في البدء لابد من التنويه إلى أن ما أتطرق إليه هنا هو فقط مجرد مراجعة فيما كتبه بعض الزملاء عن سقوط الاشتراكية كنظام سياسي واجتماعي، ليس إلاّ، ومن الضروري قبل كل شيء وأي شيء أن أعيد انتباه هؤلاء إلى عرف مهم وهو أن الخوض في قضايا كبيرة - كنظرية ما - يجب أن يقترن بدراية عميقة بأقسام ومصادر هذه النظرية ومفاهيمها ومقولاتها وكامل منظومتها الفكرية.. هذا أولاً.. ثم إنه من غير المنطق اختزال حياة نصف البشرية تمتد لأكثر من قرن في كلمات معدودة لا تتجاوز نصف عمود، وهو ثانياً، أما ثالثاً فليس من السليم التوقف عند التحامل بالنقد والدحض ومصادرة فكر بشري بكامله دون التحليل والتبرير أو المحاججة.. وأخيراً أرجو أن لا يعتقد البعض أن آرائي هذه هي مواعظ أردت صدعهم بها.. إنها آراء فقط، وقد لا يجهلها هذا البعض، ولكنه تجافى عنها ربما بقصد أو بغير قصد..! والحقيقة أنه عندما قرأت عناوين كتابات بعض الزملاء حول هذا الموضوع، ظننتها تحليلاً مشبعاً بالبراهين والحجج الدامغة، وظننت هؤلاء الكتاب من فطاحلة الفكر أو على الأقل من المهتمين به، وتعزز ظني عند استهلالهم لبعض المفردات النظرية الفكرية، وفجأة من خلال استقراء تلك المواضيع يتبين جلياً أن العناوين إنما فخمت لتعوض عن عقم وهزالة المضمون، وأن هؤلاء الكتاب ممن ينتقدون وبصورة سافرة من ظلوا (حسب قولهم) يرفعون شعارات علمية لا يستوعبونها ولا تنطبق أصلاً على واقعهم.. هم أنفسهم يرفعون المصطلحات النظرية (كالحقائق،المسلمات والبديهيات..) كغطاء يومي من خلال معرفتهم العميقة بمكوناتها كمحاولة منهم لتضليل القارئ لانتزاع موافقته الرأي فيما ذهبوا إليه بحق كل من اعتنق الماركسية..! ولعمري.. إن معظم هذه الكتابات لا تحتوي على أفكار أو آراء محددة بل إنها عبارة عن محاولات للتنفيس عن تعبئة حاقدة مريضة تفتقر إلى السلاح الفكري الثقافي العقلاني. كيف يا ترى اكتشف هؤلاء أن الاشتراكية العلمية هي عبارة عن كذبة كبرى..؟ هل إنهم استوعبوا النظرية الماركسية وملأوا نهمهم منها دراسة وتحليلاً وتطبيقاً بحيث توصلوا إلى قناعة بأنها لا تصلح كنظام في أي زمن ومكان..؟ أم أنهم فقط استندوا إلى ما حدث في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية من تغيرات وانعكاسات أدت إلى سقوط النظام الاشتراكي المزعوم هناك..؟! إن كان الأمر كما هو أولاً فإننا نعذر لهم أحكامهم بحق الشيوعية والاشتراكية العلمية، فتلك هي قناعتهم المنطلقة من الإدراك العلمي، وعلينا احترامها نزولاً عند حرية القناعات والرأي، ولكننا بالمقابل لا نعذر لهم تقصيرهم وبخلهم في موافاتنا بتحليل وتبرير ما يقولونه ويرددونه حتى نسلم أو نختلف معهم فيما ذهبوا إليه..! أما إذا كان حالهم كما جاء في الشطر الثاني من سؤالنا فيسمح لي هؤلاء الزملاء أن أقول لهم حرفياً: إن نظريتهم سطحية ومثالية ذاتية عاجزة عن التفريق بين النظرية والتطبيق، ولا تؤمن إلاَّ بوجود ما تراه وتلمسه فقط..(ماخ).. ولذلك أقول لهم قولاً ربما يبدو جديداً: إن ما كان يجري في الواقع فيما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية ليست الاشتراكية بمفهومها العلمي المحض، ولكن كل ما كان يعتمل هناك باسم الاشتراكية كان مجرد غطاء تحافظ به السلطة السياسية على مصالحها وأهدافها السياسية مع تسليمنا باحتفاظها بالنتف القليل من خصوصيات الاشتراكية، على سبيل المثال لا الحصر نعرف أن السمة المميزة للاشتراكية ليست محو الملكية بصورة عامة بل محو الملكية البرجوازية، بينما ما حدث هناك هو محو الملكية بصورة كاملة وتحويلها كما زعموا إلى ملكية عامة للشعب، وكانت فئة السلطة هناك في ظل الأشكال الجماعية للملكية تستغل الشعب بواسطة طرائق الإكراه الاقتصادية، وهكذا بدت الملكية العامة ملكية الدولة وكأنها ملكية خاصة مشتركة للذين يقبضون على زمام السلطة..! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك