حين يجد المواطن نفسه غريباً في بلده، بلد الحكمة والإيمان، وحين توصد أمامه الأبواب وتتفتح أمام البعض على مصراعيها، وحين تكتم أنفاسه وتنهب أراضيه في محبة آل البيت والانساب والمقربين، وحين لا يجد المواطن المغلوب على أمره بصيص وظيفة، ويفتقر إلى ذرة من النسيم في بلد الإيمان والحكمة وبمعنى آخر، حين تغلق أمام ناظريه مختلف مسامات الحياة، حينها تتداخل الأمكنة فتصبح صنعاء مركزاً للتحكم ومحطة للفيد وتصبح الحديدة بؤرة للنهب ومحلاً للانكسار، بفعل التهميش والإذلال، وتصبح تعز وعدن الحالمتان مصدراً لقلق المركز بفعل وعي العامة فيها، وتصبح الأزمنة أمراً مألوفاً مكرراً يعيد إنتاج نفسه وإن كان ذلك بطريقة أخرى معاصرة وآخذة للمسألة الدولية والإقليمية في الاعتبار، لما قبل خمسة وأربعين سنة فقد كان للشأن الدولي والإقليمي دور غير فعال في بلاد الحكمة والإيمان وإن كان هذا الدور خفياً وصفوة أهل اليمن كانوا على إحاطة بغوره وأبعاده..! سئل الحكيم كنفشيوس، عن الأسباب التي يمكن له أن يحكم بها الناس، فأجاب : بأن نظام الحكم والأسباب لذلك يجب أن ترتكز على مسائل ثلاث. الأولى أن يكون هناك جيش قوي يكون ولاؤه للبلاد وناسها. الثانية أن تتوفر للناس لقمة العيش، وفي هذا ما ينطوي على أن توفر لهم كل الأسباب من أجل العيش الكريم وليس كما هو حالهم في بلاد السعيدة، حيث العديد من أبناء السعيدة وخاصة أهل تهامة يمسكون بقرون البقرة من أجل يحلبها أصحاب العيون الحمراء. أما الثالثة فهي أن تمنح الناس الحرية في الاعتقاد وفي المداولة وفي الرؤى وفي الحقوق السياسية والإنسانية. فقيل له إذا أخذنا ايها الحكيم واحدة من هذه المرتكزات الثلاث فأي منها سوف تتنازل عنها فأجاب قائلاً : خذوا لكم الجيش وأبقوا على حريات الناس ولقمة عيشهم. فقيل له وإذا أخذنا منك حاجتين من هذه المرتكزات الثلاث !؟؟ فقال : خذوا لكم الجيش والحريات، وابقوا على لقمة العيش للناس. ففي مصر الكنانة يطفح المتأسلمون على سطح الحياة، ويطلقون تلك البالونات المناهضة للحياة المدنية، وهم من خلال فتاوى بعضهم التي تعكر صفو الكون ويبدون في تصرفاتهم وتصريحاتهم أنهم عازمون على شق الصف من خلال تلك الفتاوى التي لا تمت إلى دين المحبة بصلة، فأين الاعتصام بحبل الله من هؤلاء وأين قول المولى لنبي الرحمة، «لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر»، فالمولى سبحانه لم يعط لنبيه هذا الحق الذي يعطونه بعض المتأسلمين لأنفسهم، وهم بذلك وللأسف لم يستوعبوا ضرورة التغيير وأهميته، حين خرجت جماهير شعب الكنانة وتخندقت وسالت دماؤها من أجل هذه المطالب، إذ إنه من غير المنطقي أن يذهب ذلك النظام الذي كان سبباً في الثورة والتضحية ويأتي إلى النظام غول آخر يستحوذ على كل المقدرات بعقلية العقود الغابرة التي لاتزال تتخندق وتتجادل حول طول الزنة إلى الكعبين أم إلى تحت الركبة في حين أن مصر الكنانة وشعبها العظيم مايزال يعاني من العوز والفقر ومن العديد من المطبات التي تقف حائلاً أمام حرياته العامة ولقمة عيشه الكريمة، وهو يحتاج حسب تخصص الاقتصاديين إلى عدد من المليارات كي يدخل هذا المدخل غير أن الحاصل والجلي هو أن المردود لتلك الفتاوى التي لا تمت إلى الاسلام ولا إلى العصر بصلة كان هو الرحيل للرأسمال حيث يبحث له عن عوالم تستفيد منه ويستفيد منها وها هي مصر تعاني من أزمة اقتصادية نتيجة لتلك الدعاوى والفتاوى التي يطلقها هؤلاء، والتي تُنفر الجن وليس الرأسمال وحده أو البشر ومصر إذا ما استمر المتأسلمون في غيهم فإن مصيرها سيتوجه إلى حيث لا يحمد عقباه، ولذلك يجب أن يفهم هؤلاء الأحبة أن الاسلام هو للمسلمين جميعاً وأن الدين المسيحي هو للمسيحيين جميعاً وكذلك الدين اليهودي وجميعهم منزلون من المولى عزوجل وعليهم أن يفهموا أن الاسلام دين محبة وتسامح ورحمة وليس كما يتوهمون أنه دين خاص بهم وحدهم ويجب أن يدركوا بأن الوطن هو للجميع ويجب أن يتولى شئون إدارته نخبة من العلماء في مجال الاقتصاد والسياسة والاجتماع والسياحة ومن باعهم طويل في الحقوق المدنية والحريات وليس ممن حملوا الدكتوراه في نواقض الوضوء فهؤلاء نحتاجهم للإرشاد وتوعية العامة لأمور دينهم. ونحن هنا في بلاد الإيمان والحكمة نسأل القائمين على أمور البلاد التي كانت سعيدة في العقود الغابرة، ونقول لهم ماهو الذي اعطيتموه لناس هذه البلاد وأية حكمة أبقيتم عليها، وأية مساحة للحريات حميتموها، إذا كان هناك من لاحظ أو انتقد أو أبدى وجهة نظر في بعض ما يحيط به أو تغزل في الوطن وناسه وفي مخلوقات المولى وفي الكون، ينال منه، وتحلق على هامته معاول التكفير والردة وخلاف ذلك مما لا يليق بالإنسان المسلم أن يُطلق على كافر فما بالكم أن هذه التهم توجه ضد أناس يعرفون الاسلام وهم متدينون حقيقة وليس زيفاً كما هو حال البعض من المدعين والمزايدين على الاسلام. هناك العديد من المنزلقات التي يقع فيها بعض الجماعات الإسلامية المتشددة بسبب عدم فهم بعض النصوص أو تفسيرها وفقاً لما ذهبت إليه دون إعمال للأدوات وكذلك عدم إحاطتها بأسرار اللغة من الاستعارات والكنايات والجناس والدلالات وخلاف ذلك لزوم الأدوات التي تفسر من خلالها نصوص الشعر والأدب. وهي تبنى عن عدم إحاطة بالأدب والشعر واشتراكهما مع الفلسفة، فهما كما يقول النقاد لا يكتفيان بالتأثير على قضايا الناس، بل يشكلانها على نحو تصبح الحياة مطلوبتين في الافصاح عن خصوصية التعبير وجماليته وعن الحقوق والمواطنة المتساوية في كل بلاد الله، وهذا هو الدور الذي لم يدركه بعض هؤلاء. وفي بلاد السعيدة يكون من نتيجة ذلك هو التحامل والتكفير لأبنائها الشرفاء ففي كل يوم نصحو على تكفير هنا ولعانٍ هناك على قامات ثقافية وأدبية وعلمية ونضالية، تحت عباءة الأسلمة وعلى معالقها، ففي سابق الأيام صحونا على البعض وهو يتقيأ على القامة الأدبية، صاحبة الباع الطويل في قضايا الموروث والفلكلورات الشعبية، الأدبية الأستاذة أروى عثمان وقبل ذلك كان هناك من يريد أن يُكمم أفواه العديد من الأدباء والمفكرين أمثال الشاعر الكبير الرازحي والأديب والروائي والباحث علي المقري، والعديد من الصحفيين والناشطين الحقوقيين، أمثال الناشطات الباشا، والمقطري والعديد من القامات الأدبية والعلمية، مثل الروائي الرائع وجدي الأهدل والقاص والكاتب الغربي عمران وفكري قاسم واليوم نلاحظ أن نفس السيناريو يتكرر مع شخص الناشطة الحقوقية سامية الأغبري وعلي السعيدي وخلافهما الكثير غير مدركين هؤلاء الأحباب أن حق الناس عليهم في بلاد السعيدة وحق الاسلام كذلك أن يخوضوا في قضايا الأمة وفي حقوقها وفي لقمة عيشها بدلاً من الخوض في أعراض المسلمين والمسلمات أو في أعراض غير المسلمين، ذلك لأن “المسلم ليس بلعان” إذ كان يتعين عليهم عدم الخوض في مسائل يتضامنون بها مع الأنظمة المستبدة والعابثة بمقدرات الأمة، بأفعالهم تلك التي يقدمون بها خدمة مقشرة لتلك الأنظمة التي أتت على مختلف مقدرات الأمة، وهم اليوم متضامنون ومتحالفون وإن لم يسموا ذلك تحالفاً، مع مختلف قوى التخلف من مشيخات وعسكر ينطبق على بعضهم قول الشاعر الكبير محمد محمود الزبيري، ذلك لأن التربية والتأهيل كانا يصبان في اتجاه الولاء للنظام ليس غير، وهم جميعهم يعملون على محاصرة الحياة المدنية ويحرصون على توجيهها صوب مقاصدهم ومصالحهم بعيداً عن مطالب الأمة وأحلامها في التحرر والعيش الكريم، وبعيداً عن جادة الاسلام الذي أتى به نبي الرحمة. وتحالفهم ذلك يعد إصراراً منهم على أن لا يصبح المثقف مكوناً مهماً في الحياة. وأخال أن لا عاقل أو مسلم يحتكم إلى غير العقل أخال أنه لا يمكن له أن يحتكم إلى غير المنطق والعقل الذي كرم الله به نبي الإنسان، ولذلك فإنا ندعو أخوان مصر إلى كبح وتحجيم تلك الأصوات النشاز التي تتفرقع هنا وهناك وكذا الاحتكام للعقل وإلى فك الاشتباك مع القوى الليبرالية والمدنية ومن تمكنهم من حقوقهم في الحريات العامة وفي تطوير الحياة المدنية والحقوقية وبشكل يمكنهم من الإسهام في النهوض بالبلاد والعباد، والنداء نفسه نوجهه إلى الاحباب في يمن الحكمة فالوطن يتسع للجميع والاسلام هو حق للجميع وهو دين الله الواحد القهار الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو لا يحتاج إلى وصاية من أحد. والله من وراء القصد. رابط المقال على الفيس بوك