس. كان أبناء الشعب، السكّان الأصليّون، يؤدّون صلاة الفجر بحسب دينهم الاسلامي الذي لم تحترمه سلطات القمع والإرهاب والنهب، ولم تبدِ حتى تفهّماً أخلاقياً لما لا تفهمه احتراماً لحق الإنسان في أن يعبد من/ما يشاء بأمان تام تحت حماية العرف الإنساني العابر للزمن والمكان. في تلك الساعة الرهيبة، التي ينفصل فيها المسلم عن وجوده المادي المحسوس ويتسامى في تجلياته غير المرئية صوب إلهه الذي يؤمن به من الأعماق، كان ابن الرئيس المخلوع وأبناء شقيقه يحتشدون لمباغتة السكّان المسلمين العُزل بغية إعادة الأمور إلى نصابها: بقاء النظام منزوع الشرعية ضدّاً لرغبة السكان الأصليين. تغيرت قواعد الاشتباك بعد هذه الحرب، المدانة دوليّاً، لكن الرئيس المخلوع لم يتغيّر. يتحدث عن الشرعية ويجهل تماماً أن مصدر الشرعية هو الجماهير وليس الأبناء والأحفاد. عندما تقف الجماهير بصدورها لكي تحمي صدرك فهي تكون قد منحتك الشرعية. لكن: أن يتسلل أبناؤك في الجنح الأخير من الليل لقتل المصلّين والمعتصمين والنائمين فعليك أن تعلم أن شرعيتك ليست فقط منزوعة بل مقلوبة تماماً: إنك مجرّد قاتل، ومشير عصابات تتحرّك في الليل. حتى رفاقك خجلوا منك، ومن لم يستقِل حتى الآن فهاهو يتدرّب على الشجاعة، ويرفع منسوب الحقيقة في تعليقاته على المشهد. رجالك يقومون – هذه اللحظة- ببروفات استرداد جزء يسير من ضمائرهم المشتّتة نتيجة عملهم تحت قيادتك كل تلك السنين. لو خرجوا الآن سنغفر لهم غداً، لأننا سننشغل بسؤال المستقبل. تزعم أنك رئيس شرعي لدولة حديثة؟ الدولة لا تتسلل في الليل يا صالح لأنها حقيقة جماهيرية علنيّة ذات امتياز أخلاقي لا يطرأ إليه شك. الدولة هي مجموعات وظيفية تعمل طبقاً لتشريعات قانونية شديدة الوضوح، ومتفق عليها من قبل جميع الطبقات، في وضح النهار. الدولة لا تقتل من تمثّلهم، ولا ترشّهم بغازات مكافحة الإرهاب، ولا تطلق عليهم الكلاب والقتلة المأجورين والماء الساخن. هذه سلوكيات لا علاقة لها بأخلاقيات الدولة، ولا بوظائفها. إن شرعيتك، التي فقعتَ بضاننا بها، تنشر كل هذا الخزي والعار، وهو ما يؤكد حقيقة أن هذا اللون من الشرعية ذات الطابع الإنتهاكي الإجرامي الغادر لا يمكن أن نكون نحن الطيبين، الألين قلوباً، مصدراً له.
بالعودة إلى الشاب فوّاز. أدخل مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا بتشجنات في عضلات جسمه، اختناق، وهيجان شديد. تحسنت حالته بعد ساعات. عاد إلى الميدان، شارك رفاقه الاعتصام. حدث بعد 12 ساعة من تعرضه للسموم أن انتابته ذات الأعراض – بعد صلاة المغرب- فنقل إلى المستشفى الألماني الحديث. عولج في القسم الاعتيادي، لكن حالته اضطربت في الليل ودخل في نوبة تشنجات في عضلات جسمه وهيجان شديد وعرق – بحسب معلوماتي الدقيقة التي حصلت عليها من أطباء المستشفى- وأدخل إلى العناية المركزة. ليس فوّاز الفتيح فقط هو الذي يمر عبر هذه الدورة من الأعراض. هذه دورة السم، ويعتمد الأمر كما يعتقد المعالجون على أمور كثيرة بعضها متعلقة ببنية المريض الجسمانية، ونشاط أجهزته الداخلية، والبعض الآخر يتعلق بنوع السم ودرجة التعرض له والشروط اللوجستية المحيطة بفعل التعرّض. أطباء المستشفى لا يعرفون شيئاً عن الغاز، لكن لديهم تخمينات فقط. مدير المستشفى الألماني الحديث، جراح مخ وأعصاب، نقلت عنه وكالة سبأ للأنباء قوله "إن الغازات المستخدمة هي غازات مسيلة للدموع ولا تسبب أي أعراض عصبية". الجريمة تتمثل في أن د. يحيى الثور – حاصل على شهادة التخصص من ألمانيا- لم يصرّح لوكالة سبأ، كما ذكر في بيان التكذيب المنشور في موقع مأرب برس. فضلاً عن أنه يعتقد، على مستوى شخصي، بأن الغازات المستخدمة سامة وليست مسيلة للدموع. هذا الاعتقاد ورد على لسانه شخصياً في حديثه مع أطباء مستشفاه بعد معاينة الحالات، لكني أستغرب كيف تجاهل الإشارة إلى أصل القضية في بيان التكذيب المنشور. ولماذا كان متحمساً لتكذيب خبر كهذا؟ إلا إذا كان متيقناً – على أسس علمية- من عكس ما أوردته وكالة سبأ للأنباء. بمعنى: يقين الدكتور الثور أن الغاز سام بصورة قاطعة. كانت لهجة التكذيب التي استخدمها د. الثور حادة، وشجاعة. فمن المؤكّد أنه لم يكن يدافع فقط عن "المهنية الإعلامية" التي طالب باستقامتها، بل عن المنطق العلمي والمهنية العلمية. لا أدري هل يجدر بالصديق العزيز نصر طه مصطفى أن يجري تحقيقاً في الوكالة التي يرأسها ليعرف مصدر هذا التدليس والكذب والافتراء، كون الأمر يتعلق بحياة بشر يرقدون في المستشفيات الآن واحتمال تدهور صحتهم وارد على نحو كبير. أتمنى كذلك من وسائل الإعلام المستقلة أن تتواصل مع د. يحيى الثور، وأن تضعه في مواجهة أخلاقية مع الحقيقة، وأن يقول ما يعتقده علميّاً بعد معاينته للحالات المحتجزة في مستشفاه. أنا أثق في أنه قادر أن يثبت كعادته أنه الرجل الصحيح الذي أدى قسم أبقراط عند تخرجه. على وجه التحديد المادة 2 من قسم أبقراط: أقسم على أن أبذل قصارى جهدي لتأمين وضمان حقوق كل المرضى، خاصة تلك المجموعة المعرضة للخطر الشديد، والتي لا تملك الوسائل الكافية للتعريف بحقيقة مشاكلها!

رفاق الشاب فوّاز – الذين سقطوا في الحرب الكيميائية الأخيرة في صنعاء- ظهرت عليهم ذات الأعراض. كان د. حسني الجوشعي، استشاري الأعصاب والحاصل على شهادة التخصص من جامعة داندي في اسكتلندا، يتحدث لوسائل الإعلام عن غاز سام يستخدم ضد المعتصمين المطالبين برحيل الرئيس صالح. بادر رجال الأمن القومي – المتنكّرون في زي أطباء- إلى مؤتمر صحفي تنكّري، شبيه بحفلة الروزنمونتاغ، أول الربيع، حيث يكون من حق كل مواطن أن يتنكر بالزي الذي يحبه من زي المسجونين إلى زي الكاهنات، وما بينهما. تحدث وزير الصحّة نيابة عن الكتيبة الأمنية في المؤتمر. زعم أن ما يقال عن الغازات السامة مجرّد افتراء وكلام سياسي، والدليل "قالوا له" بتاعة عادل إمام في مسرحية شاهد مشفش حاجة. أتحفنا وزير الصحّة، الغارق في قضايا فساد حتى الدور الثالث، بالقول أن وزير الداخلية – واخد بال حضرتك- أعطاه عينات من القنابل المستخدمة، وتأكد أنها "عادية يعني، فين المشكلة"! يا عيني عليك يا حبيب والديك. وإيه كمان؟ اشجيييييني. إنتَ ما بجّيش ليه؟ مش تبقى تييجي. اكتِب يا حسين اكتِب.
يمكن وضع الصورة في إطارها الكلي الآن. نشر المصدر أونلاين نقلاً عن قائد أمني كبير- أصيل وبن بلد - رفض الإشارة إلى اسمه أن القنابل المستخدمة في مواجهة المعتصمين هي من النوع السام المستخدم في مواجهة الإرهاب. وأكّد للمصدر أن هذه القنابل تستخدم لشل حركة الإرهابيين. قال إنها (تسبب اختناقات ورعشه وقيد حركة الجسم في المكان لتسقط على الأرض فاقدا للوعي. وأنها قد تسبب الوفاة.). كشف كذلك عن امتلاك اليمن لكميات كبيرة من هذه القنابل قدمت لها من قبل الولايات المتحدة الأميركية ضمن مشروع التنسيق في مكافحة الإرهاب. من المتوقع أن العسكريين الأميركيين قد شرحوا "لشوية العيال المنفوشين ع الفاضي" كل ما يتعلق باستخدام هذه القنابل. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن عُويلة صالح قد استخدموها عن سبق إصرار وترصد ودراية وقصد. أي أننا نتحدث عن اكتمال أركان القتل الذي يرتقي من كونه "شبه عمد" إلى عمد مؤكّد. حط ديه في الملف عندك يا حسين.
هناك مغالطات إشكالية مهزوزة على نحو: لماذا لا يعاني كل المصابين من نفس الأعراض؟ في الواقع، أطلق نوعان من القنابل: قنابل مسيلة للدموع، سي إس، عادية من أدوات مكافحة الشغب "Riot control "، وقنابل سامة تستخدم في مكافحة الإرهاب والسيطرة في ساحات "المواجهة مع الخطر القاتل". هكذا بكل بساطة، اللغز مش محتاج الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان عشان يحلّه. يعني المفروض على من استنشق سم القنابل المسيلة للدموع أن يبوس إيده "شعر ودقن" بتعبير اللمبي في فيلم اللي بالي بالك. لأن البديل هو"السم" والنوم في العناية المركزة! اكتبها دي برضه يا حسين.
بعد هذا التقديم، ما هو الغاز المسيل للدموع؟ ما المكون الكيميائي فيه؟ ما الذي يحدثه؟ ما هي أسوأ عملية تسمم من الممكن أن يسببها؟ أتحدّث هُنا كمدرّس في كلية الطب، وليس ككاتب صحفي. هناك قائمة طويلة للغازات المسيلة للدموع، أشهرها وأقلها ضرراً هو كلوروبينزايليدين مالونو- نيترايل (o-chlorobenzylidene malononitrile) ويرمز إليه تقليديا ب CS "Captor Spray" أو الرذاذ الآسر.أتوقّع أنكم استمعتم لوزير الصحة وهو يهجّص: سي إس سي إس سي إس.
اكتشف الغاز في العام 1928. ومن` ذلك الوقت، حتى الآن، لم يثبت أنه تسبب في أي وفيات من أي درجة، بما في ذلك عندما استخدم في فيتنام من قبل الجيش الأميركي. وهذا هو الشرط القانوني لاستخدامه: أن لا يكون ضاراً بالصحة، ولا بالوظائف الحيوية، وأن تكون نسبة احتمال الوفيات الناتجة عن استخدامه قريبة من الصفر. الحكاية مش بلطجة، ولا هي هزار. فنحن بصدد غاز سيستخدم ضد مواطنين في حالات موصوفه قانونياً وأخلاقياً. بالنسبة لهم – المواطنين- فكل الشرائع والقوانين تعمل على حمايتهم حتى وهم في حالة "الشغب المدني". ففي طرفة عين- في أي دولة في العالم- سيقدم رأس المتورط بإزهاق روح واحدة إلى العدالة، كائناً من كان. لأننا نعيش زمناً – كما قال القذافي قبل ثلاثة أعوام- لا يمكن لأحد فيه أن يفعل فعلته ويهرُب! ودي هتكتبها ازاي يا حسِين؟
بمناسبة الغاز المسيل للدموع: يستخدم الغاز في الرايوت كونترول، أو مكافحة الشغب. حتى القنابل غير السامة، مع السامة، التي ألقيت على المعتصمين في صنعاء أطلقت عليهم أثناء النوم والصلاة. وطبقاً لأبجديات القوانين المحلية والدولية فإنهم لم يكونوا في حالة شغب، ولم يكونوا منتهكين لقانون بل على العكس يمارسون حقاً قانونياً أصيلاً وأثيراً. وفي هذه الحالة يعتبر إفزاعهم على النحو الذي رأيناه – بغض النظر عن السم المستخدم- فعلاً إجرامياً يستدعي المحاكمة الفورية لكل من تورط فيه.
آلية عمل الغاز المسيل للدموع: بمجرد أن تلتصق جزيئات الغاز بسطح جسماني رطب – مثل الأغشية المخاطية، وأنسجة العين الخارجية- فإن الشخص يعاني من إحساس شديد بالحرقان، وهو ما يجعل الشخص يغلق عينيه بقوة. السعال، والنزول الأنفي واحتقان الأغشية المخاطية هي الأعراض الشائعة لهذا الغاز. أما أسوأ ما يمكن أن يسببه هذا الغاز فهو التقيؤ المفاجئ والدوخة والتوهان المؤقت. ينتهي مفعول الغاز "تماماً"- طبقاً لأشهر المراجع الطبية العالمية- في خلال دقائق. أمر شديد الأهمية متعلق بهذا الغاز وهو أنه ليس له خصائص تأثير مركزية. بمعنى لا يُمتص عبر الأنسجة ومنها إلى الدم فالقلب فبقية الأعضاء. لذا فإن كافة العمليات الحيوية – الحرارة، ضغط الدم، الوعي، نبضات القلب، التنفس- تبقى كما هي بتغيرات طفيفة نتيجة الفزع والارتباك. وهو ما لم يحدث مع الغاز المستخدم ضد المتظاهرين في صنعاء وعدن إذ بدا واضحاً أنه من النوع الذي يؤثر على الوظائف الحيوية، وصولاً إلى الجهاز العصبي المركزي (الدماغ)! درستها دي يا حسين؟
هذه هي قصة الغاز المسيل للدموع. يتضح منها أنه لا وجود بالمطلق لأعراض "عصبية" مركزية، كالتوهان وفقدان الوعي الممتد والغيبوبة، أو أعراض طرفية كالتشجنات وتقلص العضلات، بفعل المسيل للدموع التقليدي المسموح به دوليّاً( CS). بمعنى: ما حدث من وذمات "استسقاءات دماغيةBrain Oedema" بحسب صور الأشعة المقطعية التي أجريت للمصابين في مستشفيات اليمن - ولدى اللجنة الطبيّة بقيادة الدكتور الجوشعي ملف بذلك- لاعلاقة له بالغاز المسيل للدموع. طبعا سمعنا كلاماً عن "قلوية الدم" التي بدورها أدت إلى نقص للكالسيوم المؤيّن، وهو ما تسبب في الصورة الإكلينيكية التي ظهرت على هيئة "كاربوبيدال سبازم"، بالرغم من أنها كانت فقط "كاربال سبازم فقط!" (كلمتين للأطباء، أرجو من القارئ أن لا ينفصل عن النص). هذا الهجص الغبي الذي قالته اللجنة الطبية يطرح سؤالاً أخلاقياً حول إمكانية نزع تصريح مزاولة المهنة من كل أفراد كتيبة الوزير الأمنية التي ظهرت في المؤتمر الصحفي. فالتهريج الذي أبدته تلك الكتيبة هو نوع ضار من المزاح المحرّم أخلاقياً. كما لا يقل في ضرره عن الجريمة نفسها.
دعونا نتذكر أن الرئيس المصري المخلوع – أنا مكيّف على كلمة مخلوع- استخدم كل مخازن وزارة الداخلية من القنابل المسيلة للدموع، حتى أن اللجنة الدولية للتنمية والحقوق – مقرها النرويج- أفشت معلومات تتحدث عن تزويد إسرائيل لمبارك بكميات جديدة من السي إسCS بلغت حمولتها 3 إلى 4 طائرات. استخدمت إسرائيل هذا النوع من القنابل لحوالي ثلاثة عقود من الزمن ضد المتظاهرين الفلسطييينين. استخدمها الرئيس التونسي المخلوع بكميات رهيبة ضد المتظاهرين، والأميركان ضد المقاوميين الفيتناميين في سراديب القرى والنجوع. لم يحدث- أؤكد: لم يحدث- أن وجدت حالات تسمّم على النحو الذي رأيناه في اليمن. الصورة الكلاسيكية للأعراض في المشهد اليمني: أعراض غير منتظمة من الهياج والعرق والاختناق وتسارع ضربات القلب ولاانتظاميتها، والتوهان الذي يصل إلى فقدان تام للوعي. بعد فترة ملاحظة وعناية يحدث تحسن مؤقت للمريض، ثم الدخول من جديد في دورة عصبية مخيفة، تدفع الأطباء المفزوعين في أحيان كثيرة- كما حدث مع أطباء الألماني الحديث، والعلوم والتكنولوجيا- إلى اصطحاب المريض إلى غرفة العناية المركزة. اطلعت شخصياً على عشرات الفيديوهات لشباب، زي الورد اللي فتّح في جناينك يا مصر، وهم في حالات هيجان وتشنجات مقلقة بينما يحاول الأطباء ربط أقدامهم وسواعدهم إلى عمدان سرائر المستشفى. هل هذا هو غاز ال CS يا فندم راصع؟ وإلا مكنش مقرر عليك في البكالوريوس زيّنا؟ تلاقيك وساطة يا عم، وإلا بتبرشم، ونجحت في مادة السموم بالصلاة ع النبي! اللي ادّاك يدّينا. اكتِب يا حِسين اكتِب.
الآن، بعد أن استخدم النظام الفاشي، القاتل، الساقط ضد المواطنين اليمنيين- أبناء البلد الأصليين منذ خمسة ملايين سنة- غازات مكافحة الإرهاب عن قصد ودراية ونيّة. بعد أن أفزع آلاف الأسر النائمة في بيوتها على وش الفجر: أبناؤكم يموتون في الخيام، كما في المكالمات التي تلقوها. بعد أن وزّع القناصة على أسطح المنازل، وأمرهم بإطلاق النار في اتجاه "آلاف البشر". بعد أن كذب في وسائل الإعلام: ما حدث هو مواجهة بين المواطنين والمعتصمين، ثم عاد أمام فضيحة السموم فقال "استخدمنا قنابل عادية" معترفاً بقيامه بالعملية ومنكراً في الوقت نفسه. بعد أن استخدام القنابل الصوتية التي أدّت إلى حدوث انفجارات دماغية لدى البعض- طبقاً للبروفيسور طارق نعمان، حاصل على التخصص من إنجلترا. بعد أن ... إلخ. بعد أن أرسل سمساره إلى ليبيا لجلب المال المسموم اللازم لبقاء البلطجية والمأجورين في مواجهة أبناء البلد الأحرار، بعد أن وقف قائد عسكري كبير، كان شاهد عيان يوماً – العميد الجائفي- أمام مئات الآلاف وخاطبهم بالقول: علي عبد الله صالح هو الذي قتل رئيسكم الحمدي، وهذه شهادتي للتاريخ. بعد .. إلخ. بعد، وقبل، وأثناء، دعونا نصعد بالثورة إلى المرحلة الجديدة من السيرة اليمانية الكبيرة: الشعب يريد محاكمة رئيس النظام.
لسدنة النظام العالمي والعدالة العالمية نقول: لقد حاكمتم صدام حسين بسبب قنابله الكيميائية ضد بلدة الدجيل، واخترتم هذه الجريمة دوناً عن عن كل سيرة حياة صدام حسين في قصور بغداد. لدينا في اليمن كيميائي آخر، والكيمياء هي الكيمياء كما علمتمونا. ونحن نقول لكم: وضحاياها هُم ضحاياها، تختلف لغاتهم ويوحدهم المجرم. احترموا حقنا في الحياة وفي العدالة، فنحن لا نكره قيمكم بل نكره سياستكم الخارجية التي هي – في أحايين كثيرة – بلا قيم.

كلمة أخيرة:
واحد، اثنين. علي محسن فين؟ هل يعقل أن يصمت قائد الجيش اليمني الجنرال علي محسن الأحمر، الذي يتغزل بوطنيته وشرفه غالبية رفاقه ومجايليه، كل هذه المدّة حتى وهو يرى أبناء بلده يقصفون بقنابل كيماوية؟ موقف حق سيدي الجنرال، لله، ثم للشعب، ثم للتاريخ. إحنا مش برتغاليين احتلوا سقطرة، يا فندم، ولا احنا عيال كلب. إحنا شباب بلدك: طلبة مدارس، جامعيين، حرفيين، مهنيين، ساسة، أكاديميين، حقوقيين، إعلاميين، عمّال، أطفال، ربات بيوت، شيوخ دين، عواجيز، رجال أمن، عسكريين، فلاحيين، عاطلين، أطباء، طباخين، ..إلخ. إحنا اليمنيين يا فندم علي محسن. ومعلوماتنا إن فرقتك هي الامتداد الوحيد في اليمن لجيش الثورة. لا رشيد بن عمار، ولا سامي عنان أجدع منك. ثمّة معلومات سابقة حفظناها، كذلك، تقول إن الجيش لحماية أبناء اليمن الأصليين. لم نفقد الأمل، بعد، بكل ما هو قائم. لم نفقد ثقتنا – حتى الساعة- بشرف قلبك رغم كل ما يقال، وسيقال. فرت الدموع من عيني، يا فندم علي محسن، وأنا أقرأ عبارة: أشعر بالحزن، والخزي، لسقوط ضحايا في اليمن. وردت على لسان مسؤول أوروبي، وكنا ننتظرها على لسانك!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.