لم يكن حلم وهدف ثوار ثورة 26سبتمبر القضاء على نظام حكم بيت حميد الدين الكهنوتي المستبد فقط، بقدر ما كان هدفهم الأول والجوهري هو القضاء نهائياً على فكرة الإمامة، القائمة على اشتراط الحكم لكل من انتسب “للبطنين” أي الحسن والحسين عليهما السلام، وإنهاء المشروع الإمامي ذي النزعة السلالية والفردية المقدسة. وعندما انطلقت شرارة الثورة السبتمبرية فرّ الإمام البدر إلى الحدود السعودية، وهناك توفرت له عوامل البقاء والصمود ومحاربة الثورة بدعم خارجي وبدأ يستعيد نشاطه ويجمع حوله المناصرين ويمدهم بالمال والسلاح، مستغلاً في ذلك التخلف والجهل والأمية لدى عامة الناس، وأن الإمام معصوم ومؤيد من الله وعليهم طاعته، ونصرته، ودارت رحى الحرب بين الملكيين والجمهوريين على مدى ثمان سنوات، حتى انتهى بهم الحال إلى مؤتمر المصالحة عام 1970م. وهذا لا يعني زوال الفكر الإمامي المذهبي الاستعلائي، وإنما مرّ بفترة ركود وجمود، مترقباً أي لحظة سانحة تعيد له مملكته الضائعة. واليوم وبعد خمسين عاماً على قيام ثورة 26سبتمبر المجيدة وإنهاء الملكية والرجعية.. مازلنا نسمع أصوات الإمامة تظهر بين الحين والآخر.. وبدأنا نشتم روائح مخلفات الحكم الإمامي تنادي بالسلالية والاصطفائية، وما الوثيقة الفكرية للحوثي إلا دليل دامغ على أن هناك ملكيين جدداً يرتبون أمراً، ويحاولون فرض ما يعتقدون به بالعنف والسلاح. وعقب ثورة 11فبراير السلمية ورحيل نظام الفرد والأسرة، والذي كان في طريقه نحو الملكية الثانية وبصورة أشد قبحاً واستبداداً، وتوصل اليمنيين إلى تسوية سياسية عبر المبادرة الخليجية لتسليم السلطة سلمياً.. ما زالت أحلام الإماميين “الحوثيين” والملكيين الجدد تراودهم لاستعادة ما فقدوه، يغريهم في ذلك سيطرتهم على صعدة، ونزوعهم نحو العنف والسلاح، معتمدين في ذلك على تحالفات جديدة يراهنون عليها، وعلى فائض من “أموال الفقيه” لشراء الولاء وكسب المتعاطفين ونشر الفكر الحوثي والتشيع وبالذات “التشيع السياسي”. فهناك تحالف غير معلن بين الحوثيين، ملكيي الأمس، وبين بقايا نظام صالح الرافضين لإرادة التغيير، ملكيي اليوم، ومعهم طابور طويل من سياسيين ومثقفين وصحافيين، ليبراليين وحداثيين وقوميين ممن كانوا دعاة التحرر ورافعي راية العروبة والوحدة والمشاريع الكبرى، وصدعوا رؤوسنا بمقارعة المستبد والحاكم، وأنهم النخبة المثقفة التي ستقود عجلة التغيير، واليوم نراهم يرتمون في أحضان الطائفية والمشاريع الصغيرة العصبوية، واستبدلوا القومية العربية بالقومية الإيرانية، في انتكاسة معيبة بحق هؤلاء النخب المثقفة والسياسية “كما يحلو لهم تسميتهم” التي تلّون جلدها ومواقفها حسب الدفع الأكثر. ملكيو الأمس هاشميون معروفون، يدّعون لأنفسهم الاصطفاء، الوصاية على الشعب.. حاربوا الثورة والجمهورية سنين طوالاً من خارج الثورة، وبأموال مجاورة وأما ملكيو اليوم فهم خليط متعدد الأفكار.. يحاربون الثورة السلمية من داخل الثورة وباسم الثورة وإنقاذ الثورة.. ملكيو اليوم الجدد أكثر ملكية من الملكيين أنفسهم وإن تنوعت أسماؤهم وانتماءاتهم الفكرية سواء كانت يسارية أو قومية.. فهناك مثقفون وصحافيون وسياسيون قوميون يهرولون نحو صعدة لمباركة السيد الحوثي وتهنئته بيوم الصرخة بل إن هناك من يدبجون قصائد المديح والإطراء في الفكر الحوثي، ويدافعون عن الحوثيين باستبسال، بل ويشيدون بدهاقنة الإعلام الصالحي، يرفضون الثورة إن لم تضعهم في الصدارة يمارسون الإقصاء ونبذ الآخر إن لم يوافقهم آراءهم الآخرون، يرفضون الوصاية الأجنبية بينما نراهم يلهثون وراء العمالة الإيرانية.. وما خلايا التجسس العميلة لإيران التي أميط عنها اللثام أخيراً من قبل الأجهزة الأمنية اليمنية إلا انتكاسة ووصمة عار في جبين هؤلاء، وكما عاثوا فساداً في ثورة 26سبتمبر يريدون إفشال ثورة 11فبراير السلمية.. ولكن هيهات هيهات لما يتمنون.. الملكيون الجدد خطر داهم على نسيج المجتمع اليمني، لأنهم يعيثون فيه فساداً وتفكيكاً وتمزيقاً.. فهم يمتلكون القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية والصحف الصفراء وما أكثرها ويسخرونها لمهاجمة الثورة وإفشال التسوية السياسية للمبادرة الخليجية والتي وافق عليها أكثر من 7ملايين يمني باختيارهم الأخ عبدربه منصور هادي رئيساً جديداً لليمن.. وهنا يجب على كل الشرفاء والمخلصين وأحرار هذا الوطن تعرية هذا الخليط الملكي وفضح مخططاتهم وأفعالهم أمام الجميع، ليعيش الوطن سعيداً دون نفايات ومخلفات إمامية جديدة قديمة.