لو كنا نعلم أننا سنصل لزمن يجمل القبح ويقبح ويشوه المعاني الراقية لما اخترنا أن نعيش لهكذا لحظة قبيحة. لم نكن نعلم أنه سيأتي علينا زمن يجسد وبشدة قاعدة إنه كلما كنت قبيحاً كلما رأيت الوجود أجمل بقبحك. يا إلهي ما كل هذا القبح الذي يحاصرنا ويحصرنا كإخطبوط لف نتنه حول أخمص أرواحنا، وصار الوريد والوريد أشد قرباً من الاختناق والزوال. ما كل هذا المكر الخانق الذي يشتد ويحيك بلؤم نسيجه حول تعز وأهلها وحاضرها ومستقبلها؟ لماذا يأبى الحاقدون على الحياة والمبغضون لتعز والناقمون على الوطن والكارهون للأمل, لماذا يأبى كل هؤلاء إلا أن يجعلونا نعيش في وحل الجهل وخارج نطاق البشرية؟ ماذا فعلت بهم تعز حتى يقلبوا عاليها سافلها، ويصبح أوباشها أخياراً وأخيارها يشنون عليهم البغض والعداء؟ من المؤكد أن قدوم الهائل شوقي لتعز كان يمثل ثمرة أولى لنجاح الثورة وافتتاحية خير ونماء لمدينة منسية إنما لم يرق للناقمين عليها أن تنهض من أوحالها على يدي محافظها المتطلع لأن نخرج من بوتقة الهامش الذي حوصرنا فيه زمناً طويلاً؛ لأن ذلك سيهدم قاعدة فساد وإفساد وسيكشف عن تلاعب وغش وسرقات لطالما أسسوا لها واعتاشوا منها.. سابقاً رفضنا من هو سيء، والآن ها هم يرفضون من هو أفضل، فماذا يريدون بالضبط؟. وكأنه غير مكتوب علينا أن نرتقي لمرتبة الإنسان والإنسانية. وكأنه مكتوب علينا ألا ننهض في أعمالنا، ولا نبني ولا نعمر، ونكتفي بما غرسه فينا من حكمونا بالجهل والتخلف سابقاً وأسسوا فينا مبادئ مغلوطة سيرتنا بمزاجية عصابات كان كل الوطن في قبضتهم, مبادئ صوبت الخطأ وخطأت الصواب, مبادئ تنص أن السرقة رجولة والنزاهة ضعف, مبادئ تنص أنه كلما كنت أحمر عين شرساً متخلفاً مخرباً كلما هابك الناس وعملوا لك ألف حساب, مبادئ الانتهازية واستغلال الضعيف وأخذ اللقمة من حلوق البؤساء بالقوة, مبادئ الاتكالية والتراخي في العمل والأداء, مبادئ لم يفسح فيها سطر صغير لحب العمل ورقي البلد، ومبادئ أنسنة الإنسان اليمني وتطور واقع بلدنا بمعايير مساوية لما تنتهجه كل بلدان العالم متمثلة بأناس يحبون لبلدهم ما يحبونه لأنفسهم ويحبون أن يروه متحضراً وليس في الوحل كما هو حال بلدنا، والنتيجة كانت بلاداً لا مؤسساتية ولا قانون ولا ضمائر وتحولت لمحرقة كبيرة تدّعي وطناً أوقدها, ومازال, يوقدها خفافيش الركود الذين يرضيهم أن نظل في جمود آسن لطالما ربطنا فيه عقوداً طويلة، ويحاربون كل من يحاول كسر بوتقة العقم هذه والتخلف, وهذا تماماً ما يواجهه محافظ تعز مع من يصرون بقاء مدينتنا تسير على نفس المبادئ الجاهلة ويشعلون فيها حرائق مكرهم وأحقادهم, ولا ندري أهذه المدينة مدينتهم حقاً أم لا؟ لأنها إن كانت مدينتهم لما وقفوا في وجه من يريد لها خيراً وعطاء ورقياً ونماء، ولكانوا له عوناً وسنداً, إنما حالهم يؤكد مقولة: (إذا انتهت المصالح ابتدأت وشنت الأحقاد). حقيقة نحن شعب يستحق الرثاء وأكثر من المرارة, فقد ماتت داخلنا كل معاني الرقي، ومعجبين جداً بالعشوائية والتخبط والهمجية والنتانة، ونجسدها في كل سلوكياتنا وتصرفاتنا، ونصر بحماقة أن نبقى عليها وعلى عاداتنا القبيحة جداً، ونرفض تبديلها أبداً، وهنا تكمن المصيبة العظمى والتي تفشل أمامها كل ثورات الكون. شوقي أحمد هائل, رجل صح جاء في زمن غلط وقبيح, سحابة مطر في صحراء أقبح.. رجل جاء ليوسع بقعة ضوء خافتة وسط ظلام دامس، فانتبشت حوله كل خفافيش الليل التي يعميها لون الضوء وهو يغسل بذاءات نفوسهم وأدرانهم.. شوقي أحمد هائل, عد أدراجك من حيث أتيت في أول البدء, عد من صباحات الندى واغتسالات الضوء النقية التي ولدت منها وترعرعت فيها على كل صفاء وطهر ورقي وحضارة؛ ليس لأننا لا نريدك بل لأننا بالفعل لا نستحقك, فهذا زمن القبيح والأقبح والأشد قبحاً وفعلاً نحن خلائق تستحق الرثاء. رابط المقال على الفيس بوك