أربع مباريات مرتقبة في الأسبوع الثاني من بطولة بيسان    اللجان الدستورية والخارجية والإعلام في مجلس النواب تعقد اجتماعات مع الجانب الحكومي    مسيرات ووقفات طلابية في إب تضامناً ونصرةً لغزة    هكذا غادرت حاملة الطائرات "فينسون" البحر الاحمر    الشرفي يبحث مع مكتب المبعوث الأممي المستجدات السياسية والاقتصادية وجهود دعم الاستقرار    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    تعز .. ضغوط لرفع إضراب القضاة وعدم محاسبة العسكر    السامعي من صنعاء    صنعاء تفرض عقوبات على 64 شركة لانتهاك قرار الحظر البحري على "إسرائيل"    بسبب خلافات على الجبايات.. قيادي حوثي يقتحم صندوق النظافة في إب    موظفة في المواصفات والمقاييس توجه مناشدة لحمايتها من المضايقات على ذمة مناهضتها للفساد    عدن.. البنك المركزي يوقف ترخيص منشأة صرافة ويغلق مقرها    مشروع "المستشفى التعليمي لكلية طب عدن".. بين طموح الإنجاز ومحاولات الإفشال    إبليس العليمي يشعل الفتنة بين الحضارم.. انفجار سياسي قادم    انتقالي الضالع ينظم محاضرات توعوية لطلاب المخيم الصيفي بالمحافظة    فريق من مجلس المستشارين يطّلع على عمل مركز الطوارئ التوليدية وعدد من المراكز الصحية بأبين    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية تدعو لتشديد الرقابة على الأسواق    تقرير خاص : عودة الرئيس الزُبيدي إلى عدن تُحرّك المياه الراكدة: حراك سياسي واقتصادي لافت    التعليم العالي تعلن بدء تحويل مستحقات الطلاب المبتعثين في الخارج    في آخر أعماله القذرة.. معين عبدالملك يطلب من الهند حصر بيع القمح لهائل سعيد    حركة أمل: الحكومة اللبنانية تخالف بيانها الوزاري وجلسة الغد فرصة للتصحيح    همج العساكر يعربدون.. هل بقي شيء من عدن لم يُمسّ، لم يُسرق، لم يُدنس؟    الاتحاد الآسيوي يعلن موعد سحب قرعة التصفيات التأهيلية لكأس آسيا الناشئين    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    محافظ العاصمة عدن يتفقد ميناء الحاويات ويوجّه بالحفاظ عليه كمرفق سيادي واستراتيجي    وفاة امرأة وإصابة طفلة بصاعقة رعدية في الجميمة بحجة    ضمت 85 مشاركة.. دائرة المرأة في الإصلاح تختتم دورة "التفكير الاستراتيجي"    خبير في الطقس يتوقع موجة أمطار جديدة تشمل اغلب المحافظات اليمنية    زيدان يقترب من العودة للتدريب    اجتماع طارئ وقرارات مهمة لاتحاد السلة    تخرج 374 مستفيدًا ومستفيدة من مشروع التمكين الاقتصادي بمحافظتي تعز ولحج    رئيس هيئة مستشفى ذمار يعلن تجهيز 11 غرفة عمليات وعناية مركزة    ذا كرديل تكشف عن الحرب الإلكترونية الأميركية الإسرائيلية على اليمن    خبير نفطي يكشف معلومات جديدة عن ظهور الغاز في بني حشيش ويحذر    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    أما الدولة وسلطتها.. أو هائل سعيد وبلاطجته هم الدولة    مافيا "هائل سعيد".. ليسوا تجار بل هم لوبي سياسي قذر    كأس آسيا.. الأردن تكسب الهند والعراق يخسر أمام نيوزيلندا    لاعب برشلونة يوافق على تجديد عقده    هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتج نكاتا مضحكة؟    طيران اليمنية لا تعترف بالريال اليمني كعملة رسمية    رسميّا.. حرمان الهلال من سوبر 2026    أسبانيا تُفكك شبكة تهريب مهاجرين يمنيين إلى بريطانيا وكندا باستخدام جوازات مزوّرة    انتشال جثث 86 مهاجرًا وإنقاذ 42 في حادثة غرق قبالة سواحل أبين    لا تليق بها الفاصلة    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    فعالية احتفالية بذكرى المولد النبوي بذمار    أيادي العسكر القذرة تطال سينما بلقيس بالهدم ليلا (صور)    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تصبح الأزمات قوتا لبقاء المشترك
نشر في المؤتمر نت يوم 15 - 11 - 2008

السلطة هي أكبر الغنائم لدى النخب المؤدلجة، وهي الحلم الكبير فهذه الأحزاب لا تؤمن بالتغيير من خلال المجتمع لأن المجتمع يتغير وهي ثابتة ومنغلقة على نفسها، فتصبح السلطة ضرورة حتمية لتحقيق النصر على المجتمع، فمن خلال القوة السلطوية وأدواتها القهرية تتمكن من نشر الفكر وتضخيم المصالح، مع ملاحظة ان الفكرة ليست إلا قنطرة للغنائم المادية لذا ففي المجتمعات التي تكون فيها الموارد نادرة، فأن الايدولوجيا تبالغ في عدائها لخصومها، وتتحول القيم والمفاهيم الفكرية أدوات لتدمير الخصم المعيق لمصالحها، فان كان الخصم في المعارضة يقهر ويلغى، وأن كان في الحكم يشوه ويتهم بالفساد والخراب، ويتم تعبئة المجتمع ضده، والعمل على أضعافه، بفتح جبهات كثيرة لإنهاك، ومن ثم الانقضاض عليه.
وهذا يفسر تسرع وحلم النخب المؤدلجة في الإمساك بزمام السلطة، وتشبثها بها في حالة وصولها إلى الحكم، لذا فأنها تشكك وتكفر بالديمقراطية أن لم تتمكن من خلالها من تحقيق أحلامها، وعندما تمسك بالسلطة حتى بطريقة ديمقراطية فإنها تحول السلطة وأدواتها القسرية إلى قوة جبرية لإكراه المجتمع على مثاليتهم المتعالية، والنتيجة المستقاة من تاريخ الدول، أن محاولة إجبار المجتمعات وقسرها على التغيير، بالاعتماد على فكر مؤدلج متعالي، يقود إلى الصراع بصورته العنيفة، وبدراسة تجربة الأحزاب الإيديولوجية المتطرفة التي تعمل في بيئية ديمقراطية سنجد أنها تصل بالمجتمع إلى حالة من الصراع المدمر.
وإذا استطاعة النخب المؤدلجة، إذلال المجتمع، والإفراط في استخدام العنف المنظم ضده من خلال تشكيكه بثقافته ونفيها لصالح الايدولوجيا، وتحويل أدوات السلطة إلى قوة قاهرة لكل مقاومة يفرزها المجتمع للتعبير عن نفسه وحاجاته ورغباته وطموحه، فأن الفكر المؤدلج لا ينتصر في هذه الحالة بل يصيبه الكساد والفساد، ويصبح المجتمع كارها له.
كما أن التعبئة التي تستخدم لتحريك الجماهير تموت مع الوقت، لان المجتمع الذي لا يصنع أفكاره يتحول إلى موضوعا خاضعا لمن يصنع فكره، وهذا ما يدفع بالمجتمعات لبناء أدوات مقاومة من خلال السلبية التي تعمّ نفوس الناس، وسحب الثقة من النخبة، ونبذ أفكارها، ومع الوقت يُفشل المجتمع مشاريعها، ويعيق فلسفتها المتعالية، وهكذا يخسر المجتمع أفكار إيجابية لو تم التعامل معها بواقعية وتم تبيئتها، بالنقد الدائم لمقولاتها وللواقع، وأمتاز مناصروها بالصبر والأناة بإعادة البناء لتحققت ولو بعد حين بما يتوافق ومصالح الجميع.
وتؤكد تجارب الدول التي سيطرت عليها الإيديولوجيات المفروضة على المجتمعات، أن من الأسباب الأساسية أيضا لفشل النخب المؤدلجة، أنها تغلق الأبواب أمام قوى المجتمع، وتعزل نفسها عن الناس، ومع الوقت تتحول الايدولوجيا إلى أداة نفعية لتضخيم مصالحها، ويصبح التركز على الآليات التي تمكنها من الإمساك بالسلطة أهم من الفكرة ذاتها، وكل ذلك يعيق التّغير والتحول.
وتمثل الإيديولوجية الدينية مثال واضح لصناعة الأزمات، فالحركات الدينية السياسية التي تمارس السياسة داخل مجتمعاتها المسلمة، لديها اعتقاد جازم أن الصراع يخدم فكرهم الدعوي، ويمكنّها من الانتشار والتوسع، وكلما اشتدت وطأة الأعداء، زادها ذلك قوة، وقدرة على المواجهة. وفي الغالب ترسخ الحركات الاسلاموية في أدبياتها فكر المواجهة والمقاومة بشكل دائم، والعدو ليس واحد، بل يبدأ بالنفس وشياطين الجن والأنس... والغرب بكليته عدو لدود، مواجهته فرض عين، وفي الداخل فأن العدو قد يكون علماني أو ديني ولكنه مختلف مذهبيا أو لديه منهجية مختلفة في التغيير.. وقد يكون العدو نخبة حاكمة تشكل عائق أمام الحركة في الوصول إلى السلطة.
بل ان البعض يبالغ في تطرفه، ويرى في المجتمع عدو، فهو يفكر بشكل مختلف، ويمارس سلوكيات متناقضة مع البناء الإيديولوجي، وهكذا يصبح الحزب الديني في حالة صراع مع الكل، فيشعر أعضائه بالعزلة، فتجعل منها النخبة غربة، وهذا يرسخ لدى الأعضاء قناعة أن حالة الغربة التي يعيشها الحزب أو الحركة نتاج لامتلاكهم الحقائق المطلقة، ونتاج فساد أعدائهم في الداخل والخارج، وهذا يجعلهم يخوضون الصراع بقوة وحزم مع الآخر.
وعادة ما تؤكد الايدولوجيا أن قوة الصراع وعمقه، يزداد مع تقديم التضحيات، ويؤدي إلى تحقيق النصر، وهذا يولد قناعة أن الاستشهاد هو طريق النصر، والاستشهاد قد يكون مع أعداء الداخل في المعارك الفكرية أو المعارك الانتخابية أو في تفكيك الحاكم والعمل على أضعافه وإنهاكه بممارسة العنف ضده، أو بمواجهة قوى الشر داخل المجتمع.
بالنسبة للإسلام السياسي السني بنسخته الاخوانية، يشكل الصراع محور لحركتهم، وظهر بشكل جليّ في صراعهم مع التيارات القومية واليسارية. وصراعهم مع الماركسية في الشمال والجنوب مثل البداية القوية في تاريخ الحركة، وبعد هزيمة العصابات الماركسية أصبحت الحركة جزء من الحكم، ولكنها استمرت في مواجهة أعدائها في الداخل، ومثل انتقال بعض قياداتها إلى أفغانستان فرصة لتفريغ طاقة المجاهدين، ولتدريب وامتحان عناصرها في ساحة المعركة.
مع إعلان الوحدة ورغبة الحركة في الخروج بواجهة سياسية، خرج الإصلاح ليولد صراع قوي ضد الحزب الاشتراكي، وأدارت القوى الإصلاحية معاركه سياسية في كل إتجاه، وكان دستور دولة الوحدة قنطرة لتمرير سياسات التعبئة وإظهار قوتها، وظل الحزب الجديد يدير معارك فكرية وسياسية ضد الحزب الاشتراكي والقوى القومية البعثية والناصرية التي ظهرت في الساحة، وضد الأحزاب التي أسستها القيادات الدينية الزيدية.
وتحالف الحركة مع المؤتمر والقبيلة، شكل لها درعا قويا، مكنها من إدارة معاركها بكل قوة، وتحولت العملية الديمقراطية والحرية الممنوحة إلى ساحة معركة، أفرغت طاقة حزبها بشكل سلمي رغم ما تخلل ذلك من عنف.
بعد انتخابات 1993م دخل الإصلاح في حكومة ائتلافية، كان عدوه الاشتراكي شريك أساسي في حكم اليمن، ولكن حالة الصراع ظلت هي المتحكمة بالعلاقة بين الحزبين، وفي حرب الانفصال أعلن الإصلاح الجهاد من جديد ضد الشيوعيين والفساد الخلقي، ومثل رحيل الحزب وتفجير مصنع صيرة نصرا حاسما لمعارك باردة وساخنة استمرت لفترة طويلة.
أصبح الإصلاح شريك المؤتمر، ولكن العلاقة ظلت محكومة بحرب باردة، انتهت بفك الارتباط النهائي بالمؤتمر، ودخل في حلف جديد يعتقد ان هذا الحلف ربما يساعده في قطف ثمرة السلطة، والمعارك القادمة قد تصل إلى الزناد، فالنزعة الإيديولوجية تدفع أصحابها نحو فرض سيطرتها وهيمنتها على الجميع، وتسعى لتصبح هي القوة الوحيدة القادرة على فرض إرادتها، وعندما تصبح الوسيلة التي تمارس من خلالها النضال غير قادرة على تحقيق الحلم، تصبح الوسيلة أداة معيقة، فإما أن يتم التخلص منها، أو يتم البحث عن داعم إضافي وطريقة مختلفة.
والإسلام السياسي الزيدي لا يختلف عن الأخوان فالخروج على الحاكم مغروسة في بنيته، ولكنها أخذت بعد عقلاني لدى التيارات المعتدلة، وتحاول النخبة أن تقنع نفسها أن الديمقراطية هي الطريق لإزاحة الحاكم، ولكن المخفي خلف هذا التفكير أن الحاكم ظالم وإزاحته مسألة لا خلاف عليها حتى يتمكن صاحب الحق من الوصول إلى السلطة. وعندما تكتشف الحركات الاسلاموية ضعفها في الانتخابات، وأن الأحزاب التي كونتها واللعبة الديمقراطية حاصرتها ، فأنها تتجه نحو إدارة الصراع من خلال تفكيك وخلخلة شرعية الحاكم من خلال الكلمة، والكلمة لابد أن تكون قوية وحاسمة وعنيفة، وغالبا ما يتجه المتطرفين نحو خلق الأداة القوية القادرة على المواجهة، ومعهم تحولت القيم والمفاهيم الدينية إلى قوة معنوية لتعبئة المؤيدين والأنصار لإدارة الصراع بقوة وعنف، وكان النتاج ظهور حركات دينية ماضوية تعيش خارج التاريخ، وتعيد تفسير الإسلام، ليصبح العنف محور وجوهر الإيديولوجية.
ويمكن القول أن الدين عندما يتحول إلى أيديولوجيا، فأنه ينتج صراع عنيف، فالطائفة الدينية المؤدلجة مثلا تؤسس للصراع، لأنها تمارس السياسة بعقلية محكومة برؤية تجعل من الآخر نقيض لوجودها، وترى من فكرها الحق المطلق، فتلغي السياسة السلمية لصالح العنف، ومع الفكر المؤدلج تتحول الطائفة إلى قوة منظمة، اذا امتلكت السلاح، فإنها تصبح قوة قهر، حتى وأن كانت خارج الحكم، وأن وصلت إلى الحكم فأن الدمار والخراب نتيجة طبيعية.
والطائفية تؤسس للاستبداد من مراحلها الأولى، من خلال منح الولاء كله للقيادة التي يتجسد فيها كل معاني الطائفة، وتقوم بإلغاء الدولة والمجتمع لصالح رؤيتها الفكرية، وفي هذه الحالة تموت السياسية كحوار ونقاش، ويتم تأميم الحقيقة وعلى الجميع الرضوخ، ومن يرفض فان القوة جديرة بإقناعه، وهذا يؤسس للصراع الدموي.
بالنسبة للحزب الاشتراكي فقد تبنى الماركسية، والصراع في بنيتها هو الحاكم لحركة الأشياء، فالصراع هو أصل كل شيء، وهو المتحكم بالتاريخ، وصانع كل أحداثة، والصراع ينتج عنه التقدم والتطور، ولا يمكن تحاشيه فهو حتمي. وهذا يفسر تاريخ اليسار في اليمن وتبنيه للعنف لتحقيق أهدافه، وتاريخ الحزب الاشتراكي محكوم بفكرة الصراع، حتى بعد سقوط المنظومة الاشتراكية، وتغيير مساراته الفكرية لصالح الليبرالية السياسية لم يغير البنية الصراعية في الفكر والثقافة التي ظل يمضغها طويلا، وتفسيراته للواقع ظلت محكومة بالتحليلات والمنهجية الماركسية بصورتها الجديدة التي طورها اليسار العالمي، وهذا ما جعل الصراع يهيمن على عقلية النخبة.
فتجربة الحكم اليساري في الجنوب اليمني، حاولت أن تبني مجتمع منسجم مع المقولات الشيوعية، من خلال إلغاء ثقافة المجتمع، وإعادة كتابة التاريخ، وفق الأهواء الإيديولوجية، والعمل على إعادة صياغة الأفراد والمجتمع بقيم ومفاهيم متناقضة مع الواقع، ونتيجة القهر في تنفيذ السياسات، وتزييف وعي الناس من خلال السيطرة على الأدوات المنتجة للفكر، يلجأ المجتمع للثقافة المؤسسة للولاءات الدنيا لمقاومة النخبة ولحماية الذات.
ولما كان الحال هكذا لا يجد الناس إمامهم إلا الهوية المحلية، فثقافة الطائفة الصوفية أصبحت هي الأصل، والمنطقة أصبحت هي المحدد لهوية الفرد، والقبيلة تشبع رغبة الانتماء لدى أبنائها، وهذه الإشكالية لم تصيب المجتمع فقط، ولكنها امتدت إلى النخبة الإيديولوجية، فولائها الحزبي كان أكثر عمقا من الولاء للدولة، لان شرعية العضو تمر من خلال الحزب، والدولة أداة لخدمة الايدولوجيا ونخبتها، وهذه الطريقة في تصوري عمقت الولاء للقبيلة والمنطقة، لأن الحزب خلق فراغ روحي عميق لدى أعضائه، ناهيك عن الصراعات والتصفيات التي حكمت تاريخه، كل ذلك عمق الانتماء القبلي أو المناطقي وحتى الطائفي لدى أعضائه، بهدف حماية الذات، ولإشباع ذلك الفراغ الذي أفقدهم هويتهم لصالح هوية إنسانية حالمة.
ونتيجة لكل ذلك يصبح الصراع حل لشقاء الوعي لدى العضو المؤدلج، فهو على صعيد الوعي تبني إيديولوجيا متعالية متجاوزة للوطن، فالمناضل الشيوعي لا وطن له، وقلبه يحمل همّ الوحدة اليمنية، وفي لاوعيه يتحرك في انتماءات دنيا مناقضه لم يفكر به، وهذا جعل من الصراع الذي أداره الحزب مشوش لا هدف له، ونتيجة لكل ذلك يصبح الإغراق في حب الذات الفردية هي المحدد لحركة الفرد.
تخلى الحزب عن أفكاره القديمة كلها، وتبنى الفكر الذي حاربه، وأصبح يصارع الآخرين من خلاله، ولكنه يبالغ في مطالبه بتطبيق الليبرالية السياسية بحذافيرها، دون مراعاة الواقع، لذا يمارس نقد على الدولة والمجتمع باستخدام منهجية يسارية، ولكن هذه المرة من أجل أعادة صياغة المجتمع وفق المقولات الليبرالية، ولأنه يبالغ في حلمه الإيديولوجي، ونتيجة فهمه للواقع بمفاهيم إيديولوجية أنتجها واقع مختلف، فإنها تصبح حجاب يعيق فهم الواقع اليمني كما هو، ولأن الحلول الليبرالية بصورتها المثالية كما هي في الواقع الذي أنتجها (اوروبا الغربية والولايات المتحدة) غير قابلة للتطبيق في الواقع اليمني، فأن منظري الحزب يعتقدون ان الديمقراطية والدولة ومؤسساتها أدوات بيد القبيلة والعسكر.
وهكذا تعامل مع الواقع، في العهد الماركسي، والمرحلة الحالية بشعاراتها الليبرالية، أدخل الحزب ونخبته في حالة من الشقاء والتناقض؛ بين الفكر والواقع والسلوك، فلا الفكر منسجم مع الواقع، ولا السلوك مطابق للفكر، وهذا يفسر تخبطات الحزب وعدمية الصراعات التي أدارها ومازال.
وفي الختام يمكن القول أن المشترك لا يمكنه أن يستمر ويعمل إلا في ظل الصراع، وهذا يجعل منه تحالف لا يسعى نحو الحلول والتوافق، بل لخلق أزمات متلاحقة مع الحاكم، فالتعاون والسلم على الساحة السياسية يمثل مشكلة كبيرة، يهدد وجوده، فاستمراره وبقائه مرهون بوجود عدو، وقد تجسد بالحاكم.
وهذا يجعلنا نؤكد أن المشترك في حالة عدم نقد تياراته لنفسها، فأنه سيقودنا نحو أزمات متلاحقة، والسبب يعود إلى التناقضات التي يحتويها، وأي تفكير عقلاني داخله للتهدئة أو للتعاون مع الحاكم بهدف الإصلاح والبناء، لا يخدم المشترك بل يهدد بقائه، وفكرة أن رفضهم للعملية الانتخابية من أجل ترسيخ الديمقراطية مغالطة وتزوير.
من الواضح أن العداء متأصل في بنية المشترك بسبب تناقض الفكر والمصالح بين أحزابه، ولكن اتفاقهم على عدو وصراعهم معه يؤجل الصراع بين توجهات تكويناته، واتفاقهم في آليات العمل أمر طبيعي، لأن الآليات العقلية التي تحكم الإيديولوجيات في تعاملها وفهمها للواقع متشابهة، بصرف النظر عن الأفكار وتناقضها، وهذا يفسر الاتفاق بين أحزاب المشترك في مواجهة الواقع بتبني رؤية انقلابية، وممارسة خطاب رافض لكل شيء، قائم على التشويه والإلغاء والتحريض وتعبئة الأعضاء والناس ضد عدو مشترك.
هذه الإشكالية التي تحكم حركة المشترك في التعامل مع السياسة، وهيمنة المنظور الإيديولوجي على أحزابه، جعلها عاجزة عن تقديم رؤية سياسية واقعية، قادرة على حل المشاكل التي تواجه المجتمع اليمني، وتركيزها الأساسي يتمحور حول مسائل لا تقع في خانة معالجة القضايا الملحة، وإنما في القضايا التي تمكنها في الوصول إلى السلطة، ويتم تجاهل البحث عن حلول، ولكن يتم توظيف المشاكل التي يعاني منها الناس في شعارات عامة لتشويه صورة الحاكم، ويتم تجاوز الحقائق الواقعية التي أنتجت تلك المشاكل، ويتم التركيز على جزء من الصورة الكلية، هذا الجزء يصبح هو الصورة كلها، فتصبح النخبة الحاكمة هي أصل المشاكل، وهذا ما يجعل من المشترك أداة قد تقودنا نحو العنف وطريقة إدارتها للصراع السياسي ليس إلا المقدمات الأولى.
واستمرار المشترك بحاجة إلى تعبئة أعضائه ضد عدو، اتفقوا على محاربته، فأي تصالح مع النظام يعني انهيار المشترك، وبالتالي فان المشترك لكي يستمر عليه ان يصارع النظام، ومهما قدم النظام من تنازلات، فانه سيستمر في محاربته، ولن يستقر الأمر الا بنهاية النظام وهذه الفكرة التي تهيمن على المشترك بلا وعي رؤية مؤسسة لصراع نتائجه سلبية على المشترك وعلى الوطن والدولة والنظام والمنطق ان تقوم تيارات المشترك بنقد نفسها وإعادة بناء تحالفاها برؤية عقلانية خادمة للواقع، ومتجاوزة للرؤية المطلقة في تعاملها مع الواقع، والنضال من أجل القيم التي يؤسس لها المشروع الوطني، والعمل على الحوار مع النظام السياسي ونخبته ومحكوم أولا وأخيرا بالمصالح الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.