ما يزال القات يصنع باليمنيين مالم تصنعه بهم سواه من الآفات، والقات هو الوجه الآخر للتخلف وهما من اطالا ويطيلا عمر الفساد والعبث في اليمن. يبحث البعض عن فتوى ونص صريح بتحريم القات ،فاذا لم يكن هناك نص فليس القات عندهم بمحرم، ويتناسى البعض أن الله يقول: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). واهل الذكر هنا هم العلماء أهل الاختصاص لكل مسالة من المسائل ، واهل الاختصاص في مسالة القات هم الأطباء واستاذة علوم الزراعة والصيدلة ، ورأيهم يغلب رأي من سواهم مهما بلغ علمه في غير مجالهم، وان افتى شيخ او قاضي في هذه المسألة فنرده عن ذلك الى انه غير متخصص ،وبيننا وبينه الآية السابقة الذكر. يقول أهل الاختصاص إن القات يحتوي على منشطات ذهنية تزيد من حالة النشاط وتستمر لساعة ونصف أو ثلاث ساعات إذ سرعان ما يراود الخمول الجسد ويدفعه لتناول ا لمزيد من تلك النبتة، والقات مسؤول عن ارتفاع ضغط الدم واحتشاء عضلة القلب ومضغه لساعات طويلة يسبب نوبات قلبية مفاجئة، وهو سبب رئيسي في انعدام الشهية والأورام الخبيثة في الفم ، ولا يرتبط القات بمشاكل في قرحة المعدة والمريء ولكنه عامل مساعد إذا ما ترافق مع التدخين. وحده سلطان البُهرة* محمد برهان الدين مهتم بإزالة شجرة القات وموقفه منذ فترة يلقى إعجاباً من كل من يريد التخلص من القات ، قبل سنوات دعم الحكومة اليمنية ب 90 مليون دولار لاقتلاع القات فذهبت الى جيب من سرق اليمن لفترات طويلة ، انتبه سلطان البهرة لما حدث وبدأ بدعم المزارعين مباشرة في حراز وأعطاهم المال مقابل اقتلاع القات ،وشجعهم على زراعة اللوز والبن . هذا الموقف المتقدم للسلطان يجعله في هذه المسالة بالتحديد افضل من كثير من علماء الزيدية والشافعية في اليمن الذين لم نسمع لهم مقترحاً واحداً بهذا الخصوص ، والأسوأ منه هو موقف القاضي الرقيحي وهو عالم زيدي وعضو مجلس النواب اليمني حينما وقف في وجه “مشروع قانون معالجة اضرار القات بالتدريج والتعويض” حينما عرض مؤخرا في المجلس ، وحتى النائب عن حراز عبده بشر وقف ضد القانون، وعلى ما يبدو فإننا سنحتاج الى عقد ندوة لسلطان البهرة ليحاضر فيها علماء وقضاة وأعضاء مجلس النواب وكثير من الاسلاميين والعلمانيين “الموالعة” في كيفية التخلص من القات. يقال إن بعض مقرات الاحزاب اليمنية باتت توفر للأعضاء المتعاطين للقات اماكن او غرز لتناول ما تصنفه منظمة الصحة العالمية بأنه “مخدر” ،تلك الاحزاب تتحدث عن المدنية واهميتها، لكنها بدلاً من إرشاد الناس لأبسط شروط المدنية تحولت مع الأسف الى زرائب للمواشي ،والدليل حضور الاعضاء المنظمين ومع كل واحد منهم كيس “العلف” الخاص به . كثير من دعاة المدنية بشقيهم الاسلامي والعلماني لا يختلفون عن مرتادي الغرز، فالمدنية في اليمن تحتاج الى علف لتنتج افكارا ضخمة ، وبما ان “العلف من الجبل والجبل يشتي مطر والمطر من ربنا” فإن الموالد التي يقيمها الصوفية في مساجدهم يحملون القات معهم ليمضغوه في المساجد كي يستعينوا على ذكر الله الحي الذي لا يموت، كي يرسل الامطار على الجبال لتنتج القات الذي يساعدهم على ذكر الله. القات يجعل المدني والدرويش والرعوي في نفس الخانة ، يمارسون التخلف عن عمد، ولا يقبلون النقد في هذه المسألة، لأن العادات والتقاليد قد اكسبت التخلف شرعية ، شرعية التخلف هذه لن تمحى بسهولة من رؤوس الناس. كل الناس يشكون من القات لكن الكثير منهم يتعاطونه يحرمونه نهاية “الخدارة” ،ويتعاطونه في نفس الموعد من اليوم الثاني ، ولا شبيه بحالتهم تلك سوى الحكومات اليمنية التي توافق عالمياً على تحريم القات وتستلم ضرائبه محلياً ، ضريبة القات عندنا في اليمن مثل حكاية اليهود الذين يحرمون أكل الشحم وينتفعون بثمنه. شكراً لسلطان البهرة مرة اخرى وشكراً لأهل حراز فقد اعطوا مثلا طيبا عن الوعي لدى الانسان اليمني ونتمنى من الجميع ان يحذوا حذوهم ،لا ان يبرروا مضغ القات بأنه خير من الكوكايين وأنه لا يزيل عقولهم اثناء المضغ ، واتمنى ان يستخدموا تلك العقول ان وجدت!، وان يضع كل مولعي مرآة في ديوانه ويتفرج على صورته ساعة “الاعتلاف” ويفتح التلفزيون بجوارها ويشاهد فيلما علميا عن علف المواشي ! ليشاهد الفرق بنفسه لا ان يضطرني لأن اخبره عنه مرة اخرى . عندما انتقد تعاطي القات او زراعته او بيعه فذلك من حرصي على شعبي ووطني واهلي من مضار هذه العادة القاتلة ، ومن الصورة التي يرسمها العالم عنا كشعب يعتلف ،ولن نستطيع تغييرها حتى يتوقف الناس عن الاعتلاف نهائياً. * البهرة : طائفة تسكن في منطقة الحُطيب بحراز - حيث يوجد ضريح حاتم الحضرات وهو الداعية الفاطمي الثالث حاتم بن إبراهيم (توفي سنة 596ه). رابط المقال على الفيس بوك