باريس – نبيل عبد العزيز: لم يكن من السهل الحصول على حوار مع الفنان العربي العالمي عمر الشريف، فهو في حالة نفسية سيئة بعد وفاة صديق عمره الفنان أحمد رمزي، وحالته الصحية ليست على مايرام وشائعات إصابته بمرض الزهايمر تملأ الصحف، ولكن فكرة الحوار عن السفر والترحال جعلته يوافق على عدة دقائق على إحدى مقاهي باريس في ساعة مبكرة وهو يشرب فنجان من القهوة ولكنها امتدت لأكثر من ساعة، فقد مل الحديث عن السينما ومشواره الفني، ولكنه تحمس للحوار عن السفر. - هل يمكن أن نقول أن عمر الشريف هو الرحالة العربي رقم واحد..؟ - (أجاب بعد تفكير) لا أعرف فقد سافرت كثيراً جداً، ولا أعرف إن كان هناك شخص عربي سافر اكثر مني أم لا، أنا تنقلت بين دول العالم ممثلاً وسائحاً وهارباً في بعض الأحيان من الدنيا والضجيج، ولكن عمر الشريف كان يطاردني في كل مكان..! - ماذا تقصد بأن عمر الشريف يطاردك..؟ - أحياناً كنت أهرب في مدن بعيدة وأماكن وجزر صغيرة لأستريح وأبحث عن لحظة خصوصية، ولكن هذا لم يحدث، فالناس تعرفني في كل مكان، ولا أستطيع أن أعيش في هدوء أو أستلقي على شاطئ للراحة دون أن أجد من يقترب مني ويتحدث معي ويطلب التصوير. - هل يزعجك المعجبين..؟ - ليس دائماً، أحاول أن ألبي رغبات الناس وأفهم أحاسيسهم، ولكن أحياناً أخرى أشعر بأنني أريد لحظة مع نفسي فلا أجدها، (ثم ابتسم) وها أنت تزعجني في الصباح الباكر وأنا أتناول قهوتي. - ألم تفكر في السفر إلى الفضاء مثلاً لتبتعد عن الأرض كلها..؟ - (يبتسم) فكرت وأتمنى ذلك ولكن ربما لن يكون في العمر بقية لأرى السياح يسافرون للفضاء، وإذا فعلتها فهل ستتركني الكاميرات..؟ - أعرف أنك سافرت كثيراً، ولكن هل تستطيع أن تقول لنا ما هو المكان الذي تفضله في هذا العالم..؟ - سافرت إلى أماكن ربما نسيتها ولا أتذكر حتى أسمها، وسافرت إلى أكبر مدن، وأقمت في أفخم فنادق في العالم، ولكن يظل الحنين يأخذني إلى مدينة الاسكندرية التي أتمنى أن تكون محطتي الأخيرة. - رغم كل ما شاهدته في حياتك ونجومية عالمية ألا تزال تحتفظ بذكريات الاسكندرية..؟ - الاسكندرية ليست أفضل مدن العالم، ولكن طبيعة الإنسان أنه يحن إلى الماضي ومراحل الطفولة والصبا والشباب، والمكان الذي ولد فيه، أفضل وأجمل ذكرياتي كانت هناك في شوارعها ومدرستها الشهيرة (فيكتوريا كوليدج) التي تزاملت فيها مع يوسف شاهين واحمد رمزي وعدد من الأمراء والملوك في العالم، لا يمكن أن تنسى لحظات السعادة والمرح والصداقة الحقيقية، ولم أكن مشهور وقتها، وربما لم أفهم جمال تلك اللحظات إلا بعد أن ذهبت، وأحمد رمزي محظوظ لأنه مات فيها وقضى أيامه الأخيرة بعيداً عن الناس. - وغير الاسكندرية أي الأماكن تفضل..؟ - الكثير من الأماكن، فالمدينة ليست هي الشوارع والطرقات، ولكنها الأصدقاء والناس الذين تحبهم، والثقافة وسلوك الناس، لذلك أحب باريس جدا وأحب موناكو وروما واثينا، الذكريات الجميلة هي سر عشق المكان، وليس المكان نفسه. - هل تخاف من ركوب الطائرات مثل صديقك أحمد رمزي..؟ - (يبتسم) أحمد رمزي كان رقيق المشاعر ومحب للحياة ويرفض القيود، وكان يرى أن الطائرة قيد، لكنه عندما يقود السيارة يقودها بجنون وبدون خوف، لأنه هو قائدها، أما أنا فلا أحب قيادة السيارات، ولا أمتلك سيارة واحدة، وأحب أن يقود شخص آخر السيارة لي، وأعتبر الطائرة سيارة خاصة كبيرة، وأسعد بالحديث مع الناس في الطائرة وفي التاكسي وغالبا ما تكون الأحايث ودية وأتعرف على الناس أكثر. - معروف عنك أنك لا تحب أن يدعوك أحد على تناول الطعام، وتفضل أن تكون أنت صاحب الدعوى، وتأكل دائماً في المطاعم الراقية، فما السبب..؟ - أنا غير معتاد على تناول الطعام في المنزل، وأحب أن اتناوله في المطاعم والفنادق، وأحب تجربة الأشياء الجديدة وحفظ أسماء الأكلات، الطعام ثقافة مثل قراءة الكتب والروايات، وهناك طهاة معروفين في العالم أحب تناول أكلاتهم، خاصة في باريس وروما وفي اسبانيا، وطبعا أحب الأكلات المصرية وأحن إليها كل فترة. - ومسألة رفض الدعوات..!؟ - أرفض أن يدعوني أحد لأنني أخجل من طلب أطباق غالية، ولكن إذا كنت أنا صاحب الدعوة أطلب ما أريد، وأنصح المدعوين بالأطباق الجميلة، أشعر أنني على حريتي، ولذلك عندما يدعوني أحد أشترط أن أدفع أنا الفاتورة. - بعد هذا المشوار الفني الطويل هل يمكن أن نشاهد عمر الشريف في عمل جديد..؟ - (يرد مستغرباً) إحنا مش قولنا مفيش كلام عن الفن..!! وبضحكة صافية انتهى الحوار مع النجم العالمي الذي لا يزال يمتلك نجومية جارفة في العالم، فقد توقف العديد من الناس من مختلف الجنسيات أمامنا ونحن نجري الحوار طالبين التصوير معه، وحتى إذا كان المشوار الفني الطويل قد توقف، فلا يزال مشوار السفر عند عمر الشريف مستمراً.