بدأنا ندخل نفقا مخيفا ، لم يعد المرء في هذا الزمان بحاجة الى اصدقاء في الحارة أو في المدرسة ، الشبكة العنكبوتية (الفيسبوك) باتت توفر له فرص الحصول على المئات من الأصدقاء بضغطة زر وأيضا تمنحه الحق في ان يخلع أي صديق لم يناسبه مقاسه أو تصرفاته بضغطة زر !. في اطار الشبكة لن تحتاج الى ملاحقة زميلتك في الجامعة أو جارتك في الحارة بنظرات دافئة ، بإمكانك وبضغطة زر ان ترسل اعجابك لأي زميلة في الشبكة حيث لم تعد الجنسية تشكل اهمية ، فإذا لم تتوفر لك فرص التعرف على صديقة يمنية فإنك حتما ستتمكن من ربط صداقات مع لبنانيات ومصريات ومغربيات وسعوديات وتونسيات وبدلا من ان تصادق (لول) النكدية ستصادق بضغطة زر (مارينا) المتحررة ! أتذكر في الجامعة قبل اكثر من خمسة عشر عاما كانت اكبر امنياتي ان اجد مناسبة اقول فيها (لمعيدة) انها تمتلك روحا استثنائية وبعد ظهور الشبكة بات من السهل ان أقول لأي امرأة انها شغفت قلبي حباً واني لا استطيع العيش بدونها ، كل شيء تغير ، الصداقات والمشاعر حتى طريقة التفكير في المستقبل بدأت تحول حياتنا الى صفقات كبيرة وصغيرة حيث صار بإمكان أي شخص وضيع ان يوجه نقذا لاذعا ومحرجا لشيخ دين او لرئيس دولة ، بدأنا نعيش بالفعل عالما مفخخا ومن الصعب في هكذا واقعاً ان نتجاوز حقيقة ان دخول الشبكة ليس مثل خروجها والسبب انك بعد الظهور على العالم الالكتروني تضع من حيث لا تعلم بصمة كبيرة في حياة اشخاص قد لا تعرف صورهم لكنك تصبح رقما صعبا في حياتهم . بدأت وأنا الذي اقضي اكثر من خمس ساعات يوميا داخل الشبكة أحن الى العالم القديم ، أحن الى الساعة التي كنت انتظر فيها طالبة في الثانوية امام مدرستها لأكثر من ساعتين أحن اليها تحدق في الاسفلت ولاتلتفت الى روحي التي تظل تطاردها في الحارات القديمة الى ان تصل منزلها ، الطالبة إياها صارت زوجتي مع فارق اننا الآن مالم نتحدث الى بعضنا فإننا نتبادل المشاعر بواسطة رسائل ال sms ، صارت المشاعر هوائية وصار الحب الكترونياً!. الخيانة في الشبكة لاتحتاج لأن تطلب من صديقتك ألا تضع (احمر شفاه) حتى لا تظهر بصمتها على قميصك أو خدك ، الخيانة الالكترونية تحتاج فقط الى كاميرا وامرأة تقبل ان تتعرى وهي ترقص امامك وامام غيرك من دون موسيقى !. زمن طارد للأمان ولروح الحياة البسيطة كل شيء اصبح فيه سهلا ومخيفا ، كان أبي رحمة الله تغشاه يرفض قبل اكثر من ثلاثين عاما ان تذهب شقيقتي الى السينما لتشاهد فيلم عمر المختار أو الرسالة او حتى فيلم جميلة بو حيرد ، الأن السينما دخلت الى بيوتنا والى هواتفنا وباتت الشعوب في اقل من عشرة اعوام محاصرة بثقافة تعتمد على (القبلة) كأساس في تجميع الناس على رأي واحد ، لا فرق بين عربي وعجمي إلا بمدى قدرة احدهما في التعامل مع شبكة غبية وجمهور ذكي ! بعد عشرة اعوام من الآن لن تستطيع ان تروي لأطفالك حكايات جدهم الا بواسطة جهاز محمول ، ستخبرهم انه كان فهلوياً في القرصنة على حسابات الغير وانه بضغطة زر كان يحرك مسيرات ثورية ويدفع من خلال جهاز ينطق خمس لغات بشباب تافهين ليغتصبوا احلامهم وطموحاتهم ، جدي انا كان قاضيا بعمامة وعصا غليظة لذا مازلت حتى اللحظة اروي لأبنائي حكاياته تعيدهم الى عصر (سي السيد) وعبارة (انا فدى عرفك) اخوض معهم بين الضغطة والاخرى تفاصيل الفارق الكبير بين زمن تحكمه قيود وزمن تحكمه قرود واهلا بكم تحت تأثير ثقافة ان العالم صار قرية (زغيرة) وليس صغيرة ودمى جثث متحركة !.