كان أمراً طبيعياً، أن يفضي الدياليكتيك إلى حتمية التغيير.. ولما كانت بذوره ومفاعيله تفعل فعلها في النسيج الوطني السياسي، فقد تناسلت الأفكار وتولدت الأحداث والتحولات التي صنعت واقعاً جديداً نعيشه الآن، شئنا أم أبينا، وشاء البعض أم أبوا لا يمكن تصوره بدون بعده الاستراتيجي..! ولكن لسوء الحظ أن البعض مفتون بحالة التقوقع في دائرة السياسات النمطية الجامدة، والتي هي من هذا المنظور التسليم بالانكفاء والانغلاق والقبول بالجمود ورفض الخروج إلى فضاءات الخلق والتجديد والتغيير..! ولا أظن أحداً، لا يقتنع الآن، أو يحتاج إلى مزيد من الشواهد، ليستنتج، بأن الواقع السياسي ما قبل اندلاع الثورة الشبابية، بحرّه وجرّه قد دفن فعلاً دون الإعلان عن مراسم الدفن..! تماماً كما أن سياسة الزمن البائد والنظام البائد كانت سلسلة متعاقبة من الأوهام، لذلك فهي تتوارى وتتحنط مع ما انقرض وتحنط من الخلائق..! الحقيقة أننا أمام واقع سياسي جديد، والحقيقة أيضاً أن مشروع التغيير الذي بدأت تتبلور معطياته، هو عملية بناء متواصلة يفترض أن يشارك فيه ويعبد الطريق إلى أهدافه الجميع، جماهير الشعب، وأحزاب سياسية وقوى مدنية..! لكن علينا أن نعلم أن هذا المشروع لا يمكن أن يتأسس كاملاً أو حتى جزئياً إلا بعد عملية تطهير نوعي لعمق الذات لإزالة رواسب الأنانية والعصبية والحزبية الضيقة وكافة المعوقات المصطنعة، ولابد من تقدير المصلحة العامة للشعب ومصالح الوطن العليا وتغليبها على المصالح الخاصة، وأن ندرك بأن أي إنجاز بحجم هذا الوطن لا يتحقق إلاّ بجهود الجميع، وبتنازل الجميع، فهو شبه ما يكون بعقد اجتماعي وسياسي، يجمع ولا يفرق، ويجتمع عنده الجميع، لا يتفرقون.! وبصراحة أكثر، فإن نظرة نقدية فاحصة للواقع السياسي الراهن لبعض القوى توصلنا إلى نتائج دلالاتها أن هذه القوى عاجزة عن استلهام روح التغيير ومتعثرة في أحيان كثيرة إلى درجة غياب الرؤية.. أو المنهج والوقوع في ضبابية الرؤية والتخبط في حالة من فقدان الرشد تدفع إلى اللعب بشيطنة التدمير والمبادلة بوسائل التخريب، داخل «البيت الوطني» ذاته، ولو وصل الأمر إلى هدمه على الجميع.. والضحية الجميع، وهم جزء لايتجزأ «طاحن ومطحون» كعادة القرد السيىء الذي يقضم الجذع الذي يجلس عليه..! وأحسب أن هذه الظاهرة تستوجب النقد الصريح الرصين، وهذا يرجع بنا - حسب تقديري - إلى الخلل المنهجي في أدبيات بعض الأحزاب والقوى الوطنية.. وما نقصده بالخلل المنهجي قد يتبلور في صيغة تساؤلات واستفهام أو نقاط.. مثلاً بعض المواقف تجاه القضايا الوطنية الحساسة والمصيرية في أدبيات بعض الأحزاب دائماً ما ترتكز على جانب الضرورة والأهمية والحاجة للحزب ذاته ولمصالحه الضيقة التي تهمل مصالح الوطن العليا ولا تلبي حاجات وضرورات مشروع التغيير وأهدافه.. هذا النمط في إدارة مهام ومواقف هذه القوى يفتقد لأرضية صلبة ولرؤية واضحة، ولا يبدأ إلاّ لينتهي إلى التباين والتناقض فيما بينها وداخلها أولاً، وبينها وبين جماهير الشعب أولاً وعاشراً. أعتقد أن الحوار هو الطريق الناجعة بدلاً عن التباعد والتقاطع والمواقف المتشنجة التي تضيع في أتونها قضايا وأهداف التغيير.. مطلوب تواصل القوى الوطنية عن طريق الحوار.. ومطلوب من الجميع أن يرفع العراقيل من طريق الحوار وأن يترفع من الحساسيات الحزبية الضيقة، ولنضع جميعاً اللبنات الأساسية لأي مشروع بنّاء وطني أو قضية من قضايا التغيير عبر قنطرة الحوار والطرح الهادف والبنّاء الذي يرشد إلى التغيير بأبعاده ومضامينه الوطنية..! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك