الماركسية كذلك لا تقول بحظر الديمقراطية ومصادرة حريات الناس، وقد أشار أنجلز إلى أن فهم ماركس للعالم ليس مذهباً بل طريقة؛ فهو يقدم لا عقائد جاهزة بل نقاط انطلاق لمواصلة البحث، وهذا يعني أن كل فرد من حقه أن يبدي رأيه وقناعته دون وصاية، ويمكنه أن ينتقد بحرية، فالاشتراكية ليست مذهباً دينياً وكلاسيكيوها ليسوا أنبياء، لكن ما كان يجري في الواقع هناك كان يبدو وكأن الديمقراطية غريبة عن الاشتراكية ويطابقها فقط الطابع التوتاليتاري للإدارة والشكل المكشوف والمتواصل للعنف، حيث جرى تجاهل حريات الناس ومصادرة آرائهم وتجاهل مقصود لحكم المادية التاريخية القائل بأن فكرة القدرية؛ إذ تقر بضرورة الأفعال البشرية ونبذ الخرافة السخيفة بصدد حرية الإرادة، لا تقضي إطلاقاً لا على عقل الإنسان ولا على ضميره ولا على تقييم أفعاله، هذان فقط مثالان بسيطان؛ لأننا لسنا بصدد - كما أشرت - الخوض في التفاصيل، وإذا كان لابد من ذلك فلا ضير أن يكون لحديثنا بقية. ويقول بعض هؤلاء بلهجة السذجاء: (إن نظرية ماركس أقحمت في الاقتصاد والتاريخ والعلوم الإنسانية)، هكذا وكأنهم يستخفوا بمشاعر وعقل القارئ، مما يثير الدهشة عند كل من اطلع على أبجديات العلوم الفلسفية، ولا أدري كيف يأتي لهم أن يجزموا بالرأي في (نظرية) يجهلون فيها أبسط ما ينبغي معرفته وهي مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية، ناهيك عن مفاهيمها ومقولاتها وكل ما يصب في إطار منظومتها الفكرية. ومن لطافة هؤلاء الكتّاب أنهم يحشرون (كمية) معينة من المفاهيم (الممركسة حسب نعتهم لها) مأخوذة على عجل من هنا وهناك وإذا بهم في خضم هذا اللفيف غير المتناسق يقفزون بعيداً عن المضامين الحقيقية للاشتراكية العلمية.. ولاشك أن حماسهم المتعصب العفوي قد قذف بهم بعيداً عن (المارشروت) ليرتطموا فجأة بحائط العدم..! بقي أن أشير إلى أنني لست متعصباً للماركسية ولا مدافعاً عنها. وإن ما أثارني للكتابة في هذه المسألة هو الغيرة على نفسية ومشاعر القارئ الذي غالباً ما ندفع به في متاهات وقوالب جامدة، ما إن يتوغل فيها حتى نتخلى عنه تاركينه حائراً في تفكيكها وتفسيرها، وهو ما فعله بعض الزملاء في كتاباتهم الآنفة، فما إن تتوغل فيها حتى تفاجأ بالكاتب يطل عليك بخاتمته التي يدعو فيها بالعودة إلى الرشد والحقيقة..! وأية حقيقة..؟.. لا ندري..! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك