تشعرني الكتابة بشيء داخلي من الاستنزاف البطيء... إنني أفعل ذلك الآن مغرما كي أجسد حالة من حالات القسوة في حياة لا تكف عن تنغيصنا وتعكير صفونا لتبقى شاهد قبر يسفه الريح بعنف وهو لا ينمحي.. هذا الإنسان الذي لا يعرف كيف يتدبر قوت يومه وماذا يفعل بكومة أطفال لا يمكنه أن يجعل عيونهم مضاءة بفرحة طفولية في يوم العيد ...إنه سيكسر عيونهم بيديه المفرغتين وسيخدش قلوبهم بعد صلاة العيد مباشرة لأن جيوبهم الخاوية لن تكون مصدر فرحتهم أمام عيون الأطفال الذين يتهافتون على ألوان ملابس العيد... ذلك أن كثيراً من الذين يتدبرون أقواتهم هم في حقيقتهم يقتاتون على حياة من لا يعرفون كيف يتدبرون أقواتهم. لم يتبق لهم شيء.. لقد رضخوا لكل شيء قاس في هذه الحياة حتى الموت لا يفي بالغرض ...ذلك أن الموت كل ما يمكنه فعله هو أن يكون نهاية مفزعة لبدايات جميلة في حياة يغرق فيها الطيبون جوعاً حد تخمة الأغنياء. الفقر هو الحالة الإنسانية المعرضة للذبح والهتك عن طريق التجاهل والاهتمام بالانشغالات اليومية. أحاول أن أستجمع نفسي وأخفف من حزنها وأنا أستذكر رحلة الآلام والمعاناة للإنسان اليمني منذ أيام الإسلام الأولى حين كان يجمع الأشعريون من أبناء اليمن ما تبقى من طعامهم ويقتسمونه بالتساوي... واقعنا الآن لا يختلف كثيرا عن ذلك الواقع وفي عصر الحداثة وما بعد الحداثة حيث أصبح اليمني رفيقاً دائما للأرق الليلي وهو يقضي هزيع الليل الأخير يدخن سيجارته بجانب زوجته الغارقة في نومها ويشعل ذاته تفكيراً بحق الإيجار وكيف يتدبر مصروفه اليومي. خلافا للقوانين الكونية ومؤشرات الصعود لإنسان الخليج “ الزبون الدائم للكبسة والزربيان “فإن اليمني لا زال يعيش حالة انحدار في الكرامة الذاتية والمستوى المعيشي... كان ذلك شعوراً دائماً لا مفر منه كلما تقدمنا أكثر وانخرطنا أفقياً في عصر “مراقص الثعابين” الذي رقص على جراحنا وبطوننا الفارغة أكثر من ثلاثين سنة ولم يفهم حتى الآن معاني كلمات من مثل “ التغيير- واقع جديد مستقبل بلا صالح ولا كهرباء نووية”. ترددت كثيراً وأنا أكتب عن فقر الإنسان اليمني لاعتقادي بأن حلوله يجب أن تكون في يد الحكومة التي عليها أن تتعامل مع الفقر بجدية ... إنني أخشى أن تظن الحكومة في يوم من الأيام أن دورها هو دور جمعية خيرية وحتى لا يعتقد المسؤول في الدولة بأنه عبارة عن فاعل خير.... هذه مسؤوليتهم تجاه الحد من سلطة الفقر القهرية وانهماك الإنسان اليمني في يوميات الرغيف الصعب واللقمة الهاربة... إنها معركة اليمني التي تجمع في أرضها بين الإرادة الصعبة والجيب الفارغ. للأغنياء أقول: العيد في حقيقته حالة إنسانية اجتماعية لا سعادة فردية وهروباً من استحقاقات البسطاء تجاه أموالنا وللفقراء أيضاً عيون كعيونكم المتلألئة التي تتمنى أن ترى أثر الفرحة على أولادها كما أنتم تماماً. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=455942451111502&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater