استرعتني صرخة الأخ المهندس أكرم عبد الله عطية محافظ محافظة الحديدة عبر صحيفة «الجمهورية» الغراء وهو يستغيث لإيقاف عتاولة الفساد ومافيا الأراضي وهي تزحف للسطو على ما تبقى من حرم مطار الحديدة واستمرار البناء العشوائي في إطاره.. وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة بأن ذلك سيؤدي إلى إيقاف حركة الطيران في هذا المطار. ولكم كنت أتمنى من حكومة الوفاق الوطني أن تستجيب سريعاً لهذه الصرخة، ولكن دون جدوى، خاصة مع شيوع حالة من الاسترخاء والتخمة والكسل العام وعلى كافة المستويات، وهو الأمر الذي أدى بالأخ المحافظ عطية إلى إطلاق تلك الصرخة المدوية.
قد يتساءل البعض: ألا يمتلك المحافظ والأجهزة التابعة له سلطة الرد لفرض النظام والقانون وإزالة العبث وكل تلك التعديات على الممتلكات العامة للدولة وضبط ومحاسبة المخالفين ممن أقدموا على تلك الأعمال والانتهاكات؟
مثل هذا التساؤل يكتسب مشروعيته في ظروف ومناخات سياسية وأمنية مواتية واعتيادية وليس في ظروف كالتي يعيشها الوطن راهناً، حيث تتعدد فيه الأهواء وتتناحر فيه قوى النفوذ والمصالح في مناخات تتراجع فيها سيادة القانون لصالح شرعة الغاب وترتفع أصوات الباطل على حساب انكفاء أصحاب الحق .. وتستفحل العشوائية على النظام إلى ما هنالك من مظاهر العشوائية والفوضى السائدة.
وفي مثل هذه الأوضاع السلبية لا تستطيع مؤسسة بمفردها أو مسئول لوحده الحفاظ على ممتلكات الدولة، كما لا تستطيع أيضاً فرض النظام والقانون ومحاسبة المتورطين في جرائم نهب ثروات وممتلكات الأمة ومنها التعديات السافرة على أراضي وعقارات الدولة.. أكرر القول بأن لا أحد يستطيع أن يطبق سيادة القانون ما لم تعمل مؤسسات الدولة كمنظومة عمل واحدة وما لم يتم دعم المسئول في هذه المحافظة أو تلك التي ابتليت بمافيا الأراضي دعماً كاملاً من القيادة والحكومة.. وما لم تتضافر كذلك جهود كافة القوى والشخصيات والوجاهات الاجتماعية في تعزيز دور هذه السلطة المحلية لتطبيق معايير المساءلة والمحاسبة وفي الإطار الذي يرسخ كذلك قيم الحق والعدل والمساواة وفرض هيبة القانون .. وهي – ولا شك – حصيلة لجهود منظومة المجتمع ككل ومؤسساته الرسمية والشعبية المختلفة، فضلاً عن مسئولية السلطات الثلاث والنخب السياسية والفكرية وأصحاب الفضيلة العلماء لما يعول على دورهم في إصلاح حال المجتمع بصورة عامة وإيقاف مظاهر الفساد والإفساد من ناحية أخرى.
والحقيقة فإنما يحدث في حرم مطار الحديدة ليس بمعزل عما يحدث لكثير من ممتلكات الدولة في عدد غير قليل من محافظات الجمهورية، حيث يتكرر تعرض ممتلكات وأراضي الدولة ومؤسساتها لنهب واستيلاء، إلا أن الفارق الجوهري في هذه المسألة التي خيم على أكثر حالاتها الصمت المطبق يكمن في أن الأخ المهندس أكرم عبد الله عطية استطاع أن يجهر بصوته بعد أن أعيته الحيلة وخذلته المؤسسات المناط بها حماية هذه الممتلكات.. وهو موقف شجاع ومحسوب للأخ محافظ الحديدة الذي قدم أنموذجاً في الصدق مع النفس والشفافية مع الجميع قلما يمتلكه الكثير من الإخوة المسئولين وفي مقدمتهم بعض المحافظين الذين يعانون الأمرّين جراء مثل تلك التعديات وهيمنة قانون الغاب دون أن ينبس أي منهم ببنت شفة!.
وبالمناسبة.. أسمح لنفسي هنا بأن أتساءل عن الجدوى من القرارات التي اتخذتها اللجنة العسكرية وهي تتابع تلك التعديات عن كثب في حرم مطار الحديدة؟ وما إذا كان لتلك القرارات سلطة التنفيذ ؟ ولماذا لم تتمكن من تطبيق قراراتها وإزالة كل تلك الاستحداثات غير القانونية وبحيث تعيد الحق إلى نصابه كما يعود السيف إلى غمده؟ أم أن الأمر خارج سيطرتها ومسئوليتها؟
المطلوب وقفة جادة من الحكومة لمساندة ودعم قيادة محافظة الحديدة وهي تستنفر إمكانيتها وقدراتها لمحاصرة هذه الإشكالية والحد من استفحالها وإيقاف المتسببين فيها من رجال مافيا الأراضي والتي باتت جرائمهم تزكم الأنوف وتثير في النفس الغضب الذي يبدأ بآهات مكتئب وينتهي بزئير ملؤه نقم!. رابط المقال على الفيس بوك