تتمتع المحافظات الساحلية وعلى امتداد البحرين العربي والأحمر بشواطئ جميلة تشخص إليها الأبصار ، خاصة في فصل الشتاء الذي يتوافق أحياناً مع حلول بعض الإجازات والأعياد الدينية كما هو حال إجازة عيد الأضحى المبارك ، حيث تدفق خلاله مئات الآلاف من الداخل إلى تلك الشواطئ الممتدة من حوف حتى ميدي للاستمتاع بقضاء الإجازة وخاصة في ربوع مدن الحديدة وعدن والمكلا لأخذ قسط من الراحة بعد عناء طويل مع متاعب الحياة سواء في العمل أو في تأدية المهام والمسؤوليات المختلفة الأخرى ، ومنها - بالطبع- تلك الضغوط النفسية الناجمة عن الأزمة السياسية خلال الفترة المنصرمة والتي ألقت بظلال كئيبة على حياة اليمنيين دون استثناء . لقد أسعدني الحظ هذا العام بأن أقضي أيام عيد الأضحى المبارك في مدينة الحديدة الجميلة التي دوماً ما تأسرني أولاً لأنني ترعرعت بين جنباتها وتشبعت بنسيم هواء بحرها العليل وتنقلت بين فصول مدارسها متتلمذاً- كغيري – على عقول خيرة أساتذتها الأجلاء ..وتأسرني ثانياً لأنها من المدن المتجددة دوماً التي ما إن ترجع إليها حتى تجدها في حلة قشيبة غير تلك التي تركتها عليها ..فقد وجدتها هذه المرة أيضاً متدفقة بالحيوية رغم حالة الاستلاب السائدة في الوطن عموماً ، إذ يجد فيها الزائر الترحاب العفوي في نبرات ووجوه أبناء المدينة وتهامة عموماً تنم عن الإرث الحضاري الذي يسكن قلوب أحفاد أبي موسى الأشعري الذين قال عنهم الرسول «صلى الله عليه وسلم» ( أتاكم أهل اليمن ، أرق قلوباً وألين أفئدة ..) دون أن نتناسى المعضلة الاقتصادية والمعيشية الحادة التي تعصف بالكثير من سكان هذه المحافظة والتي وصلت - أحياناً – حد الفاقة والموت رغم توفر المقومات الزراعية والتجارية فيها ، حيث تتميز بتربة خصبة ومياه عذبة ووديان شاسعة تمتد حتى البحر يفترض أن تغطي نسبة أكبر مما هو عليه الوضع راهناً في سد الفجوة الغذائية لليمن وتصدير الفائض منها لدول الجوار، وكذلك الحال بالنسبة لميناء الحديدة الذي يعد أهم شرايين الاقتصاد الوطني فضلاً عن البيوتات التجارية الرائدة والصناعات التحويلية والغذائية والقائمة في بعض منها على المنتجات الزراعية كالطماطم والمانجو وبعض البقوليات والقطن والتبغ في هذه المحافظة .. وكلها مقومات يمكن أن تجعل منها واعدة بالمزيد من الخير والنماء على مستوى الوطن ككل . ومع كل ذلك لايمكن أن نغمط حق أي أحد ..فإن النهضة التي تشهدها المحافظة تبعث على الافتخار والاعتزاز خاصة لجهة الخدمات الأساسية كالطرقات ومياه الشرب والتعليم والتخطيط العمراني والمتنفسات وهي بالتأكيد تدل على إدارة شابة لا تنقصها الحيوية بقيادة الأخ أكرم عبدالله عطية محافظ المحافظة الذي يعي حجم هذه المسؤولية ويبذل قصارى جهده في أن تتحقق للمحافظة كامل طموحاتها وبأن تكون شريكاً فاعلاً ومتفاعلاً في التنمية وبأن ينعم أبناؤها على السواء بالخير والاستقرار وتحت ظلال القانون والعدل والمساواة . وفي اعتقادي الشخصي فإن ماينقص قيادة السلطة المحلية بالمحافظة حتى تتمكن من استكمال تنفيذ برامجها هو الكثير من اهتمام الحكومة بقضايا هذه المحافظة والتي تتطلب وضع خطط عملية لتحفيز الاستثمار وتنشيط الحركة التجارية وإقامة الصناعات الإستراتيجية والتي يمكنها أن تسهم في امتصاص البطالة وذلك بالاستفادة من مقومات المحافظة المتوافرة والغنية . لقد حان الوقت الآن بعد تلك السنوات الطويلة التي أٌسقطت هذه المحافظة من حسابات الحكومات المتعاقبة وذلك لرد الاعتبار لدور ومكانة وجغرافية محافظة الحديدة من خلال تخصيص موارد إضافية لإقامة مشروعات إستراتيجية وفي مقدمتها السدود التي تحد من تسرب المياه إلى البحر وكذلك تعميق وتطوير ميناء الحديدة الذي أصبح يعاني الأمرين حتى أنه لم يعد فيه غير رافعتين يتيمتين فضلاً عن أهمية طرح المخططات الإسكانية والاستثمارية والسياحية على الشواطئ الممتدة من المخا وحتى الجزر المتداخلة مع المملكة العربية السعودية وكذلك أهمية تنظيم الاصطياد البحري خاصة مع تزايد أعمال القرصنة التي تستهدف منافسة الاصطياد المحلي من ناحية وكذلك الاصطياد الجائر من ناحية ثانية الذي يتهدد الثروة البحرية ، ليس على مستوى شواطئ الحديدة فحسب وإنما على مستوى شواطئ الجمهورية ككل ..وخلاف ذلك المشروعات الإنمائية والخدمية التي تعوزها المحافظة وتتطلب اهتماما ودعماً حكومياً استثنائياً في هذه المرحلة وبما يساعد قيادة المحافظة التخفيف من الأعباء المتزايدة التي ينوء بها كاهل شريحة كبيرة من أبناء تهامة الطيبين . وقبل كل هذا وذاك يجب على النخب من أبناء هذه المحافظة أن ترفع أصواتها في وجه غول الفساد والإفساد الذي التهم الأرض وها هو ذا يزحف باتجاه البحر.. باعتبار أن الفساد آفة تجتاح الأرض اليمنية كلها، ولكنه – كما يبدو- قد استمرأ البقاء طويلاً في هذه المحافظة التي بدأت تتململ وتخرج عن صمتها من خلال تلك السجالات التي بدأت تظهر في دواوين القات وقد نراها غداً في مواقع أخرى وعندها سيكون الوقت قد فات لوضع المعالجات ..! رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=459861420719605&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater