ما نشعر به من اضطراب نتيجة توالي الأزمات المختلفة أثر على ذاكراتنا وأربك الجميع ونسينا في أزمتنا مواسم الفرح ، فحتى الأعياد الوطنية لم نعد نحتفي بها الاحتفاء اللائق بدماء الشهداء الذين صنعوا هذه الأعياد لنا فلم نقدرها، وبذلوا أرواحهم في سبيلنا فلم نعد نذكرهم ولا انتفعنا بتضحياتهم؛ فقد مر عيد سبتمبر وعيد أكتوبر وها هو يمر عيد نوفمبر ونحن غارقون في خيباتنا ، نجعجع بلا طحن ، ونلف وندور في الحفرة ذاتها.. نصف قرن من الزمان لم نصنع فيه إلا ما يزيد من تباعدنا، ويذكي الحقد والغيظ في نفوسنا ، وغفلنا غفلة النائمين عن بناء الإنسان الحقيقي القادر على إدراك مصلحة الوطن قبل مصلحته الشخصية. ما يحدث من تجاذبات حول مؤتمر الحوار الوطني يدل على أن أقطاب الأزمات المتتالية لا يريدون للوطن أن يتعافى، ومعظمهم يدركون جيدا أن الحوار سيعريهم ويكشف زيف مشاريعهم للرأي العام، فيحاولون أن يعرقلوا انعقاد المؤتمر الوطني بكل الوسائل التي يمتلكونها، ومن هذه الوسائل تحويل هذا المؤتمر من حلقة نقاش وحوار بناء إلى مهرجان جماهيري للبكاء على الأطلال أو للتطبيل والشعارات البراقة التي لن تعالج أمراض الوطن بل ربما توصل الوطن بكل مكوناته إلى حرب أهلية -لا سمح الله – إذا لم يدرك الجميع أهمية المؤتمر وخصوصية اجتماع الفرقاء في هذا الوقت... الشعب لم يعد يحتمل تلاعب أقطاب الأزمة اليمنية بقضاياه المصيرية، فنتمنى أن يظهر في لجنة الإعداد للحوار حكماء يتخيلون شكل الحوار إذا زاد عدد المتحاورين عن الحد ، أو كانت القضايا المطروحة بعيدة عن مشكلات الوطن الحقيقية ، فلعل هذا التخيل يدفعهم إلى أن يضعوا معايير منطقية تؤدي إلى نجاح المتحاورين وتقاربهم والبعد عن كل الأفكار التي تباعد بينهم وتخرجهم من الحوار أكثر عداء لبعضهم مما هم عليه. في مقابلة لبن عمر على قناة اليمن سمعته يقول بأن مؤتمر الحوار سيتم عقده بعدد 565 شخصا، تخيلوا اجتماعا بهذا الحجم وقاعة حوار بهذا العدد، يتوجب على كل واحد منهم أن يعبر عن رؤية شريحته ، والباقون ملزمون بالاستماع إليه ...كيف سيكون الوضع ؟!! وكيف سيكون التفاعل فيما بينهم؟!! طبعا أتوقع أن يفشل الحوار وتتحول الفعالية إلى مهرجان لحوار الطرشان في قاعة غاغة وليست قاعة حوار . يا جماعة الخير؛ الحوار الوطني سيترتب عليه مستقبل الوطن إذا تم انعقاده، فأية نتائج ستتمخض عن تجمع كبير بهذا الحجم؟ فمهما وضعتم من معايير لضبط الحوار لن يسمح التجمهر هذا بتطبيقها، أكاد أجزم أن المجتمعين سوف يقضون كل الوقت في الخلافات حول من سيبدأ الكلام، وإذا بدأ أحدهم الكلام سوف يتم توقيفه قبل اكتمال فكرته لضيق الوقت ولإتاحة الفرصة لهذا الجيش من المجتمعين، وإذا تكلم شخص فليس هناك وقت لمناقشته وإقناعه بالتخلي عن فكرته إن كانت غير منطقية ، وإذا تخلى عن فكرته فليس هناك وقت لتكوين الإجماع على مبدأ أو فكرة من الأفكار المطروحة، وليس هناك وقت لطرح مبررات الإجماع على الفكرة ، يعني لن يكون المؤتمر ناجحا بهذا العدد الكبير من المجتمعين حتى وإن تم توزيعهم إلى لجان فلن يفلحوا لأنه لا بد من اجتماعهم في قاعة واحدة بعد تقسيمهم . مؤتمر الحوار الوطني حلم كل مواطن شريف ، ونعلق عليه الأمل في لم شتاتنا المبعثر ، لكن يبدو أن عوامل اعاقة الحوار صارت أكثر من عوامل نجاحه للأسف .. فمن خلافات أعضاء لجنة الإعداد إلى تعنت أطراف النزاع ومحاولاتهم المستميتة لفرض أجنداتهم على المؤتمر قبل انعقاده إلى جمود أطراف أخرى تعمل بقول المثل(حبتي أو الديك) بإصرارها على عدم المشاركة إلا بشروط يعرفون تماما أن تحقيقها من سابع المستحيلات ، وفي الأخير ظهرت مشكلة عراقيل الإعداد الفني لهذا المؤتمر بدءا باقتراح نسب للمتحاورين لا تعبر عن حجمهم في الوطن .. إلى تحديد عدد ضخم من البشر يجتمعون ليتحاوروا في مكان واحد ..إلى اقتراح قضايا للحوار ما أنزل الله بها من سلطان. الحوار صعب بذاته لأنه يتطلب عقلا هادئا ويقظا وعميقا ومتوازنا، وموضوعات الحوار أصعب لأن منها ما لم تعد أفكارا نظرية قابلة للأخذ والرد بل صار لها وجود واقعي وسالت بسببها أو من أجلها الدماء ، فكيف يمكن أن نمهد لإعداد مؤتمر يساعد في تجاوز تحديات الحوار؟!! وكيف نوفر مقومات نجاح الحوار قبل أن يبدأ الحوار ويتحول إلى خوار؟! نجاح مؤتمر الحوار متوقف على الحرص على انتقاء المتحاورين بجدية ووفق معايير وطنية، وفي قلة عدد المتحاورين ، فكلما قل عدد المتحاورين كانت النتائج أفضل وأوضح . وفي رأيي ينبغي ألا يتعدى عدد المتحاورين ال100 شخص من مكونات المجتمع على الأكثر، بحيث يتم اختيار المتحاورين بناء على معايير دقيقة وموضوعية، أهمها أن يكون التمثيل عادلا يوائم حجم الفعالية أو الفئة أو الحزب أو الجماعة في المجتمع، وأن تكون شخصية المتحاور متزنة ومدركة لأبعاد القضايا المثارة في الحوار وقادرة على تقبل الرأي الآخر، وألا تخرج محاور الحوار عن الثوابت الدينية والوطنية..فهل نحلم بمؤتمر يزيح عنا الغم الذي نعيشه ؟ أم إن اجتماعهم سيكون القشة التي ستقصم ظهر البعير؟!! اللهم إن الخيرة فيما تختاره أنت ، فارفق باليمن واحرسه من شياطين الإنس المتربصين باليمن!! . * أستاذ المناهج المشارك بكلية التربية – جامعة صنعاء [email protected] رابط المقال على الفيس بوك