انقسم الشعب المصري حول قضية الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي إلى مؤيدين ومعارضين. وأدى هذا الانقسام إلى لجوء الطرفين للاحتشاد الجماهيري في الشارع، وهذا في نظرنا هو الاتجاه الصحيح للخروج من المأزق، كون القضية لن تحل بالإبقاء على الإعلان الدستوري، كما أنها لن تحل أيضاً بإلغائه. فالسبب الذي اضطر الرئيس إلى اتخاذ هذا القرار كون الرئيس وكل مؤسسات النظام السياسي يخضعون للشرعية الدستورية، ولا يوجد كيان جماهيري جامع يتحمل مسئولية فرض الشرعية الثورية، مما اضطر الرئيس لملء فراغ هذه الشرعية، وستتوالى مثل هذه القرارات كما حدث في التجارب السابقة وآخرها تجربة ثورة 23يوليو 1952م حتى سقوط نظام مبارك ونتيجة ذلك أن تعود حليمة لعادتها القديمة أي العودة للنظام الدكتاتوري السابق. وإذا لم يتم الحفاظ على وجود الشرعيتين الدستورية والثورية بخطين متوازيين يكملان بعضهما بعضاً فلن تتحقق أهداف الثورة الشعبية في أي بلد من بلدان الربيع العربي. فالتوازي بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية التي تمثل حقيقة أن الشعب هو صاحب السلطة ومرجعيتها في جميع الحالات والاختلافات. فالاعتماد على الشرعية الدستورية وحدها يؤدي إلى قيام نظام دكتاتوري فاسد، ونفس النتيجة في حالة الاعتماد على الشرعية الثورية وحدها، ولكن بصورة أشد ظلماً وفساداً، وقد ثبت ذلك فعلاً في جميع تجارب الدول العربية خلال القرن العشرين وحتى يومنا هذا. أما النظام المدني الديمقراطي العادل فلن يتحقق إلا كنتيجة للجمع المتوازي بين الشرعيتين. وهذه القضية ليست وليدة القرن الحالي، لكنها موجودة منذ انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة. فالسنة هم أكثر تشبثاً بالخلافة الإسلامية، التي تقوم على مبدأ الشرعية الدستورية وفق التعبير السائد حالياً والسنة أيضاً لا يجيزون الثورة والخروج على الحاكم. أما الشيعة فمتشبثون بالإمامة التي تجسد بمفهوم العصر الحالي الشرعية الثورية الشعبية، ويجيزون الخروج على الحاكم الظالم. والخطأ الذي ارتكبه الطرفان أن السنة أصروا على مبدأ الخلافة ورفضوا مبدأ الإمامة، والعكس فعله الشيعة، حيث أصروا على مبدأ الإمامة وكفروا بمبدأ الخلافة والنتيجة أن قامت أنظمة حكم إسلامية سنية وراثية دكتاتورية ظالمة تاريخياً وفي العديد من الأقطار العربية ، مثلما قامت أنظمة إمامية شيعية في العديد من الدول العربية كانت وراثية وأشد دكتاتورية وظلماً . ويكفي الإشارة كمثال فقط إلى نظام المملكة المتوكلية في اليمن ذات التوجه الشيعي أو الإمامي، ونظام الحكم الملكي السابق في مصر العربية وآخر ملوكه فاروق وكان توجهه سنياً. وبالمقارنة بين الاثنين نجد الملكية في اليمن كانت أكثر ظلماً وأعظم فساداً ودكتاتورية إذا قسناها بالملكية التي قامت في مصر. لذلك لا تستبعد أن يتم حل المأزق في مصر بإيجاد الوسيلة التي تجمع بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية لنضع بذلك الحل المطلوب ليس لقضية ثورات الربيع العربي فقط بل لنضع حجر الزاوية لتجاوز الانقسام الضارب أطنابه بين المسلمين سنة وشيعة منذ أكثر من ألف عام مضت. وكتحذير مسبق للقوى السياسية في مصر نقول إن النزول العشوائي منقسمين إلى الشارع وقبل وجود كيان جماهير جامع للشرعية الثورية سيؤدي إلى مواجهات بين الجماهير المؤيدة والمعارضة قد تتطور إلى حرب أهلية بل قد تتمكن اللوبيات الصهيونية من فرض نفسها لتملأ فراغ غياب هذا الكيان، وهو ما تسعى إليه فعلاً. ولا ننسى التذكير أيضاً بأن مثل هذا المأزق تعيشه اليمن أيضاً لكنه سيكون أفتك وأشد خطورة مقارنة بالوضع في مصر إن لم تتدارك القوى السياسية في اليمن. والله من وراء القصد. رابط المقال على الفيس بوك