قبل أن تبحث الطيور عن الشريك تبدأ بالبحث عن خيوط من القش المتين حتى تبني أعشاشها ولقد أدهشني الأمر حين بقيت مرة لأيام طويلة أراقب ذلك العصفور الأصفر الصغير يبني عشه بمهارة شديدة وصبر كبير ،وأعجبني جداً منظره بعد أن أكمل بناء الهيكل الأساسي للعش يختار نوعية معينة من أوراق الأشجار الجافة ليقوم ب”فرش” العش بنوع جيد من ال”موكيت” الرائع ذي الألوان الخريفية الدافئة التي أحبها جداً ،وكم تمنيت لو أستطيع أن أكون عصفورة لها أجنحة تسكن عشاً دفيئاً لا تعنيني صحافة ولا يمزق قلبي حال مجتمع ولا ترهقني سياسة الكبار الذين لا ندري على أي قارعة ستحط رحالهم ! والآن وبعد أن أصبح العش جاهزاً للسكن يسافر العصفور طويلاً بين مدن خضراء من الأشجار المورقة بحثاً عن شريكة حياته التي ستسكن تلك ال”شقة” الجميلة الدافئة بصحبته، وماهي إلاّ أيام حتى أصبحت العصفورة العروس داخل العش، بديع جداً أن تراهما يطيران معاً ويعودان ! عشهما الوثير معاً، لكن وبعد وجود البيض لا تغادر الأنثى أبداً ويظل العصفور الذكر يطوف فضاءات السماء بحثاً عن طعام لذيذ يطعمه لأنثاه بمنقاره الصغير وحتى جرعة الماء التي يخفيها في حوصلته لا تتعب الأنثى أبداً في الحصول عليها فهو المسئول عن “اطعام وستر وإعفاف” هذه الأنثى العصفورة التي يرتبط معها برابط الحب وهو لأجل أن تفقس البيضات مستعد لأن يفعل كل شيء لأجلها ولأجل بيضها المكنون دون جناحيها الصغيرين. مما سبق يحاول المرء أن يفهم كيف يجب أن تبنى الدول والأسر وفق قواعد ثابتة من الأخلاقيات الإنسانية والعوامل الطبيعية المساعدة على انجاز ذلك البناء، إن ما يحدث اليوم مثلاً من إقبال الشباب على البحث عن الشريك في ظل وضع مادي وعلمي وأسري ردي هو ما أدى إلى فشل كثير من العلاقات وتمزقها وربما هو السبب بعد غياب الوازع الديني في تلك الجرائم الأخلاقية المنتشرة مؤخراً في مجتمعنا والتي تبدأ عادة بحركة لا مسئولة من أحد اثنين بعكس ذلك العصفور الصغير الذي بدأ مسئولاً عن عشه وعن عاطفته وعن أثناه وأطفاله منذ اللحظة الأولى التي بدأ يبني عشه فيها بذلك الاهتمام والعناية والإحساس بالمسئولية. بل أعتقد أن الخلل في البناء قائم حتى على مستوى الدولة إذ نجد الكثير من مجالات الإنفاق والصرف المالي تفوق قدرة الميزانية المطروحة بل وتتجاوز حدودها وتختلف في توجهاتها العامة عن ما وضعته تلك الميزانية، بينما الأصل أن ترعى ميزانية الدولة أهم المشاريع الخدمية التي تساهم في قدرة المواطن على أداء واجبه الوطني والديني والأسري على أكمل وجه. وبعد فهكذا تبني الطيور أعشاشها وهكذا يجب أن يبني الشباب مستقبلهم وتبني الدولة مشاريعها حتى يحدث التوازن في دورة حياة البشر كما يحدث التوازن في حياة تلك الطيور الجميلة بديعة الصنع.